حول الجيش الوطني للمعارضة السورية



يتزايد الحديث عن تشكيل “جيش وطني” للمعارضة السورية بعد سلسلة لقاءات ومفاوضات بين مختلف الفصائل العسكرية في الأسابيع الماضية. وليس الحديث عن تشكيل عسكري موحد بجديد، إذ ظهرت محاولات لا تحصى لإنجاز تلك المهمة على مدى السنوات الماضية وقد آلت جميعها إلى الفشل.
تشكلت أجسام عسكرية متفاوتة الحجم ما لبث أن انفرط عقدها، أو بقيت تجمع فصائل عسكرية مستقلة غير قادرة على الاندماج في جسم واحد. يشمل ذلك حتى أقوى الفصائل العسكرية مثل أحرار الشام، إذ حافظت قوى في داخلها على تكتلاتها وانشقت في أكثر من مناسبة.
ورغم أن إنشاء جسم عسكري واحد يمكن أن يخدم الهدف السياسي المعلن لتلك المجموعات، وهو إسقاط النظام السوري، أو يحسّن من موقعها في عملية التسوية السياسية، فإن العامل الآخر، وهو خشيتها على سلطتها الداخلية، حال دوما دون تحقيق الاندماج.
منذ زمن بعيد، لم تعد المعارك العسكرية للمعارضة مدفوعة بالصراع مع النظام السوري، وإنما بالصراعات داخل صفوفها. ويشمل ذلك الاقتتال الداخلي كما حصل في الغوطة الشرقية وتكرر في شمال سوريا، ولكنه يشمل أيضا معارك المعارضة ضد النظام السوري.على سبيل المثال، فقد ظهر من معركة فك الحصار عن مدينة حلب قبل نحو عام أن هدفها لم يكن قتال النظام السوري بقدر ما كان تعزيز هيمنة حركة أحرار الشام وجبهة النصرة على المعارضة في المدينة.
يأتي تجاوب الفصائل العسكرية مع مبادرة الجيش الوطني الجديدة في سياق انسداد الأفق العسكري وتزايد ضعفها وتراجع الدعم الذي تتلقاه. جعلها كل ذلك في حالة تهديد وجودي من قبل جبهة النصرة والنظام السوري وحلفائه. ورغم كل تلك العوامل الضاغطة للاندماج، لا يزال إنشاء جيش وطني بعيد التحقق.
الحقيقة أن المفاوضات لا تجري انطلاقا من سؤال كيف يمكن تحسين موقع المعارضة السورية تجاه النظام السوري وحلفائه، وبالتالي انطلاقاً من ضرورة إنشاء حركة تحرر وطني موحدة تواجه جرائم النظام والتدخل الخارجي. تجري المفاوضات حول توزيع القوى في الجيش الجديد. بالنسبة لعدد من الفصائل التي تتجاوز كونها مجرد فصائل عسكرية، كحركة أحرار الشام وجيش الإسلام، يطمح الطرفان للعب دور مركزي ليس فقط في التشكيل الجديد، بل أيضا في مستقبل البلاد بصورة عامة.
ولكن، في أي مفاوضات، يتوقع أن تحظى الفصائل المهيمنة بأكبر المنافع وأهم المواقع السياسية والعسكرية في أي جسم سياسي – عسكري وليد. وهذا ما يشجع أحرار الشام وجيش الإسلام وعدد من الفصائل الكبيرة الأخرى على الانضمام بشكل أسرع كما أعلنت بالفعل، فيما تتخوف الفصائل الصغيرة التي تستمد قوتها من الوضع الراهن وتخشى أي تسوية وتنظيم جديد. وهذا هو موقف الجبهة الجنوبية في مدينة درعا والمتشكلة من عدد كبير جدا من الفصائل الصغيرة المتناثرة.
يسري ذلك على كل المفاوضات سواء مع النظام أو داخل المعارضة، حيث قد تلعب الفصائل- متوسطة الحجم- دور المخرب أو قد تنتقل إلى معسكرات أخرى توفر لها إمكانية الاحتفاظ بشيء من سلطتها. يمكن لعدد من تلك الفصائل إذن في حالة السير في تشكيل جيش وطني موحد أن تنضم إلى هيئة تحرير الشام أو إلى قوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن النظام السوري الذي بات يمنح، بتوصية وضغط روسيين، إدارة ذاتية مجردة من أي قيمة سياسية لبعض المناطق.
وعليه فإن العملية شديدة الصعوبة رغم الضغوط الدولية والإقليمية التي لا يعرف مدى جديتها وإخلاصها. فديناميات التنافس داخل صفوف المعارضة المسلحة باتت منفصلة عن الهدف السياسي المعلن بتغيير النظام ونجاح الثورة. بالنسبة لعدد لا حصر له من الفصائل العسكرية فإن أي تسوية سياسية، حتى لو كانت مقبولة تماماً من السوريين، سوف تنهي مصادر قوتها، ومصادر رزق قادتها.
وعليه، فإن الاندماج الحقيقي لا يبدو ممكنا عن طريق المفاوضات. ونقصد بالاندماج الحقيقي ذلك الاندماج الذي يحل بصورة نهائية عشرات الفصائل العسكرية القائمة ويشكل جسما عسكريا واحدا يحدث نقلة بالتنظيم والأداء العسكري للمعارضة السورية، ويخدم بصورة نوعية تحقيق هـدفها السياسي. المعطيات تشيـر إلى أن هذا النوع من الاندماج لن يحدث إلا بالقوة. ولا يمكن التعويل على الضغط الإقليمي ولا على قطع الدعم المادي بعد أن تداخلت مصادر التمويل وتراجعت حدة المعارك، ما دفع كل طرف لتخزين الأسلحة التي يمكن أن تعينه لأشهر قادمة، أشهر من المتوقع أن تشهد استمرار فشل مشاريع الوحدة والاندماج.

(*) كاتب فلسطيني سوري




المصدر
العرب