عندما تُظلم بجريرة غيرك… قصة (أم أحمد) التي لا تجد من يعالجها




خالد عبد الرحمن: المصدر

لا تختلف الأيام عند “أم أحمد”، فجميعها متشابهة، ولا تكاد تعلم بدخول الصيف أو انتهائه إلا من خلال لباس الأطفال والجيران الذين يزورونها في كل شهر مرة، حيث تقضي “أم أحمد” يومها طريحة الفراش هزيلة الجسد، وزوجها عاجزٌ عن الحراك أو تأمين الطبابة لها.

لم تكن تعلم “أم أحمد” أن نزلة الصدر التي أصابتها ستكون قوية لدرجة أنها تعجز عن شفائها، حيث استيقظت في أحد أيام الشتاء على أثرٍ بسيطٍ لنزلة صدرية، فاستعانت بأدوية الالتهاب المخصصة لهذا المرض، ومع الأيام أصبح يزداد وضعها سوءا، راجعت أطباء كثر ولم يحدد أي طبيب مرضها بشكل تام، وكل طبيب كان يعطيها نوعاً من الدواء، وأصبحت الآثار الجانبية تزيد من هزالتها وضعف جسدها.

“أم أحمد” تلك المرأة الثلاثينية، زوجة لعسكري برتبة رقيب في جيش النظام، لم يمنعها التدقيق الشديد على المتطوعين وعائلاتهم من النزوح منذ بداية الثورة إلى مناطق ريف إدلب بحثاً عن الأمان، ولأن زوجها لم يستطع أن يتحمل رؤية إجرام النظام آثر الانشقاق والنزوح بعدها.

تقول “أم أحمد” في حديثها لـ “المصدر”، وفي عينيها غصة الحزن ودمعة الألم، “تحملنا معاً أقسى أنواع القهر والفقر وخاصة بعد أن توقف راتب زوجي بحكم انشقاقه، فما كان منه إلا أن التحق بإحدى كتائب الجيش الحر محاولاً أن يستعين بأي مبلغ ولو كان ضئيلاً يسد به حاجياتنا المنزلية بالحدود الدنيا”.

وتتابع بعد أن بات اللون الأصفر طاغياً على وجهها وبات التعب ظاهراً عليها: “فطمت ولدي الصغير ابن الثمانية أشهر فلم أعد أستطيع حمله، وخوفاً عليه من آثار الدواء الذي لم يعد يفي بالغرض ولم يعد له أي فائدة، فلا أشعر بوضعي إلا يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وألمي لا يكاد يفارقني”.

ولعب التوزع الجغرافي ونقمة النظام على ذوي المنشقين دوراً في حياة “أم أحمد”، فبعض أنواع الدواء ليست موجودة في مناطق الشمال المحرر، والأجهزة الطبية التي تحتاجها موجودة حصراً في مشافي مدينة دمشق.

“يحترق قلبي على أطفالها وعليها”، كلمات رددتها والدة “أم أحمد” والعبرات تسبق بعضها على وجنتيها التي أتعبها هم السنين،” ابنتي هذه أضحت الآن عاجزة أمام الظروف التي فُرضت عليها، تنتظر…تنتظر اللاشيء”، تقول والدة “أم أحمد” التي هي اليوم القائمة على مساعدتها والتهوين عنها.

وتضيف في حديث لـ “المصدر” وقد تركنا ابنتها على شرفة المنزل وعيناها لا تكاد تفارقها، “ولدي رئيس قسم في مشفى البيروني بدمشق، ولكنه تخلى عن أخته في هذه المحنة، اختار المال على الضمير، وابنتي لا تستطيع السفر لتأخذ علاجها الحقيقي في دمشق، فحواجز النظام لا تستثني امرأة ولا مريضا ولا كبير سن، حاولت مع الطبيب أن يخبرها إن كان مرضها خطيراً أو عضالا، ولكنه جاوب بالنفي وأن كل ما تحتاجه هو دواء لحقن الرئتين ولا يوجد إلا في دمشق”.

لم تتوقف قصة “أم أحمد” عن حد عجزها عن السفر إلى دمشق، بل باتت تُعامل على أنها بغير حاجة لأي مساعدة، فوجود أخاها في مشفى البيروني بات يحمل معه آثاراً أخرى، وتحميلها ذنب استمراره في دعم النظام ووجوده في دمشق، بل وإلصاق صفة “التشبيح” بها لتجد نفسها حبيسة المنزل طريحة الفراش رهينة المرض الذي أثقل عاتقها وعاتق عائلتها.

حال “أم أحمد” كحال الكثيرات من النساء التي فُرضت عليهن أقسى أنواع الظلم، ليكنّ ضحايا نوع جديد من الألم الذي تتعرض له المرأة السورية وجلادها هو النظام الذي لا يتوانى لحظة عن القتل ولو كان قتلاً غير مباشر. الأمر الذي ينعكس على أسرتها والمجتمع بشكل عام، فكانت صاحبة النصيب الأكبر مما يحصل وما يجري، وتعددت أشكال الألم التي تتعرض لها المرأة، فمن سجن إلى ظلم وتشريد، إلى حرمان واضطهاد.




المصدر