هذا شأني، وليس شأنك!
16 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
أليس عجيبًا أن يقتصر على اللاعبين وأعضاء المنتخبات الرياضية العربيّة فقط -دون غيرها من فِرق ومنتخبات العالم- الإصرار على رفع صورة حاكم هذا البلد أو ذاك، إثر كلّ فوز تحقّقه، أو حتى تعادل، أحيانًا؟!
سؤال يستحقّ أن يُطرح في ظلّ ما نشاهده في بطولات دولية تشارك فيها منتخبات عربيّة، فتفوز أو تخسر أو تتعادل كغيرها من الفِرق والمنتخبات؛ غير أن ظاهرة رفعها لصورة الحاكم في بلدها لا تشبه بها غيرها أبدًا.
بالتأكيد، لا علاقة لحبّ بعض أعضاء المنتخبات العربية لحكَّام بلدانهم، فثمَّة الكثير من اللاعبين والإداريين في العالم قد يُكنُّون الإعجاب برؤساء دولهم أو رؤساء وزرائها، غير أن صورهم لا تظهر في الملاعب مرفوعةً، لا على أيديهم ولا على غيرها. هل شُوهدت صور ترامب أو ماكرون أو ماوريسيو ماكري أو ماكي سال، مرفوعة على أيدي رياضيي أميركا أو فرنسا أو الأرجنتين أو السنغال، إثر فوزهم بمباريات وألعاب رياضيّة متنوعة؟
تُرفع أعلام البلدان؟ نعم. يُردَّد النشيد الوطني؟ نعم. أما صورة رئيس البلاد فلا علاقة لها، ولا لصاحبها، بالمباراة فوزًا أو خسارة أو تعادلًا. يُذكّر هذا بما رُوي عن المنتخب البرازيلي، يوم خاض مباراة مهمة مع منتخب آخر، كان يُتابعها الرئيس البرازيليّ على التلفاز، وحين شعر بالقلق من احتمال خسارة منتخب بلاده، اتصل بالمدرّب طالبًا منه إشراك النجم المعروف “روماريو” الجالس في صفوف الاحتياط، فردَّ المدرّب عليه بجملة واضحة، بسيطة، وحازمة: “هذا شأني وليس شأنك”.
وفي واقعة أخرى، أن رئيس الدولة قدَّم اعتذارًا علنيًّا لنجمٍ رياضيّ عن قوله عنه إنه بات يميل إلى السمنة. وحينها، قام النجم بتثبيت نصّ اعتذار الرئيس على صفحته الخاصة في (فيسبوك). وثمَّة العديد مما يذكره المتابعون المتخصّصون في عالم الرياضة عن شكل علاقة اللاعبين بمسؤولي الدول في مختلف المناصب، بما فيها الرئاسيّة، والتي تفيد بسعي المسؤولين إلى لقاء نجوم الرياضة والتقرّب منهم واسترضائهم، وليس العكس.
هذا كلّه، وأكثر منه بكثير، نشهده في مختلف دول العالم -سوى الدول العربية- بما فيها الآسيوية والإفريقية، الأشدّ فقرًا واقتتالًا أهليًا قَبَليًّا عشائريًا، وتخلفًا اجتماعيًا، واستبدادًا سياسيًّا؛ ورغم ذلك ليس بين فِرق تلك الدول ومنتخباتها، بل حتى بين أفرادها في ألعاب القوى، مَنْ راح، في أثناء تقافزه وجريه تعبيرًا عن ابتهاجه وفرحته بالفوز أو نيله الذهب؛ يرفع صورة رئيس بلاده أو زعيمها.
لا يحدث ذلك -كما أحسب- إلا في بلداننا العربيّة، ولدى رياضيينا فقط، أفرادًا ومنتخبات وفِرقًا! وإيغالًا في الظاهرة يمكن ذكر تجيير الفوز لصالح الرئيس، أن المدعو سميح مدلَّل -الرئيس الأبدي للاتحاد الرياضي العام في سوريّة منذ انقلاب الأسد الأب- كان يحذّر الإداريين المرافقين للرياضيين من أن يحدث -ولو لمرة واحدة- أن يغفل اللاعبون عن واجب إهداء فوزهم وكؤوسهم وميدالياتهم إلى راعي الرياضة والرياضيين الأب القائد إلخ…إلخ
ذكرتُ سوريّة كمثلٍ صارخ. لكننا -والحمد لله- في دول عربيّة عديدة لا نعدم مَنْ يُسارع إلى رفع صورة حاكم بلده بُعيد كل فوز، بل يتزيَّد البعض منهم، فيقف متخشّبًا أمام الصورة لتأدية التحية النظاميَّة -على طريقة العسكريين- حتى لو كان النقل التلفزيوني حيًّا ومباشرًا إلى مختلف أنحاء المعمورة، كتصفيات كأس العالم!
يجري ذلك من دون أن تحين التفاتةُ تنبيهٍ، لا من حاكم البلاد، ولا من مستشاريه، ولا من أحد المعنيين النبهاء، إلى وجوب إلغاء هذه “العلامة العربية الفارقة”، والدّالة على خنوع المحكوم للحاكم، وعلى ارتضاء الحاكم بالتدليس المفتعل المفضوح، فضلًا عن الحشر المصطنع لمظهرٍ، ليس من مسالك الرياضيين في الدول المتقدّمة، ولا الأخرى المتخلّفة التي نماثلها وتماثلنا. أما إذا كنّا أشدّ تخلّفًا وبؤسًا من الأخيرة هذه، فالأمر -حينئذ- لله!
[sociallocker] [/sociallocker]إبراهيم صموئيل