كشكول الثقافة والسياسة

17 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
5 minutes

من لا يقترب من الشأن العام لا هو مثقف ولا هو سياسي!!

لم تعد جاذبةً أسماء “مثقفين ولا نخب”، سواء كانت سياسية أم ثقافية، ولم تعد تثير لدى الشارع غير الخلايا التي تحفّز على الغثيان والإقياء، على كمّ المؤلفات في غابر الأيام. وواقعها الذي كانت تستكين له يُعبّر عنها وعن أزمتها الأخلاقية، وهو واقع حذّرنا منه الراحل إدوارد سعيد، في محطات مختلفة ومتكررة. ولا أضيف شيئًا إذا انتبهنا إلى ما تطرحه اليوم، سوى الأهمية المتمثلة في اضمحلال ادعاءاتها في الفكر والسياسة والثقافة والأدب، والمشوهة لقيمة الإنسان وثقافته التي ادعت أنها وجدت لخدمته. رهط الثقافة والأدب والسياسة، وحواملهم من النخب المشوهة للدور الذي تطلع به اليوم، يبدون أقرب إلى السذاجة حين ينهلون من شعارات يعتقدون أنها تشكل متكئأً لهم على حائط الإنسان، يمارسون فيه ثقافة تبقى الأكثر التصاقًا بالصيغ التي طرحها إدوارد سعيد، بمسميات الثقافة المتنوعة.

فما زال “المثقف الاحترافي يهتم بكل القضايا، ويهرب من الشأن العام وينكره”، ومثقف المكافأة يتنقل قلمه بين أوراق الصحف الصفراء، يجد حيزًا “مهمًا”، وعينه على جيبه، والمثقف التقني يجيد ويبدع في اختصاصه الضيق، ولا يمس ما هو خارج اختصاصه، والمثقف التلفيقي الذي يجمع براعة وخفة في التخندق خلف شعارات أجاد لوكها، معتقدًا أنها تحميه من وهج الشأن العام الذي لا يكون المثقف إلا به، ولا يكون سياسيًا وأديبًا، وهو في شرنقة ما يدعي.

طبعًا، هذا لا يمنع من القول إن بعض الصحف والأقلام صارت كشكول “عجيب وغريب”، فكما يكتب البعض عن الثورة السورية في الصحيفة ذاتها، فإنك أمام صحافيين، وربما رؤساء تحرير، يسعون إلى نوع من الإثارة -أيضًا- في المانشيت الرئيس، ليذكرنا على طريقة “نحن هنا”، بالعودة إلى القصة السورية، ليس من بوابة المذابح التي تنفذ بكل فاشية؛ بل من بوابة احتراب “الفصائل الإسلامية”، وتقدم جيش الأسد نحو “حسم وانتصار”، في تمييع المسألة في سورية، لنراقب الآن موضة الصحافة والكتابة من تلك النُخب:

كل من كان يرى أن الأسد ربّ المقاومة ورب الممانعة، وأنه منذ اليوم الأول يحارب المؤامرة على سورية؛ تراه وبكل استهبال اليوم يريد أن يخبرنا أنه كان مع مطالب الناس وتظاهراتها السلمية، قبل انحرافها عن مسارها، لكن هذا الاستهبال حبله قصير جدًا، على طريقة كثير من “النخب” السياسية والثقافية!

أليست النُخب نفسها، من كتبَ عن المؤامرة الكونية وردد -بكل سذاجة- روايةَ الفاشي عن زيارة روبرت فورد لحماة، وجادلت بأعداد المتظاهرين، على طريقة شريف شحادة، وبسام أبو عبد الله، وكل بوق متبرع على منبر الممانعة؟ كيف تنسون أنكم كتبتم وصرحتم ببكائيات النظام الفاشي، حين تحدثتم عن المؤامرة الكونية، بما فيها من حبوب هلوسة ماركة (الجزيرة)، ورشة ماء مع كودائيين في ساندويشات فلافل حماة، لإثارة الشباب الثائر؟

يا ويحكم، لقد بان قبح ثقافة النفاق العربي، على من اعتمد الطغاة في المنطقة طوال فترة تمجيد أمثالكم لهم، وبث روح الخنوع بشعارات طنانة تهدف إلى التخدير.

كلكم الآن كنتم مع الثورة السورية ومع مطالبها العادلة، حين كان يداس على رؤوس شبابها ويهانون ويقتلون في الشوارع، وتتفرجون وتصمتون وتهذرون عن بشار الممانع وقلعة العروبة وإلى آخره من شريطكم السمج!

غريبٌ فعلًا أن يستعيد “المثقف” في عمان وبيروت والقاهرة نشاطَه الممانع، ويحدثك عن التكفيرين المنهزمين مَن كان يعتمد في رواياته على ما ينقله أبوات خيزرانات العصر القومجي المتهافت! غريبة موضة محاولة نعي الثورة السورية الآن، من كل من وقف ضدها، يريد أن يقنعنا أنه كان معها، حين كانت تذبح مثل النعاج، لكن حين أظهر الثوار بعض أنياب بحمل السلاح، “انحرفت”، وهي -بالنسبة إلي- انحرفت حقًا عما أرادوه لها بأن تُذبح، ليحضروا إلى دمشق على أنقاضها، وليلتقوا في الميريديان أو الشيراتون أو الشام، ليشربوا نخب انتصارات سيدهم الفاشي.

المؤكد أنها ثورة. ستخيب آمال كل هؤلاء المنتظرين تكريمهم على سجادة الأسد الملونة بدم الشعب السوري، وغيرهم كثيرون ممن أثبتوا لنا أنهم حقًا يجيدون استخدام الأحرف، ولكنهم لا يقرؤون جيدًا أبدًا، والكاتب الجيد هو القارئ الجيد، والمتحدث اللبق هو المستمع اللبق، وعند هؤلاء ثقافة واحدة هي القائمة على التلقين ليس إلا! والناتج يكون هذه المواقف التي تُغضب الناس، كلما فتحوا أفواههم وصفحات صحفهم.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

نزار السهلي