الحشيش آفة (داعش) في الشمال السوري



أسّس (داعش) لزراعة (الحشيش) في الشمال السوري، وطوّرها مستفيدًا من التربة الخصبة والبيئة المُستقبلة؛ لتصبح هذه الظاهرة، بعد خروجه، آفةً خطيرة تتحكم بمستقبل أجيالٍ من الشباب.

القاضي محمد نور حميدي من محافظة إدلب أوضح لـ (جيرون) أن “هذه الظاهرة كانت موجودة في سورية قبل الثورة، لكنها ارتفعت خلال الثورة ارتفاعًا خياليًا، وأسهم في انتشارها ضعف الرقابة، وانعدام المحاسبة، وعدم وجود أي سلطة قانونية لها شرعية تلاحق المروجين والمتعاطين”.

وأضاف: “يُلاحَق -قانونًا- كلّ من له علاقة بـ (المواد المخدرة) المتعاطي والمروج؛ وتترتّب عقوبات صارمة على القائمين بهذه الأعمال، تصل في بعضها إلى الإعدام، وفقًا للقانون الجنائي، غيرَ أن الوضع حاليًا مختلف؛ إذ لا يوجد تشديد أمني من قبل المحاكم المدنية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام على هذه الظاهرة، وهي تنتشر -على مستوى التعاطي- انتشارًا واسعًا، بين الشباب من فئة الذكور”.

من جانب آخر، قال يوسف حمود، قائد أركان فرقة (الحمزة) إحدى فصائل الشمال، لـ (جيرون): “بقي الشمال السوري 3 سنوات تحت سيطرة (داعش)، هذا التنظيم المتشدد ذو البنية الاستخباراتية شأنه شأن باقي التنظيمات الإرهابية يعتمد على المخدرات مصدرًا رئيسًا لعملية التمويل، استطاع بناء علاقات مع أشخاص مدنيين، هدفهم الأول والأخير المال، تعاملوا معه بزراعة الحشيش والاتجار بها، وبعد المتابعة والمراقبة؛ تبيّن أن هؤلاء الشخوص هم أنفسهم كانوا يمتهنون هذه المهنة قبل الثورة”.

عن كيفية وصولهم إلى فئات الشباب، أوضح حمود: “استطاع هؤلاء التجار، الذين لا يهمهم سوى الربح والانتفاع، التغلغلَ بين شبان سوريين يافعين، كانت أعمارهم عندما بدأت الثورة 10 سنوات وهم اليوم بعمر 16 عامًا، هذه الفئة من الشباب كانت مهيأة لاستقبال ممارسات منحرفة، بفعل عوامل كثيرة، أبرزها الانقطاع عن التعليم، وتفسخ الحياة الاجتماعية والقيمية، والضغط النفسي الذي طالهم في مرحلة عمرية حساسة جدًا، كل تلك العوامل أسهمت في سحب أطفال باتجاه معسكرات (داعش)، وممارستهم لأعمالٍ حرة عوضًا عن الدراسة؛ ما سهّل خلق مناخ التعاطي والاتجار”.

الناشط هشام إسكيف عزا انتشار مادة (الحشيش) في الشمال السوري إلى سببين رئيسين: “أولهما الكثافة السكانية العالية، والثاني سهولة تمرير وتداول هذه المواد في المنطقة؛ لكونها مفتوحة حدوديًا، وتحولت إلى نقطة عبور وتسويق”. وأضاف: “لا شك أن تنظيم (داعش) هو المسؤول الأول والأخير، عن انتشار ظاهرة زراعة الحشيش في المناطق الشمالية، والشمالية الشرقية من سورية، أما الأدوية المخدرة فمصدرها النظام الذي يقوم، عبر صفقات مشبوهة، بتوريدها إلى مناطق ميليشيا (قسد) التي تستهلك وتورّد، حيث يقوم بعض عناصر (قسد) بإدخال المادة إلى قرى ومدن الشمال، بهدف المتاجرة”.

تراجع الرعاية الطبية سببٌ مُضاف

رأى أحمد دبيس، مسؤول الأمن والسلامة في اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية (UOSSM)، أن غياب الرقابة الأمنية والفقر الشديد أسهما، إلى حد بعيد، في انتشار هذه الظاهرة، بشقيها التعاطي والاتجار، وأوضح لـ (جيرون): “شارك انتشار الأدوية المخدرة بين الناس بشكل عشوائي في تمدّد هذه الظاهرة، حيث شاع بين فئة المصابين استخدام العقارات المسكنة، بطريقة غير واعية، وكرّسها غياب المتابعة الطبية وانتشار الصيدليات غير المرخّصة التي يعمل فيها أشخاص غير مؤهلين، هدفهم الربح المادي؛ ما أدى إلى صعوبة العودة عن هذه الممارسات”. مشيرًا إلى أن “من بين هذه الأدوية (الميرخوان) ومادة (الحشيش)، وأنواع أخرى من العقاقير المخدرة التي تسبب الإدمان”.

وأضاف مبينًا بعض النتائج: “يترك تعاطي (الحشيش) آثارًا سلبية جدًا على الإنسان من النواحي الصحية، والنفسية، وتتلخّص أعراضه العامة بوهنٍ عام وفقدان للشهية، فضلًا عن تغييرات في المزاج وتقلبات نفسية، ويصبح الشخص المتعاطي متردّدًا في اتخاذ القرارات، سريع الانفعال، غير قادر على العمل والإنتاج، ويُعامل معاملة المدمِن، ويشكل وجوده خطرًا على التركيب الاجتماعي؛ فقد يؤدي انقطاع المادة وعدم قدرة المتعاطي على توفيرها إلى نشوب نزاعات، بينه وبين أقرانه من المدمنين أو مع المجتمع المحلي من الأهل والجوار، تصل إلى ارتكاب جريمة القتل في بعض الأحيان، وبالنتيجة فإن هذه الممارسة ستؤدي قطعًا إلى مشكلات تضاف إلى ارتفاع نسب البطالة والجرائم والتوغل في الفقر”.

نبه دبيس إلى “عدم وجود مراكز لعلاج الإدمان، في كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام”، مضيفًا: “يوجد عدد ضئيل من مراكز الصحة النفسية، وهي مختلفة كليًا عن مراكز علاج الإدمان؛ ذلك أن علاج الإدمان يتطلب متابعة طبية قريبة من المريض، يتم عبرها إعطاؤه بعض الأدوية المشابهة للمادة المسبّبة، وتُسحب بشكل تدريجي لحين بلوغ الشفاء”.

هل تكفي التوعية؟

يتساءل البعض عن إمكانية الحدّ من هذه الظاهرة وضبط انتشارها، في ظل غياب السلطة القضائية، وفقدان الوازع الأخلاقي لدى شريحة واسعة استطاعت التسرّب إلى فئاتٍ مجتمعية أخرى، كانت ضحية التجهيل الذي عمّمه (داعش).

تحاول بعض الفصائل في الشمال مراقبة المزارع والأفراد المشبوهين بالقيام بهذه الأعمال؛ إلا أن آليات عملها -بحسب حمود- ما تزال ضعيفة ومتواضعة؛ ما يؤدي إلى تأخير في العمل، فضلًا عن المعوقات الأمنية، وعلّق في هذا الجانب: “يجب إعداد الكوادر المؤهلة والمدربة القادرة على متابعة هذه الملفات والمتمكّنة من جمع المعلومات، ومن ثم إعداد الدارسات والتقارير عنها للجهات المختصة”.

مشيرًا إلى “وضع بعض الفصائل لعدة مزارع تحت المراقبة، حيث استطاع فصيل (سمرقند) أخيرًا ضبط مزرعة كبيرة، زُرعت فيها مادة الحشيش، أُتلفت المادة وجرى تحويل المزارعين إلى القضاء المدني، كما استطاعت فرقة (الحمزة) ضبط بعض عمليات زراعة المادة” بحسب اسكيف.

رأى حموّد أن الشق التوعوي محوري لمكافحة هذه الظاهرة، وقال في هذا الصدد: “ينبغي أن تركّز البرامج التي تقدمها المنظمات الدولية والإنسانية على هذه الظاهرة، عبر نشر فاعليات وورشات عمل للشباب، لتعريفهم بالضرر الناجم عن تعاطي هذه المواد وخطرها على التكوين السكاني، إضافة إلى المدارس التي شهدت انتعاشًا ملحوظًا في الشمال، إذ ينبغي على المدرسين أن يقوموا بواجبهم التربوي، في بثّ التنوير الفكري بين فئة الشباب”. أما على مستوى الفصائل، فأوضح: “ألّفت مجموعة من الفصائل كتيّبات توعوية، تضمنت ملخّصًا عن أضرار هذه المواد، تعاطيها، الاتجار بها، أسباب انتشارها، طرق التخلص منها”.




المصدر
آلاء عوض