الحل السياسي والواقعية في المسألة السورية
18 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
[ad_1]
لا يبدو الحل السياسي المزمع إنجازه في سورية حلًا لأي أزمةٍ، على الأقل، للأزمة بين الشعب السوري بمجمله مع النظام الوراثي والتي يُحاول الحل السياسي حلّها، ولا هو حل سياسي بين النظام والمعارضة لتقاسم السلطة وإدارة المستقبل السوري بأي حال. هو بالأحرى حلّ بمعنيين اثنين: الأول هو حل لأزمة النظام نفسه، حيث هناك أزمة إجرائية مرتبطة بشرعية النظام الدولية على اعتباره بالكامل “نظام جرائم حرب”، ويريد هذا الحل حلحلة تلك الأزمة الإجرائية وإعادة تأهيل النظام، بطريقة أو بأخرى.
والمعنى الثاني هو حل سياسي للأزمة الدولية في سورية، لأزمات الدول فيما بينها، للدول المأزومة من وجود السوريين فيها، للدول المحتلة سورية، وليس السوريون، بهذا المعنى المحدد -نظامًا ومعارضة وشعبًا وأرضًا- أكثرَ من أدوات لها. هذا الحل هو بالأحرى إغراق سورية في أزماتها، ومنع تلك الأزمات من الخروج خارج حدودها، والبدء بتقاسم غنائم الحرب والنفوذ وإعادة الاعمار، بعد هذا.
أما الواقعية السياسية التي يطلبها دي ميستورا؛ وجميع الدول بظهره، من المعارضة، فهي شيء مختلف، حيث تقوم تلك الواقعية على جملة كبيرة من الوقائع الدولية التي تنبني وتتصلب يومًا تلو آخر، وأولى تلك الوقائع هو أن روسيا باتت هي القوة الدولية المسؤولة عن الأزمة السورية ومخرجاتها. هذا الواقع هو ما أرادته الإدارة الأميركية السابقة لتعترف به، وتبني عليه، وتريده الإدارة الحالية، فنتيجة لانعدام التغطية الأميركية؛ يمكن ملاحظة أن جميع الدول التي وقفت في وجه روسيا تم “عقابها”، بطريقة أو بأخرى، لتعود اليوم إلى بيت الطاعة واسترضاء الروس، فرنسا وتركيا والسعودية أمثلة واضحة لتلك الدول، حيث إن كلًا من هذه الدول الثلاث التي كانت الأكثر حماسًا في ما سبق لإسقاط النظام وعقابه؛ باتت تعزف على النغمة الروسية اليوم.
المعارضة -بجميع أشكالها وأنواعها- لا تملك ما تقدمه للروس سوى إضفاء الشرعية على إدارتها للأزمة السورية، فما هو واضح وضوح الشمس، بالنسبة إلى العقيدة البوتينية، أن لا بديل عنده عن النظام، ليس فقط ممنوع إسقاطه، بل أيضًا ممنوع الوقاحة في زيادة الطلبات منه، فبعيدًا عن أن النظام هو الوحيد من بين الأطراف السورية المؤهل لتحقيق ما يريده الروس من سورية؛ فإن بوتين ليس في قاموسه دعم المعارضة، أيّ معارضة، ضد نظام استبدادي، يمثل هو نفسه، أي بوتين، نموذجًا بارانوئيًا له.
عندما بدأت الثورة السورية، كانت روسيا تبدو وحيدة “خارج التاريخ”، أمام جعجعة أميركا وأوروبا وتركيا ودول الخليج بضرورة تنحي الأسد، وكانت تبدو معزولة أمام 121 دولة شكلّوا “مجموعة أصدقاء الشعب السوري”؛ اليوم تبدو المقاربة الروسية لما يحصل في سورية، وهي مقاربة مُكبَّرة عن مقاربة النظام، هي من تقود السياسة الدولية نحو سورية، وكل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وبالطريقة نفسها، عندما كان العديد من السوريين يسمعون باسم “قدري جميل” في بداية الثورة، كانوا يمضون في طريقهم ساخرين ممن هو بلا قيمة سياسية أو أخلاقية، فهو موالٍ خان موالاته عند الموالي الصراطي، ومعارض دخيل لا يعارض سوى المعارضة ذاتها بالنسبة إلى المعارضين، بينما هو اليوم صاحب منصة في موسكو، ومن يأخذ منصة في موسكو سيأخذ دورها، ويأكل باقي أدوار المعارضة مثلما فعلت موسكو نفسها مع دول العالم، ولكن هذا لا يعني أن قدري جميل مهم بالنسبة إلى موسكو، بل ما يعنيه هو أنه “معارض موسكو” الذي ستقدمه للعالم، بعد جولات تفاوضية طويلة، تقضم من خلالها باقي أطياف المعارضة؛ ومن ثم هدية فيما بعد لبشار الأسد كي يمسح فيه شرف المعارضة، وهو سعيد بدوره كممسحة، وإذا أخذنا الواقعية السياسية التي يطلبها دي ميستورا كما هي؛ فإن قدري جميل، يمثل بشخصه وطلباته وموقعه، تلك الواقعية خير تمثيل، فهو لا يقبل بنقاش مصير بشار، ولا يقبل بالعمل خارج دستور 2012 الذي يعطي الرئيس نفسه صلاحيات شبيهة بصلاحيات توت عنخ آمون، وهذا هو أفضل المطلوب بالنسبة إلى مندوب الأمم المتحدة علينا، وللرئيس الذي قال عن تلك المنظمة في إحدى مقابلاته التلفزيونية “المليونية” مع الصحفيين الغربيين: إن مسألة الأمم المتحدة هي لعبة نلعبها، ولكن ليس بالضرورة أن نصدقها.
الحل السياسي الواقعي الذي يجري إعداده لسورية هو بالفعل حلّ واقعي جدًا لجميع الدول، وربما شعوب العالم، المشكلة فقط هي أنه حل غير واقعي ومفارق للواقع بالنسبة إلى الشعب السوري، في الداخل وفي الشتات وفي السجون؛ ذلك أن الشعب السوري لم يخسر أكثر من نصفه بين قتيل وجريح ومعاق ومشرد ونازح ولاجئ، كي يبقى تحت حكم الأسد و”مؤسساته” وجيشه وأمنه ذاتهم، بل باحتلالَين مضافين إلى الاحتلال القديم نفسه، وإذا كان بإمكان “الحل الواقعي” أن يكسر رأس التاريخ ويجبر السوريين بالقوة على القبول بما يُقدَم لهم؛ فما ليس بإمكانه هو كسر إرادة السوريين التي اختارت الحرية من نظام التجانس، ودفعت الغالي والنفيس لأجلها. يمكن للاحتلال أن يكسر ويحطم الحجر والبشر، ولكن لا يمكنه أن يحطم العقل والحق والإرادة.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]ماهر مسعود