حياة السوريين الطبيعية
18 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
يحفل الإعلام السوري، هذه الأيام، بالحديث عن عودة الحياة الطبيعية لسورية؛ كي يُعطي انطباعًا بانتهاء ملامح الأزمة السورية أو المؤامرة الكونية على سورية، كما يحلو لإعلام الأسد وصف الثورة السورية. فقد بدأ اليوم باستغلال الظروف الدولية والمحلية المرافقة لهيمنة الاحتلال الروسي على سورية (الداعم ومؤيد للنظام السوري)؛ ما سهّل تلاعب إعلام النظام بالواقع وتصويره كـ “نجاح للنظام في الانتصار على المؤامرة الكونية”، أي على الثورة، ومنها ينطلق إلى الترويج لما يصفه بـ “عودة الحياة الطبيعية” في سورية، حيث يدّعي النظام أنه وحلفاءه يخوضون حربًا ضد دعاة الموت والقتل والدمار، من أجل الانتصار للحياة والاستقرار! ليتخفى حِلف النظام خلف جمالية مصطلح إعادة الحياة الطبيعية لسورية، من دون الإفصاح عن مقومات هذه الحياة التي يتحدث عنها النظام وإعلامه، مع العلم أنها حياة الخنوع والركوع والاستسلام لهيمنة المافيا الاقتصادية، وسطوة الأجهزة الأمنية والقوى الطائفية المتعاونها معها، وقوى الاحتلال المتعددة، على جميع نواحي الحياة السورية، برعاية الاحتلال الروسي المهيمن على مجمل المشهد، في مقابل مفهوم الثورة عن الحياة الطبيعية المستند إلى طموحات الشعب السوري في الانتقال إلى دولة العدالة والمساواة والحرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما يُمثّل تعبيرًا عن أحلام وآمال السوريين، في الحياة الحرة والكريمة.
هذا الأمر يدفعنا إلى الاعتراف بنجاح النظام، منذ زمن، في تعميم رؤيته للحياة، أي تعميم القتل والدمار، عبر عمله على إهراق نهر الدماء والموت السوري، بسياسته الإجرامية في التصدي لجحافل المتظاهرين والثائرين، والتنكيل بالمناطق الثائرة وبسكانها، بلا حسيب أو رقيب، وقد عزّزت تلك الرؤية لاحقًا أخطاء المعارضة السورية الرسمية المسيئة للثورة ولتضحياتها، والمتمثلة في انتظار وطلب العون العسكري الخارجي، وتجاهلها، لا بل دعمها أحيانًا لبعض القوى الأصولية والمتطرفة باعتبارها شريكًا موثوقًا في معركة إسقاط النظام؛ الأمر الذي أدّى إلى تأجيج الحرب على سورية وعلى السوريين، من قِبل جميع قوى الظلام والاستبداد والإجرام الأسدية والطائفية المناصرة للنظام أو تلك التي ادّعت نصرتها للشعب السوري؛ ليدفع الشعب السوري ثمن أخطاء المعارضة وسياسات النظام المجرم، تشريدًا وقتلًا وتدميرًا لمدنه وقُراه وممتلكاته الشخصية والعامة؛ وبالتالي توطيد رؤية النظام للحياة الطبيعية، على حساب تراجع إمكانات بناء وتثبيت رؤية الثورة والشعب السوري لها.
تصدرت مظاهر الحرب والصراع الدموي أخبارَ سورية وتحليلاتها، على حساب تجاهل الثورة وأهدافها وتطلعاتها الحقيقية، هذه الحرب التي عملت -لكنها لم ولن تنجح- على قتل أحلام السوريين وتطلعاتهم في الحياة الحرة والكريمة والعادلة، وهو ما تحمله الحروب عمومًا من تعميم القتل والموت، ونقله بشكل دائم ومستمر من مدينة إلى أخرى، دون تمييز، فالحرب هي موت البشر وموت الحياة عمومًا، والحياة الكريمة والحرة خصوصًا، بالرغم من محاولات الشعب والثورة السورية تجنبها، منذ اليوم الأول للثورة وحتى الآن، انطلاقًا من كون الثورة تعبيرًا عن التطلعات الشعبية في الحياة الحرة والكريمة، ومن نضال الثورة من أجل ضمان الحقوق لجميع السوريين دون أي تمييز عرقي أو إثني أو طائفي، ودون أي تمييز جنسي أو سياسي.
ما زال النظام السوري وإعلامه يخشون هذه الحقيقية، ويرفضون الاعتراف بها كاملةً، على الرغم من اضطرارهم أحيانًا إلى الاعتراف بجزء منها، سواء عن قصد أو دون قصد، كاعتراف رأس النظام مُمثلًا بالأسد بسلمية الحركة الشعبية الاحتجاجية –الثورة- في أشهرها الستة الأولى، مع تجنّبه الحديث عن طبيعة هذه الحركة وأسبابها ودوافعها، فضلًا عن تجنّبه التطرق إلى كيفية مقتل العديد من السوريين في المناطق الثائرة والمنتفضة، خلال هذه الفترة السلمية، وفقًا للأسد ووفقًا للإحصاءات الرسمية عن أعداد القتلى والمختفين قسريًا، عبر مراكز النظام الإعلامية والسياسية والإحصائية عن الفترة ذاتها. فمن هي الجهة المسؤولة عن مقتل واعتقال وأسر المتظاهرين وحاضنتهم الشعبية، وبمعنى آخر من هي الجهة القادرة على ممارسة هذه الجرائم؟ ففي ظل سلمية الحركة الاحتجاجية أو الثورة -وفقًا لاعتراف الأسد- لا يمكن تحميلها أي مسؤولة عن مقتل أو أسر أي سوري، وهو ما يُحيلنا إلى أن اعتراف النظام، بسلمية الحراك في بداياته، هو في الحقيقية اعتراف غير مباشر عن مسؤوليته الرسمية ومسؤولية أجهزته الأمنية والعسكرية والميليشياوية -الشبيحة خصوصًا- المطلقة عن جميع أنواع الجرائم والقتل والتعذيب بحق السوريين، أي عن مسؤوليته في شن حرب بلا هوادة على الشعب السوري أو على الجزء الثائر والمنتفض منه بالحد الأدنى؛ وبذلك يكون النظام قد اعترف بمسؤوليته عن جميع الممارسات والسياسات التي تستهدف تدمير أحلام السوريين وآمالهم وطموحاتهم، في الحياة الحرة والكريمة والعادلة. دون أن ننسى دور قوى الثورة المضادة المُكمّل والمتعاون مع دور النظام، في إنجاز هذه المهمة الإجرامية، والذي مهّد الطريق أمام جحافل قوى الاحتلال المتعددة للمشاركة الفعالة كذلك؛ لتتمكن جميع قوى الاضطهاد والاستبداد والاحتلال والإجرام سابقة الذكر من توطيد واقع الاحتلال والاستبداد الداخلي والخارجي، وتعميم الاعتقالات التعسفية ومظاهر الاختفاء القسري، كما عممت الفقر والتخلف والرجعية، وعممت هيمنة وسطوة القوى الطائفية والأمنية والميليشياوية العديدة على مختلف أرجاء الأرض السورية؛ وبالتالي على مختلف شرائح المجتمع السوري.
قد يحق للنظام وأبواقه الإعلامية “الاحتفالُ” بهيمنة قوى الاحتلال والاستبداد والرجعية والطائفية على المشهد السوري، وتدميرهم لجميع المنشآت الحيوية والخاصة، كما يحق لجمهور الثورة السورية التمسكُ بتطلعاته وآماله، في هدم صرح الاستبداد والاحتلال والظلم والقهر والتمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عبر مواصلة النضال من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية، يتساوى جميع أبنائها في الحقوق والواجبات، دولة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.. دولة الحضارة والتقدم.. دولة القانون واستقلال القضاء؛ ما يكفل لهم جميعًا التنعم بحياة طبيعية تسودها قيم العدالة والحرية والكرامة، فالثورة انطلقت من أجل أن يتنعم السوريون بهذا النوع من الحياة، بينما لجأ النظام إلى شنّ حربه الضروس؛ كي يحمي صرح الاستبداد والقتل والظلم والنهب القائم عليه أصلًا.
[sociallocker] [/sociallocker]حيّان جابر