في ضرورة التدخل الإنساني لإنقاذ الشعب السوري



يثير الحديث عن الشرعة العالمية لحقوق الإنسان بشكل عام، والقانون الدولي الإنساني بشكل خاص، قضيةَ التدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان، وهي القضية التي أخذت حيّزًا كبيرًا من الاهتمام، بعد سقوط جدار برلين في العام 1989. وبالرغم من أنّ التحليلات السياسية قد درجت على النظر إلى الاهتمام الواسع بمبدأ التدخل الإنساني لحماية حقوق الإنسان، باعتباره تطورًا جديدًا على الساحة الدولية، إلا أنّ جذور هذا المبدأ في الحقيقة تعود إلى أواخر أربعينيات القرن الماضي، حيث دخل مفهوم الجرائم ضد الإنسانية إلى القانون الدولي، عقب محاكمات (نورمبرغ) التي حاكمت قادة النازية في ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية.

من المعلوم أنّ مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول استُعملا كذريعة وغطاء، لارتكاب الأنظمة المستبدة لجرائم خطيرة في حق شعوبها. وفي هذا السياق، تتجه أنظار السوريين إلى الطريقة التي سيتعامل بها المجتمع الدولي مع مأساتهم، فقد تطورت منظومة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، من كون سلطات الدول هي المعنية الوحيدة بما تفعله لمواطنيها إلى أنّ السيادة تفرض مسؤولية هذه السلطات تجاه شعوبها، وحق المجتمع الدولي في مساءلتها عن التزاماتها بالشرعة العالمية لحقوق الإنسان. وشكّل هذا الرصيد المتنامي والمتطور للقانون الإنساني الدولي النواةَ الأساسية، المعرفية والأخلاقية والإنسانية والعرفية، التي أفسحت المجال للتدخل الأممي الإنساني في الدول، فيما إذا وقعت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية.

إنّ مبدأ التدخل الدولي لأسباب إنسانية مبدأ قديم، وقد أعاد طرح نفسه بقوة على الأجندة الدولية منذ تسعينيات القرن الماضي، مع التطبيقات العديدة التي شهدها المجتمع الدولي له، بدءًا من العراق (تجربة إقليم كردستان والحظر الجوي عام 1991)، مرورًا بالصومال عام 1992، ثم رواندا وهايتي عام 1994، وانتهاء بكوسوفو وتيمور الشرقية عام 1999. وتنص “مسؤولية الحماية” على ما يلي: “على الدول أن تحمي مواطنيها من أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، ويتوجب عليها أن تقوم بالأفعال اللازمة لمساعدة الدول الأخرى التي لا تستطيع حكوماتها، أو لا تريد حماية شعوبها”.

يؤكد مبدأ “مسؤولية الحماية” الذي تم توقيعه عام 2005 من طرف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها سورية، على هامش قمة رؤساء دول العالم التي نظمت في نيويورك، على تحميل مسؤولية حماية المدنيين للحكومات ذاتها. فإذا فشلت في حماية مواطنيها، أو إذا عمدت هي ذاتها إلى استهدافهم؛ فإنّ على المجتمع الدولي أن يتحرك.

من العسير أن نتصور كيف يمكن لمفهوم “مسؤولية الحماية” ألا ينطبق على الحالة السورية، حيث لقي أكثر من 500 ألف شخص حتفهم، ونزح أكثر من 6 ملايين عن بيوتهم، ولجأ أكثر من 6 ملايين إلى دول الجوار وأوروبا، وتم ارتكاب العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية، بخاصة بعد توصيف الأمم المتحدة للحالة السورية بأنها أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى الخصوص بعد إعلان لجنة التحقيق الأممية مؤخرًا: أن نظام الأسد قام بهجمات بالأسلحة الكيماوية سبعًا وعشرين مرة، خلال حربه الشاملة ضد الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، واستخدم غاز السارين في هجومه على بلدة خان شيخون، في نيسان/ أبريل الماضي.

تنبع معارضة سلطة آل الأسد من الادّعاء بأنّ تدخل المجتمع الدولي يشكل خرقًا لمبادئ السيادة الوطنية، في حين أنّ السيادة الوطنية الحقة هي سيادة الشعب والمؤسسات الوطنية المنتخبة والمستندة إلى الإرادة الشعبية الحرة والملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، ولا يمكن بأي حال تقليص مفهوم السيادة ليقتصر على سيادة الحاكم السوري، فاقد الشرعية الدستورية، وتحويلها شعارًا للاستبداد السياسي وكبت الحريات العامة.

ويبدو أنّ سلطة آل الأسد لم تدرك أنّ أحد مشاغل عالم اليوم تتلخص في التحول المؤسسي القائم على مجموعة قيم عالمية: الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والحكم الصالح. حيث يدفع هذا التحوّل الحكومات إلى الانتقال من شخصنة السياسة، أي ربط مصير الدول بشخص ما، إلى مأسستها، وربط مصير المجتمعات وعلاقتها بمدى حيوية المؤسسات وتكيّفها للتعاطي مع المؤسسات العالمية المماثلة.

الدول -كحال سورية اليوم- التي لا يكون فيها النظام السياسي الحاكم نظامًا يخدم متطلبات الشعب وتطلعاته، ولا يحقق مبدأ المواطنة بين أطياف شعبه، ويصل به الأمر إلى التصادم مع الشعب واستخدام أسلحة محرمة دوليًا، سيكون التدخل الدولي في شؤونه الداخلية لزامًا.

وهكذا؛ يحتاج السوريون إلى موقف دولي واضح، لحماية المدنيين وتجريد النظام من أسلحته المتفوقة، وبخاصة سلاح الجو، وليس فقط الكيماوي، والضغط بكل الأشكال، بما فيها القوة العسكرية؛ لإجبار سلطة آل الأسد على تسليم مقاليد الأمور للسوريين الذين صوتوا بدمائهم ضد رأس النظام ونظامه وتحالفاته الداخلية والخارجية.

من جهة أخرى، هناك جرائم دولية حددتها النصوص والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، كجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، ووضعت قواعد خاصة بشأنها كمبدأ المساواة بين المساهمين لناحية المسؤولية الجزائية وعدم إفلات المسؤولين من العقاب، مهما علت وظيفتهم في الدولة، وعدم سريان الحصانات الدبلوماسية بحقهم. إنّ ما يحصل في سورية من أعمال وحشية، ترقى إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية، من شأنها أن تضع بشار الأسد وبطانته في مرمى العدالة الدولية.

مع أنّ نتائج التدخل الإنساني قد لا تكون مثالية في جميع الأحوال، إلا أنها ساهمت في إنقاذ حياة الناس وهيأت الظروف للوصول إلى تسوية سياسية. وهذه هي الرؤية التي يتعين استحضارها في الحالة السورية المستمرة منذ أكثر من ست سنوات.




المصدر
عبد الله تركماني