مركز كارنغي: لماذا أصبح مسلمو ميانمار الخبر العالمي الأول



المحتوى

مقدمة……………………………………………….1

بدون رقابة عسكرية………………………………..2

الديمقراطيون الأميركيون…………………………..3

إنستغرام من الشيشان……………………………….4

تحسين صورة الثوار……………………………….5

اختيار الفصل/ الموسم……………………………..6

مقدمة

في عام 2012، مرّ خروج 120 ألف لاجئ من الروهينغا بلا اهتمامٍ تقريبًا؛ فقد كان العالم العربي يمر بـ (الربيع العربي)، وكان العالم الإسلامي، حتى من دون ميانمار، مشبعًا بالعذابات والمعاناة. ولكن في عام 2017، تغير السياق؛ فبعد ظهور “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، تغيرت صورة الإسلام، وأصبح من الضروري تغييرها، وللدفاع عن الإسلام؛ انتفض مسلمو البلد الآسيوي البعيد المضطهدون.

بعد مرور أسبوع واحد، عرف غالبية مواطنو روسيا، للمرة الأولى، بوجود شعب الروهينغا. بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد اللاجئين الفارين من ميانمار إلى بنغلادش وغيرها من الدول، أكثر من 275 ألف لاجئ. أصبحت هذه الأزمة إحدى أكبر أزمات جنوب شرق آسيا، منذ انتهاء الحرب الأهلية في كمبوديا.

لكن الأزمة أصبحت أكثر حدة، بعد الموجة الإعلامية التي ثارت حولها. مشكلة الروهينغا كانت موجودةً منذ سنواتٍ عديدة، ولكن في عام 2012 كانت المعلومات، عن آلام 120 ألف لاجئ من الروهينغا الذين فروا من العملية العسكرية حينذاك، تنتشر في غالبيتها على صفحات الإنترنت. أما هذه المرة، فقد أصبح المدافعون عن الروهينغا هم من كبار شخصيات العالم الإسلامي، بدءًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وانتهاءً بالرئيس الشيشاني رمضان قاديروف. وقد عُقدت اجتماعاتٌ تضامنية عبر العالم كله، من الولايات المتحدة الأميركية حتى إندونيسيا، للمطالبة بـ “وقف التطهير العرقي”.

فإلى ماذا يرجع هذا التغير الحاد في حجم تغطية النزاع؟

داخل البلاد، يحكى عن “مؤامرةٍ إسلاميةٍ” شاملة ضد الوطن، وهذا تبسيط للأمور؛ فهي ردة الفعل الطبيعية للشخص المفتقر إلى المعلومات الكافية. هذا الافتقار لا يختلف به أهالي ميانمار عن خصومهم الذين يرون النزاع كمواجهةٍ بين الغالبية البوذيَة والأقلية المسلمة.

تبيّن أن الأزمة في إقليم أراكان غارقةٌ في كم هائلٍ من الأخبار الكاذبة (مقصودة وغير مقصودة) وفي أخطاءٍ في التفسير إلى درجةٍ أصبح فيها بقاء الوضع على هذه الحالة يجعل إمكانيةَ حل الأزمةِ قريبةً من الصفر. ولهذا، فمن الضروري ليس فقط معرفة حقيقة ما يجري، بل معرفة لماذا أصبحنا نقرأ، للأسبوع الثاني على التوالي، عن الروهينغا؟ وأين كانت مجموعات الدعم وغيرها من الجمعيات القلقة الآن عام 2012؟ يمكن أن يصْلُح الجواب حالةً ممتعةً للطلاب (كلية الصحافة والعلاقة مع المجتمع). باختصار، يعود انتقال الأزمة إلى هذا المستوى من تسليط الأضواء، إلى العمل المتقن الذي قامت به الشبكات الشخصية، وإلى الوضع الدولي الملائم.

من دون رقابة عسكرية

لعبت حكومة ميانمار نفسها دورًا كبيرًا في كشف تفاصيل ما يجري في المنطقة. ففي نهاية عام 2015، وصلت إلى السلطة، بعد أكثر من نصف قرنٍ من الحكم الديكتاتوري، الرابطةُ الوطنية من أجل الديمقراطية برئاسة المنشقة الشهيرة “سان سو تشي”. تسلّمت سان واحدًا من أكثر بلدان المنطقة فقرًا، بلدًا مثقلًا بالنزاعات، حيث تدور حربٌ أهليةٌ بطيئةٌ، على مدى أكثر من 70 عامًا، بين الحكومة المركزية وعشرات الجيوش الثائرة المطالبة بالحكم الذاتي أو الاستقلال.

أصبحت ولاية أراكان الجزء الأكثر كآبةً في البلاد، وللحصول على دعم المجتمع الدولي لاستعادتها؛ قامت سان سو تشي في عام 2016، بتشكيل لجنةٍ برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان؛ وقامت اللجنة خلال عامٍ ونصف، بالتعاون الوثيق مع السلطات المحلية، بدراسة الوضع ميدانيًا.

كان من نتائج عمل اللجنة: ظهور كم كبيرٍ من المعلومات عن هذه المنطقة، إضافة إلى نشر التقرير المفتوح الذي صدر في آب/ أغسطس 2017، متضمنًا التوصيات اللازمة. قبل ذلك، لم يكن العسكريون يسمحون لأحدٍ بالدخول إلى المنطقة، باستثناء دخول (عرضي) للمنظمات الإنسانية، بصلاحياتٍ مقيدةٍ لأقصى درجة. بعد دخول الديمقراطية؛ فُتحت أقنية للمعلومات التي سمحت نوعًا ما بمتابعة الوضع في المنطقة، وللإعلام بشكلٍ مباشر فور اندلاع موجة العنف.

الديمقراطيون الأميركيون

السبب الثاني للاهتمام الزائد بالمشكلة أنه بعد أزمة عام 2012، ظهرت عدة منظماتٍ، ترتبط بشكلٍ أو آخر بمشكلة الروهينغا. سنتوقف عند ثلاثٍ منها: الأميركية، الروسية والإقليمية. يُظهر تاريخُ انتشار أكثر الهاشتاغات #rohingya شهرةً، على شبكات التواصل الاجتماعي، أن هذا الهاشتاغ قد استُخدم بشكلٍ نشطٍ للغاية من قبل المؤسسات الإخبارية، إضافة إلى منظمة Burma Taskforce التي تأسست عام 2013. ومنذ 24 آب، نشرت المنظمة بشكلٍ يومي مئات التغريدات والبوستات، لتوثيق كل ما يجري في دولة ميانمار.

Burma Taskforce هي مؤسسةٌ فرعية تابعة لمؤسسةٍ أكبر هي Justice for All التي أسسها وقادها العضو البارز في الحزب الديمقراطي الأميركي الإمام أبو مالك مجاهد. بالإضافة إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، يقوم أبو مالك بالدعاية بين المسلمين الأميركيين، عند التصويت في انتخابات الكونغرس والانتخابات الرئاسية.

يمارس أبو مالك مجاهد، على مدى أكثر من عقدين، نشاطًا دعويًا. ألّف العديد من الكتب، وكتب الكثير من المقالات، وألقى المحاضرات، وكان يركز في جميع نشاطاته على موضوع: كيف يمكن للمسلمين تسويق أنفسهم في المجتمع الديمقراطي الغربي. “علينا تسويق ماركة الإسلام والتحدث إلى المجتمع عمّا يقلقنا، قال أبو مالك متحدثًا إلى وسائل الإعلام الماليزية، في شهر تموز/ يوليو. علينا أن نخبر العالَم كله أن المسلمين هم الضحية الأولى للإرهاب في العالم، وأننا نكره الحرب والإرهاب”.

من الملفت، أنّ  Justice for ALLهي أيضًا شريك منظم لحركة السودBlack Lives Matter  وشركة Climate Change التي تُخبر الأميركيين بأحدث التغيرات المناخية. والآن، أصبحت كلا الشركتين أحد أهم أذرع الحزب الديمقراطي الذي يستخدمها كواجهةٍ ضد الرئيس ترامب وللدعاية لبرامجها. وانعكس ذلك على حجم التمويل والتبرعات التي تتلقاها منظماتٌ كـBurma Taskforce، مما يتيح لها تخصيص جزءٍ من التبرعات، لتمويل حملة الإضاءة على ما يجري من مضايقاتٍ بحق مسلمي ميانمار.

الانستغرام الشيشاني

في روسيا، لعب المحامي الشيشاني مراد موساييف دورًا كبيرًا في إضاءة المسألة. أسس موساييف منظمة Rohingya Alert التي تُعنى -كما هو معلنٌ- بـ “السعي للحصول على اعترافٍ واسع، وبلوغ إجراءاتٍ ذات طابعٍ سياسي، قد تُوقظ مشاعر القادة البورميين”.

بحسب المواد، سافر مراد موساييف ورفاقه من الجمعية الإسلاميَة (سلسبيل) في مهمة “لجمع الحقائق”. قال الناطق الإعلامي السابق باسم الرئيس الإنغوشي، كالوي أخيلغوف لمحطة ВВС، إنه “بفضل الاتصال المباشر مع الروهينغا المحليين؛ أصبحت المعلومات متوفرةً أكثر مما كانت عليه قبل عدة سنوات”. لم تتمكن الأبحاث التي أجرتها ВВС من تحديد معرفة الرئيس الشيشاني بالوضع في ميانمار، إن كانت جاءت من خلال Rohingya Alert، أم لا. ولكن اختيار قاديروف، لوسيلة تواصله المفضلة، لم يكن صدفةً على الإطلاق. على الرغم من أن الإعجابات بالموقع لا تتجاوز 10 آلاف، إلا أنه -بلا شك- لعب دورًا مهمًا في نشر المعلومات حول ما جرى.

تحسين صورة الثوار

أخيرًا، لعب ظهور تنظيمٍ جديد لمقاتلي الروهينغا (جيش إنقاذ روهينيا أراكان) دورًا مهمًا في تنظيم الإضاءة الإعلامية. تأسس جيش الإنقاذ في أيلول/ سبتمبر عام 2016، بتغيير اسم تنظيم (حركة الإيمان) الذي ظهر عام 2012، والتي بدأت نشاطها بمهاجمة مراكز البوليس في نقلةٍ نوعية، لكن نتيجة الهجوم، كانت “أزمة القوارب” التي أدت إلى موجة نزوحٍ لنحو 25 ألف من الروهينغا، غرق منهم الكثير. عرف إقليم أراكان الكثير من الانتفاضات، ولكن (جيش الإنقاذ) تميز عنها بأن قائده، عطاء الله أبو عمار جينوني، هو باكستاني المولد، نشأ في المملكة العربية السعودية. في تقرير International Crisis Group، وُصفت الحركة كـ “حركة ترأسُها لجنة المهاجرين الروهينغا في العربية السعودية، تتخذ من مكة مركزًا لإدارتها”، وتـستخدم معسكرًا في بنغلادش لإعداد المقاتلين.

تشتبه سلطات ميانمار بوجود علاقةٍ بين (جيش الإنقاذ) و(تنظيم الدولة الإسلامية)، وعلى التوازي، مع الاستخبارات الباكستانية المتهمة مواربةً بدعم الحركات الإرهابية، بدءًا من حركة طالبان وانتهاءً بالثوار الماويين في نيبال. لا يمكن التأكد من هذه الروايات، ولكن (جيش إنقاذ روهينغا أراكان) كان في بياناته التي خاطب بها المجتمع الدولي، يدين الإرهاب الديني، ويؤكد أنه يناضل، حصرًا، من أجل حق الروهينغا في تقرير مصيرهم. ويبدو أن الهدف من تغيير الاسم، كان لكسب تأييد الرأي العام العالمي الذي يتعاطف مع المناضلين من أجل حقوق الشعوب، أكثر من تعاطفه مع المتطرفين الإسلاميين.

اختيار الفصل/ الموسم

تبيّن الأمثلة الثلاثة التي سقناها مدى تطور وتجذر الحركة في الفضاء الإعلامي، للدفاع عن الروهينغا، بعد أزمة عام 2012. قائمة مصادر نشر المعلومات عن الأزمة لا تزال غير مكتملةٍ؛ فقد لعبت وكالة (Arab News) السعودية، قناة (الجزيرة) القطرية، وعمليًا كافة وسائل الإعلام في البلدان الإسلامية، دورًا كبيرًا على هذا الاتجاه.

علاوةً على ذلك، كان الكثير من الناس العاديين مصدومين بالأدلة المنشورة، إلى درجةٍ أصبحوا معها دعاةً مخلصين لقضية الروهينغا. كان الكثير من الناس يحاولون لفت الانتباه إلى معاناة البشر، دون التعمق في دقائق السياسة الميانمارية.

غير أن تعداد المصادر لا يجيب عن السؤال: لماذا وجدت معاناة مسلمي ميانمار هذه المرة استجابةً من هذا العدد من الناس؟ السبب الرئيس، على الأرجح، كان السياق العالمي؛ ففي عام 2012، مر خروج 120 ألف لاجئٍ من أراكان مرورَ الكرام تقريبًا؛ لأن الشرق الأوسط كان “مشتعلًا” بأحداث “الربيع العربي”. وكان يُنظر إلى العالم الإسلامي كمكان المعاناة والعذابات، ولم تكن بمقدور قصة ميانمار التنافس مع المشهد السوري أو المصري.

بحلول عام 2017، تغير الأمر بقوة؛ فقد تحولت قصة المسلمين في العقل الغربي من الضحية إلى مسببي الشر: مشكلات اللاجئين في أوروبا، الأعمال الإرهابية لـ “تنظيم الدولة الإسلامية” في أوروبا (لم تكن عام 2012)، الانقلاب الفاشل في تركيا، وما تلاه من أسلمة الدولة، كل ذلك جعل علاقة الغرب بالإسلام أسوأ بكثير في أوساط النُخَب، كما بين السكان البسطاء. أصبح لزامًا على العالم الإسلامي تصحيح هذه الصورة؛ لذا هبّ للتصدي لهذه المهمة المسلمون المضطهدون في ذلك البلد الآسيوي البعيد الذين لم يكن أحدٌ يكنّ تجاههم مشاعر دافئة. وعلى مدى عقودٍ، لم تكن الدولُ تقبل الروهينغا في مجتمعها، بما في ذلك الدول المسلمة.

هذا الواقع الذي أصبح “البوذيون” فيه هم المعتدين في هذا النزاع، جعل الصورة أكثر غرابةً، حيث تبيّن أن المسلمين أكثر سلميةً من أولئك الذين أصبح اسمهم رمزًا عامًا لحبّ السلم. لم يتبق إلا أن نأمل ألّا يكتفي العالم الإسلامي بالانتصار في الحرب الإعلامية، بل يقدم المساعدة الفعلية لوضع حد لمعاناة هؤلاء الناس.

 

اسم المقالة الأصلية Почему мусульмане Мьянмы стали главной мировой новостью كاتب المقالة ميخائيل كوروستيكوف مكان وتاريخ النشر مركز كارنغي / موسكو. 12 آب 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/73060

ترجمة سمير رمان




المصدر
سمير رمان