احتدام التناقض الإسرائيلي – الإيراني وخيارات سلطة الأسد

19 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
7 minutes

ظهر الموقف الإسرائيلي من سلطة الأسد، بعد انطلاق ثورة الحرية في سورية، حذِرًا، واختارت القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في “إسرائيل”، ما يُدعى سياسة (الغموض البناء)، وهو يعني -في الفلسفة السياسية الحديثة- الإحجامَ عن إعلان موقف واضح من قضية مهمة، مع ضرورة الجاهزية للتعامل مع كل الخيارات، من خلال متابعة التطورات وتحليلها، وتقدير الموقف الواجب اتخاذه منها، عند منعطف مفاجئ أو جديد وغير متوقع.

الأمر الواضح الذي بقي، في الموقف الإسرائيلي من تداعيات الصراع في سورية، هو رفض تمدد الوجود الإيراني على الأراضي السورية، ومنع طهران من “قضم الكعكة السورية”، ولم يكن للقيادات الإسرائيلية أيّ موقف يدعو إلى إسقاط سلطة الأسد، بل أظهر الاستراتيجيون الإسرائيليون مرارًا ميلهم لفكرة: أن بقاءه أفضل لأمن “إسرائيل”، اعتمادًا على معطيات التجربة الإسرائيلية الطويلة مع سلطة الأسد الأب، ومن بعده الابن.

أما التدخل العسكري الإيراني، بأدواته المباشرة (الحرس الثوري) وغير المباشرة (ميليشيات حزب الله وأخواتها الطائفية)؛ فقد استطاعت “إسرائيل” التعامل معه، وفق مقتضيات (أمنها)، وسددت عشرات الضربات الجوية والصاروخية لتلك القوات، حين كانت ترى، في جغرافية تواجدها أو في نوعية الأسلحة التي تمتلكها، ما يؤثر على أمنها الحدودي، كما فعلت مثل ذلك ضد قيادات كانت تتحرك لبناء مجموعات عسكرية لمناوشة “إسرائيل” في الجولان، أي أن جهود “إسرائيل” في ضرب إيران في سورية لم تنصبّ على انتشار قوات الأخيرة، في مناطق تقوم قواتها بها بقمع ثورة الحرية في سورية، ولهذا الأمر مغزاه الذي يشي بحقيقة الموقف الإسرائيلي المتسم بالقلق والحذر من انتصار الثورة وسقوط سلطة بشار.

لكن التطورات الجديدة -على الصعيدين العسكري والسياسي- تُشير إلى أن ترسيمات الحل للصراع في سورية كأنها اقتربت من الاكتمال، وأن موازين جديدة للقوى المتواجدة في الأراضي السورية قد يتم تثبيتها، إلى جانب امتلاك “إسرائيل” معلومات استخبارية واستطلاعية دقيقة عن التواجد الإيراني الذي راح يتعزز نوعيًا، ببناء مصانع للسلاح وسط سورية، وإمكانية حصول طهران على رخصة من بشار لبناء قاعدة بحرية بين طرطوس واللاذقية، إزاء كل ذلك، وبفعل عوامل أخرى؛ صعَّدت “إسرائيل” من خطابها العسكري الأمني، ومارست قسطًا منه على مصانع السلاح الإيراني في مصياف، وراح جنرالات عسكريون وأمنيون يرسلون رسائلهم لبشار: إن القصور ومراكز السلطة يمكن تدميرها، إذا استمرت التسهيلات الممنوحة لطهران في سورية. وتعرف سلطة بشار أن الإسرائيليين لا يُطلقون تصريحاتهم جزافًا، كما هو حال إعلام الممانعين المقاومين، حين يطلق عبارات “الاحتفاظ بحق الرد”.

إزاء هذه النبرة الإسرائيلية، ولضخ المعنويات في الوسط الممانع المقاوم؛ دأبت منابرُ إعلامية تُموّلها طهران، في الشهر الأخير، بعد قصف “إسرائيل” مصانع السلاح الإيراني في مصياف، وللتخفيف من وطأة التصريحات الإسرائيلية شديدة اللهجة ضد بشار الأسد، على ترويج تحليلات مطمْئنة، تقول إن روسيا لن تسمح لـ “إسرائيل” بعمل كبير ضد السلطة في سورية، ويشيرون بهذا المجال إلى فشل نتنياهو، في زيارته الأخيرة لروسيا، في أخذ ما يريد من بوتين! وأن تفاهمًا ضمنيًا، أميركيًا-روسيًا لعدم السماح لـ “إسرائيل” بعمل حاسم في سورية، كما لوّحت بعض هذه المنابر بأن القيادات في “إسرائيل” ليست موافقة تمامًا على ما يطرحه الجنرالات، ويدعمون فكرتهم بالتعلل بارتباط وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان بروسيا وتفاهمه مع أجنداتها، حيال الوضع في سورية، أما المناورات العسكرية الإسرائيلية الشاملة، على الجبهة الشمالية، فقد وصفوها بأنها بلا معنى، وللاستعراض!

تفيد هذه “البروباغندا” الإعلاميةُ الممانعةَ، باعتماد أصحابها على كل شيء خارجي، أما القوة الذاتية لسلطة بشار أو الصواريخ الإيرانية، فقد غاب ذكرها عن المنشورات الصحفية والإلكترونية التي يروجونها، ولم يتذكروا أن الدور الروسي الكبير في سورية لم يبدأ إلا بعد التفاهم مع نتنياهو، وانتزاعه “حق إسرائيل” في حماية “أمن إسرائيل”. وأضيف أن قرب انتهاء (داعش) يرهب مرجعياتهم، لأن ترامب قالها دائمًا: هناك، بعد انتهاء الإرهاب، سياسة جديدة في المنطقة.

وأما إيران، فإذا استمر إصرارها على ترسيخ وجودها النوعي في الأراضي السورية، وإقامة منشآت عسكرية خاصة بها إلى جانب الروس؛ فسوف تضع سلطة بشار أمام ثلاثة خيارات:

الأول: أن يستمر في السير مع أجندة طهران حتى النهاية، ويُغامر بمصيره على يد الجنرالات الإسرائيليين، مراهنًا على دور روسيا في “ترويض” الموقف الإسرائيلي المتشدد، كما على تصريحات السياسيين الأميركيين حول عدم استهدافهم لسلطته، وعدم وجود نية لهم بإسقاطه. وهي رهانات واهمة، سواء بقدرة روسيا على منع “إسرائيل” من تدمير سلطة بشار، أو بالركون إلى الموقف الأميركي الذي جاء أصلًا في خانة مختلفة، هي إسقاط النظام، كاستحقاق يخدم المعارضة السورية وثورة السوريين.

الخيار الثاني: أن ترسو حسابات سلطة بشار على الرضوخ للضغط والتهديد الإسرائيليين، والتوجه لوضع حد لتوسع وتجذر دور إيران في سورية؛ ليتجنب فعل الآلة العسكرية الإسرائيلية الساحق. وهنا يتوجب عليه الاستعداد لاحتمال إقدام طهران وميليشياتها، ومعهم جزء من رجالات أمنه وجنرالاته، على محاولة الإطاحة به، أو عزله، حتى لو أدى ذلك إلى تمزق المافيا الحاكمة وأدواتها.

الخيار الثالث: أن يسعى، عبر روسيا وأميركا، بعد إقناع طهران، لإيجاد قواسم مشتركة بين طهران وتل أبيب، تطوي منه إيران أجندتها المتعلقة “بجعجعة السلاح”، ومحاولة الاحتكاك بـ “إسرائيل”، أو استفزازها باستخدام الأراضي السورية مركزًا لاستعراض القوة، أو معبرًا لإيصال السلاح الاستراتيجي لـ (حزب الله) في لبنان. مقابل أن تُعلَّق “إسرائيل” كلّ عمل يستهدف سلطة بشار مباشرة. وهذا الخيار بمضمونه يعني أن “إسرائيل” فرضت أجندتها “الأمنية” والاستراتيجية، وتقهقرت طهران وانكفأت عن تحقيق شهوتها بالسيطرة على مدخل لها في المتوسط، أو في التقرب من جنوب سورية للتحرش بـ “إسرائيل”، وبينهما تضع (حزب الله) في وضع لا يحسد عليه، فسيكون عاجزًا عن متابعة لعبته اللبنانية والإقليمية.

إن الأيام القادمة ستطرح على سلطة بشار، ومعها طهران، استحقاقات عدة، تلبيةُ أيّ منها سيرسم ملامحَ وضع جديد تواجهه الطغمة الحاكمة في دمشق، كذلك ملالي طهران وما كانوا ينشدونه من دورهم المتطاول في سورية والعراق ولبنان.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

مصطفى الولي