الاستغلال ونكران الحقوق يلاحق الزوجات السوريّات في تركيا

19 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
8 minutes

وحيدةً مع أطفالها، وبعيدةً عن أسرةٍ تحميها وتلجأ إليها، انقلب حال “خلود” خلال ساعات قليلة، وأضحت تنتظر بحقيبتها الصغيرة على باب إحدى الجارات التركيات بعد طردها من قبل زوجها وطلاقها. لم يشفع لخلود طفلان صغيران أحدهما رضيع كي تتجنب هذه النهاية رغم تضحياتها السابقة وقطعها مسافات طويلة من اللاذقية إلى أنطاكية لإتمام زواجها قبل ثلاث سنوات.

حال خلود يلخص أوضاع العديد من الزوجات السوريات اللواتي ضاعت حقوقهن بسبب الشروط الصعبة التي فرضتها السلطات التركية لتثبيت زواج السوريين في بلادهم، وبسبب حالة الكيدية والتعجيز التي يتعامل بها نظام الأسد مع معارضيه في قنصليته.

ورقة غير رسمية

لم تتمكن الشابة ذات السبعة وعشرين عاماً من تسجيل زواجها بشكل رسمي في تركيا لأسباب عزَتها “للضيق المادي وصعوبة الإجراءات”، واكتفت بحسب قولها- كما يفعل السوريون هنا- بورقة بيضاء من قبل رجل دين عليه أسماء الشهود وقيمة العقد.

هذا العقد لم ينفذ منه شيء كما تؤكد خلود، فهو لا يحمل أي صفة رسمية أو قانونية في تركيا، وبالتالي ورغم تقديمها شكوى رسمية ضد زوجها في دائرة “الأمنيات” إلا أن الشرطة اكتفت بمراجعة زوجها، ومحاولة إقناعه بتأمين مسكن شرعي لها ولأطفالها أو تنفيذ العقد، وعند رفضه بسبب عدم قدرته المادية كما يزعم لم تفعل السلطات شيئاً واكتفت بمغادرة المكان.

“جئت من اللاذقية وحيدة قبل ثلاث سنوات بعد اتفاق أهلنا على إجراء عقد الزواج هنا بسبب مشاكل أمنية على زوجي منعتني من تسجيل زواجي في سوريا:. وتضيف خلود:”أخبرني زوجي أنه بإمكاني تسجيل العقد هنا عبر القنصلية، وبالفعل ذهبنا إلى اسطنبول لكن ورقة إثبات العزوبية التي تطلبها السلطات التركية من زوجي، وصعوبة إحضارها من سوريا أنهت هذا المشروع، وبقينا هكذا طوال هذه الفترة حتى انتهى الحال إلى ما وصلنا عليه”.

تقيم خلود حالياً في غرفة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية في أنطاكيا. لا تحمل حتى ورقة تثبت طلاقها، وتخشى كما تقول من ابتزاز زوجها السابق لها والذي تخلى عن أي مسؤولية تجاهها وتجاه أبناءها.

أما عن الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها، وقدرة المنظمات الحقوقية والإنسانية على مساعدتها فتشير خلود إلى أنّها خلال الشهر الماضي قصدت العديد من هذه الجمعيات، بناء على نصيحة بعض المعارف، لكن دون جدوى، لأنهم “أكدوا أنها لا تحمل أوراقاً ثبوتية كافية لإثبات زواجها”.

لا تكمن المشكلة في عقد الزواج وحسب كما تؤكد خلود، وهي تنظر إلى طفليها بعينين دامعتين، بل في نسب هؤلاء الأطفال الذين بقوا بلا أي إثبات شرعي يؤكد إنتماءهم في حال عودتها إلى سوريا كما تنوي حالياً.

وبحسب أرقام رابطة اللاجئين السوريين، وهي منظمة أهلية سورية في تركيا هناك 11500 عقد زواج منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 ونهاية 2014، ونحو 95 % من هؤلاء لم يسجلوا زواجهم بشكل شرعي، فيما ارتفع عدد مواليد السوريين في تركيا إلى إلى 187568 طفلاً، حتى بداية عام 2017بحسب وزارة الداخلية التركية.

عراقيل

خلال عملية بحثنا عن طرق تسجيل الزواج من خلال القنصلية السورية تواصلنا مع عدد من السماسرة الذي يعملون في هذا المجال، وبعد سؤالنا عن التكاليف المادية ذكر العديد من أصحاب المكاتب أنها تتراوح بين 700 إلى 800 دولار تتوزع بين أوراق يتم جلبها من سوريا، وأجور حجز دور لدخول القنصلية.

وبالإضافة لهذه التكاليف المرتفعة تبرز العديد من العراقيل الإضافية، إحداها التي تعرض لها الشاب ماجد يونس، وهو شاب مقيم في مدينة اسطنبول.

يقول ماجد إنه ورغم اعتماده على سمسار لتسيير معاملته، إلا أن النتيجة كانت سلبية بسبب رفض نظام الأسد منحه قيد سجل مدني، كونه عسكري منشق.

أسباب أخرى وراء معاناة اللاجئين في حصولهم على حقهم في أوراق ثبوتية رسمية يذكرها المحامي عروة السوسي لـ “صدى الشام” أهمها اختلاف قانون الأحوال الشخصية التركية عن نظيره السوري، وعدم قدرة المنظمات الأممية على إيجاد آلية توثيق موازية أو متداخلة مع إجراءات الدولة المضيفة، فضلاً عن عجز مؤسسات المعارضة السورية عن إصدار أوراق معترف بها.

وتكمن المشكلة الأساسية -وفق السوسي- في صعوبة الإجراءات التي فرضها كل من نظام الأسد والسلطات التركية على اللاجئين، مثل ضرورة إصدار “قيد مدني” مصدق من وزارة خارجية النظام، وفقدان البعض للأوراق الأساسية كالهوية، وجواز السفر، والتكاليف المادية الكبيرة التي يتطلبها الدخول للقنصلية، واستكمال المعاملة، عدا عن عراقيل تحدث عنها البعض يتسبب بها موظفو القنصلية وتتعلق بالانتماء السياسي.

ورغم منح السطات التركية بداية العام 2016 وثيقة (قيد مدني فردي) لتسجيل حالات الزواج الجديدة، والحصول على عقد زواج، ودفتر عائلة تركي مسجل لدى دائرة النفوس بشكل رسمي لحل هذه المشكلة، إلا أنّ قسم قليل من السوريين لجأ إلى هذه الطريقة كما يوضح المحامي السوري، بسبب استثناء السلطات التركية لحاملي الجواز السوري الذين دخلوا البلاد، واختلاف قانون الأحوال الشخصية بما يتعلق بالحقوق والمهور للمتزوجين.

وينص القانون التركي على منع تعدد الزوجات، وحصول الزوجة على نصف أملاك الرجل التي سجلها بعد زواجه في حالات الطلاق، فيما لا يوجد أي بند لتسجيل المهور كما هو الحال عليه في القانون السوري.

مع الزوج التركي

شكلت معاناة نساء سوريات مع عقود الزواج من أزواج سوريين فرصة على ما يبدو لبعض الأتراك، مستغلين الظروف المادية السيئة التي تعيشها بعض العوائل السورية.

وفي تقرير نشرته مجلة “دير ستيرن” الألمانية قبل أيام قليلة بعنوان “زوجة سورية ثانية بـ1800 يورو” توصلت المجلة إلى آلاف حالات الاستغلال التي تعاني منها النساء السوريات، بسبب قبولهم الزواج من أتراك دون تسجيل زواجهم.

ويستغل التركي في مثل هذه الحالات رخص تكاليف هذه الزيجات، وقبول بعض الأسر السورية تزويج بناتها كزوجة أخرى، وهو ما يحرمها من حقها بتسجيل عقدها في الدوائر الحكومية، بسبب طبيعة القانون التركي الرافض لتعدد الزوجات.

ووفقاً لتقديرات جمعيات حقوق المرأة التركية هناك 372 ألف سيدة في تركيا في وضع “ضرة”، أي زوجة ثانية، وانتهى بعض هذه الزيجات بعد شهرين أو ثلاثة دون حصول الزوجة على أي حقوق.

ورغم أنّه لا يمكن الحكم على جميع الحالات بوصفها سلبية بالمطلق مع وجود الكثير من النساء السوريات الأرامل، فإنّ القضية تدخل في باب “استغلال المرأة، بسبب عدم حصولها و أبناءها على أي حقوق من المجتمع والسلطات التركية مستقبلاً مثل الجنسية والإرث”. وفقاً للمحامي عروة السوسي.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]