حكاية جحش السلطان عمريط



الليلة الثالثة من ليالي شهرزاد

قالت شهرزاد:

بلغني، أيها الملك السعيد، أنه كان للسلطان عمريط جحشٌ يربيه في قصره، وقد أطلق له الحبل على الغارب؛ فأخذ يجول في القصر كما يشتهي، ويدخل على السلطان بين جلسائه. ولم يكن أحد ليستطيع أن يتذمر أو يشكو، فالجحش جحش السلطان، وجحش السلطان سلطان، كما يقولون. وكرامة الجحش من كرامة صاحبه.

ولأنه لا يخلو قصر من قصور الملوك والسلاطين من المتملقين؛ فقد أخذ ندماء السلطان يمدحون هذا الجحش، ويشيدون بجماله وذكائه، وقربه من القلوب، وكانوا يبادرون إلى القول حال دخوله إليهم:

– خزاة العين عن هالجحش، جحش ولا كل الجحاش.

– يا عمي! مش كل الجحاش جحاش. يا تكون هيك الجحاش يا بلا،

– عليم الله، مش ناقصو إلا يحكي.

– حرام ما يتعلم! لازم مولانا يحطلو معلم خصوصي، حتى يتعلم ويتثقف، يمكن يصير فيلسوف زمانه.

ووقعت النصيحة الأخيرة موقعًا حسنًا عند السلطان؛ فاستدعى الفلاسفة والشعراء والمعلمين، ووعد بجزيل العطاء لمن يعلّم الجحش الكلام، غير أنهم جميعًا أنكروا ذلك؛ فالجحش جحش، هكذا خلقه الله. ومن ذا الذي يستطيع أن يغير في خلق الله!

فغضب الملك، وأمر بحبسهم جميعًا، ونادى في السلطنة مناد: من يستطيع تعليم جحش السلطان الكلام فله جائزة كبيرة؛ فانبرى لهذه المهمة شيخ من الشيوخ الذين حنّكتهم تجارب الأيام، وقال للسلطان:

– أنا لها، يا سلطان السلاطين.

فسرّ السلطان غاية السرور، غير أن الشيخ قال للسلطان:

– لكن القضية يا مولاي تحتاج إلى بعض الوقت، كما تحتاج إلى بعض المصاريف. فقال السلطان:

– اطلب ما تشاء، ومعك الوقت الذي تريد. فقال الشيخ:

– أحتاج إلى خمس سنوات كي أتمكن من تعليم الجحش، وأحتاج إلى بعض الأغذية والأشربة التي تشحذ ذهن الجحش، وتساعده على التركيز والاستظهار؛ كالجوز واللوز والصنوبر والزنجبيل وشراب البيلسان والعسل والحليب، وذلك كل يوم، ولي أمل كبير أن أستطيع إنجاز مهمتي، خلال خمس سنوات؛ فأعود إليك بالجحش وقد أصبح حمارًا، وشهادته في رقبته.

فأمر السلطان بفتح اعتماد خاص بتعليم الجحش، ووضعه تحت تصرّف الشيخ.

ولما انقضت المدّة، استدعى السلطان الشيخ، وقال له:

– أين وصلت في تعليم جحشنا؟ قال الشيخ:

– لقد أنجزت مهمتي، يا مولاي، بفضل الله، وتجاوب تلميذنا النجيب. قال السلطان:

– أرني ما فعلت.

فخرج الشيخ من مجلس السلطان، ثم عاد يقود حمارًا؛ فدهش السلطان وقال له:

– ما هذا؟! قال الشيخ:

– هذا سمو جحشكم الكريم، وقد أصبح حمارًا. قال السلطان:

– أرني ماذا علمته.

فأخرج الشيخ صورة أتان، ووضعها أمام عيني الحمار، فأرنب الحمار أذنيه وأخذ ينهق.

أسقط في يد السلطان وقال للشيخ:

– أهذا هو العلم الذي تمّ اتفاقنا عليه!

عندئذٍ قال الشيخ للسلطان:

– لقد تعلّم لغة آبائه وأجداده يا مولاي. والذي يخرج عن أصله لا أصل له.

وحين أدرك شهرزاد الصباح، سكتت عن الكلام المباح.




المصدر
فوزات رزق