غابات اللاذقية ضحيّة تتجاذبها عدّة أطراف




خلال العامين الماضين تقلصت المساحات التي تسيطر عليها قوات المعارضة في ريف اللاذقية، وخسر معها سكان جبلي الأكراد والتركمان قراهم وجبالهم، وتحولوا إلى نازحين في مخيمات عشوائية على الحدود التركية، يعانون من هموم عديدة ليس أقلها برد الشتاء مع ما يحمله من هموم وذكريات سابقة، تتمثل في صعوبة تأمين وسائل التدفئة من الحطب والوقود.

ويعاني النازحون هذا العام من تراجع المساحات الحراجية المتبقية التي يمكن الاستفادة منها بفعل الاستثمار الجائر لها خلال الأعوام السابقة، وخسارة معظم المساحات الصالحة للتحطيب لصالح قوات النظام، يضاف إلى ذلك القرار الصادر من فصائل المنطقة بمنع الاقتراب من الأشجار المتبقية تحت طائلة المساءلة.

أزمة نقص الحطب هذه ومنع السكان من استثمار المزيد منها دقت ناقوس الخطر لما يقارب 70 ألف مدني يعيشون في منطقة جغرافية تعرف بحرارتها المنخفضة، والتي تصل لما دون درجات التجمد، خصوصاً مع غياب أي مبادرات محلية أو خارجية لتأمين البدائل.

قرار خاطئ

 “ستكون أزمة الشتاء الحالي الأقسى على السكان بسبب فشلهم في تأمين بدائل مع ارتفاع أسعار الوقود، وعدم قدرة معظم أهالي المخيمات على إيجاد حلول أخرى”، يتوقع الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية مجدي أبو ريان، ظروفاً أصعب في القادمات، موضحاً أن سكان ريف اللاذقية اعتمدوا حتى في فترات ما قبل الثورة على الحطب للأعمال المنزلية والتدفئة، لكنهم يجدون أنفسهم حالياً محرومين من جميع هذه الوسائل.

وأقرّ أبو ريان لـ “صدى الشام” بأنّ العامل الأساسي المتسبب في هذه الأزمة يعود “لجشع التجار الذين أنهكوا غابات اللاذقية خلال الأعوام الماضية بتجارتهم، واقتطعوا مساحات كبيرة منها لتصديرها إلى مناطق أخرى، وهو ما اضطر الفصائل للتدخل وإصدار قرار بمنع أي عمليات قطع جديدة”.

ويؤكد أبو ريان أنّ الخسارة الحالية من هذا القرار لا تتمثل في فقدان الغطاء النباتي ووسائل التدفئة وحسب، بل في فقدان مئات الأسر من سكان ريف اللاذقية لمصدر رزقهم الوحيد الذي بقي لهم بعد تهجيرهم من مزارعهم وأراضيهم.

وخلال الأعوام السابقة اعتُبر ريف اللاذقية المصدر الأول لتوزيع مادة الحطب في الشمال السوري، حيث تميز بأنواع أشجاره المرغوبة مثل السنديان والبلوط. لكن استمرار القصف من قبل قوات النظام، واستثمار التجار لها أدى لخسارة ما يقارب 70% من هذه الغابات وفقاً لتقديرات الدفاع المدني في المحافظة.

يقول خالد قره علي، وهو أحد سكان مخيم الفاروق، إنّ قرار الفصائل بمنع تجارة الحطب “لم يزعج الأهالي بقدر ما ساءهم حرمانهم من الاستفادة منه لتأمين الحطب لعائلاتهم”، موضحاُ أنّه بالإمكان الوقوف في وجه التجار الذين يستثمرون هذه الغابات لجمع الأموال مقابل السماح لكل عائلة بالحصول على ما يكفيها من مؤونة الشتاء”.

وتساءل الرجل الأربعيني “من أين يستطيع هؤلاء النازحون الذين يقيمون في خيام هي بالأصل ليست معدّة لمقاومة ظروف الشتاء، تأمين التدفئة لأبنائهم إذا كان سعر طن الحطب الواحد في الأسواق أكثر من 60000 ليرة؟”

مبرّرات

 على الطرف الآخر تبرر الفصائل العسكرية في المنطقة قرارها هذا بالدواعي الأمنية، والحفاظ على ما تبقى من غابات لمنع تمدد التصحر وتأذي الناس أكثر من ذلك بعد التغير الكبير الذي أصاب طبيعة المنطقة بفعل العشوائية.

وفي تصريح لـ”صدى الشام” أكد القائد العسكري في الفرقة الأولى الساحلية يزن الترك، أنّ الفصائل منعت الاحتطاب بالقرب من الجبهات العسكرية “نظراً لخطورة كشف الطرقات على المقاتلين الذين يحتمون بهذه الغابات لمنع استهدافهم”، مضيفاً أنّ العامل الأبرز لهذه الأزمة هو “قلة المساحات المتبقية للاستثمار”.

وأوضح الترك أنه ومع بداية التحطيب “اعتمد الأهالي على الأغصان، والأشجار المحروقة، وهو ما لا يسبب أي تأثير سلبي، لكنهم تحولوا فيما بعد إلى قطع الأشجار الخضراء للتجارة، ما أدى الى دمار غابات كاملة وتفريغها من الأشجار”.

وحول إمكانية استفادة كل عائلة من مخصصات معينة هذا العام ذكر الترك أنّ الفصائل عملت بداية الأمر على إقامة حواجز ومصادرة الأشجار الخضراء التي يقطعها الناس لمنعهم من معاودة هذا الفعل، لكنّ الأهالي وجدوا طرقات أخرى فرعية لتهريب الحطب إلى مناطق أخرى، وفق تأكيده.

واقترح الترك لحل هذه الأزمة إشراف مؤسسة الدفاع المدني أو إحدى المنظمات الفاعلة على توزيع الحطب اليابس في المنطقة بما لا يؤثر على سلامة المقاتلين من جهة، ولا يُعرّض ما تبقى من أشجار لخطر الزوال.

الكاز.. حلٌّ ومشكلة

خلال العام الفائت لجأت بعض المنظمات الإنسانية لتوزيع مدافئ الكاز على المدنيين في ريف اللاذقية لتعويض نقص مادة الحطب، لكنها وبحسب العديد من السكان تسببت بمشاكل صحية كبيرة.

ووفق عمارالشيخ، وهو ناشط إغاثي في المنطقة، فإنّ نسبة كبيرة من النازحين الذين اعتمدوا على مادة الكاز العام الماضي “أصيبوا وأطفالهم بأمراض تنفسية حادة”، الأمر الذي عزاه إلى “رداءه هذه المدافئ من جهة، وضيق مساحات الخيم، واكتظاظها من جهة أخرى”.

ورأى الشيخ أن مادة الكاز التي استخدمت نظراً لانخفاض أسعارها عن المحروقات الأخرى “ليست مناسبة بالشكل الكافي للتدفئة، وفي أحيان كثيرة تسببت بحرائق وأضرار كبيرة”.

واعترف الشاب المسؤول عن العديد من الحملات المدنية التطوعية السابقة أنّ جهود المنظمات الإنسانية انخفضت بشكل كبير خلال العام الماضي والحالي، مشيراً إلى أنه وعلى الرغم من “كارثة الشتاء وغرق العديد من المخيمات لم تبادر إلا جميعات محلية قليلة وساهمت بتقديم بعض الحطب والفحم للأرامل والعجائز”.

يشار إلى أن ريف اللاذقية يحوي قرابة 15 مخيماً أقيم معظمها بشكل عشوائي بعد نزوح السكان من قراهم جراء الحملة العسكرية للنظام قبل عامين، وتتصف هذه المخيمات بأرضيتها الطينية، وافتقارها لمقومات الصمود في وجه عوامل الطقس القاسية كالبرد والمطر.




المصدر