المشهد “السوريالي” السوري
20 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
تنادى العالم المتحضر، وارتفع صراخه للتنديد والتخويف والتنبيه من الوحش المسمى (داعش)؛ فصافحوا وصفحوا عن الأسد، مقابل التعاون في محاربة (داعش)، واليوم يبدو مجرد تخيّل المشهد السوريالي في سورية، ضربًا من أفلام الـ “أنيميشن” المخصص للأطفال، يعرف الجميع أنها مجرد أكذوبة، ولكنهم يتابعونها بشغف ويدّعون تصديقها.
تعامل العالم المتحضر، الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، مع العالم والبشر على أنهم أسماك بلا ذاكرة، ولا ضير في فنائهم، وهو ما مارسوه عمليًا في سورية.
نعرف ويعرفون كيف اجتمعت في سورية قوات من معظم الجنسيات: روسية، أميركية، إيرانية، وأوروبية، و”داعشية”، وجهادوية تحت رايات سنّية، إضافة إلى الميليشيات الملتحفة برايات الشيعة، والتي تناسى العالم تصنيفها بالإرهاب والطائفية –ولـ “حزب الله” حصة الأسد منها- فهي تُقاتل وتقتل فقط ما بين سورية والعراق، وعلى هذه الأرض الضحايا “أضرار جانبية”، لطاولات ألعاب القمار الدولية.
ها قد وصلت سورية اليوم إلى ما يشبه الدمار الكامل، وتستمر لعبة التصريحات السياسية المتناقضة، فهذه تصريحات فرنسية لا ترى ضيرًا بوجود الأسد ولا ترى أي إزعاج بموت وتشريد الملايين من الناس، وهناك على الحلف الغربي نفسه، تصريحات بريطانية تشترط رحيل الأسد لإعادة الإعمار، وأخرى أميركية عشوائية تشبه صواريخ ترامب، بعد مجزرة خان شيخون الكيماوية، بلا هدف حقيقي معلن تأتي على لسان الرئيس الأميركي الذي وجد في (تويتر) لعبة “أتاري” اكتشفها حديثًا، كمراهق يريد أن يثبت رجولته بمد شاربيه وتغليظ صوته؛ ولكن بالطبع، كل تلك التصريحات المتناقضة والعشوائية التي لا تهم أحدًا سوى الإعلام تخبئ وراءها الحقائق التي يمكن اختصارها بـ “ما زلنا بحاجة إلى الأرض والدم والبيوت السورية، فأن نتصارع فوقها خير وأسلم من نتصارع مباشرة مع بعضنا البعض”.
منذ أن أعلن “حزب الله” التدخل رسميًا في سورية عام 2012، جعل شبح (داعش) يُخيّم على تحركاته، ومجازره التي ارتكبها، إلى درجة أن ذلك العالم المتحضر تجاهلَ تدخلَ تلك الميليشيات، وتجاهلت الحكومة اللبنانية خروج “حزب الله” عن أي سيطرة حكومية؛ لتمر أربع سنوات، بلا أي مواجهة حقيقية مع (داعش)، وتتالت الأحداث، فضحك “نصر الله” ملء شدقيه على القوى العالمية المتنورة الرافضة للإسلام وللدواعش، والذين ملؤوا العالم بالتصريحات التي لا تتوقع نهاية لـ (داعش) قبل 10 سنوات، وهي الفترة التي حددتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للقضاء على التنظيم الإرهابي “البعبع”.
نعرف ويعرفون أن المواجهة الوحيدة التي حدثت، بين “حزب الله” (الشيعي) و”داعش” (السني)، كانت الشهر الماضي في جرود عرسال، وبعد أن استطاع الحزب حشد رأي عام لبناني خلفه، لطرد “الدواعش” من لبنان، وتحرير العسكريين اللبنانيين؛ قام بعقد صفقة تحت الطاولة، وباع العسكريين أحياء ليستلمهم أموات، إذ تبين أنه يعرف، منذ العام الماضي، أن العسكريين باتوا أمواتًا، ولكنه استمر بالتلاعب وابتزاز أهلهم ومجتمعه اللبناني، إلى أن تمت الصفقة.
حرر “حزب الله” 300 داعشي، وأرسلهم إلى دير الزور، بحماية رسمية من النظام السوري، وأما التحالف الموجود في سورية والعراق لمحاربة (داعش)، وبعد أن هاجم القافلة الداعشية، توقف فجأة عن الصراخ وانفرجت أساريره؛ وانتقل من مهاجم إلى حامٍ للقافلة، بعد أن طلبت روسيا بشكل رسمي حماية القافلة، وأما الطلب الروسي الرسمي الذي سيسجله التاريخ، فقد أتى بهدف الحصول على جثة طيار روسي واحد، سقطت طائرته عرضًا بيد (داعش)، قبل أشهر.
انتظروا قليلًا، لم ينته المشهد السوريالي بعد، وبعد أن سلم 60 داعشيًا أنفسهم إلى الحزب، من دون إطلاق ولا حتى رصاصة واحدة، انقلب فجأةً وبلا أي مبرر أو مقدمات بعد ذلك، 120 داعشيًا آخر إلى “ممانعين ومقاومين”؛ فانضموا إلى جيش النظام السوري، وهو الجيش ذاته الذي تصنفه (داعش) بـ “الكافر والنصيري”.
المصالح تتالت، الحزب يريد عنصرًا أسيرًا لدى (داعش)، خوفًا من فيديو إجرامي يكون عنصره بطلًا فيه، وهو الأمر الذي يُرعب قيادة الحزب من نتائج، لا يضمن أن يسيطر عليها ضمن حاضنته الاجتماعية، فمرّر الصفقة وباع العسكريين.
إيران تريد جثث مقاتلين لها، وثمة أقاويل عن وجود أسير إيراني حي، فباركت وأسبغت رعايتها على الصفقة، وحمتها وأعطت الضوء الأخضر لحجر شطرنجها حسن نصر الله.
نعرف ويعرفون أن مسرحية “حزب الله” أتت رديئة الإخراج والتمثيل والتنفيذ، بمشاركة العالم المتحضر صاحب نظرية حقوق الإنسان، والمسرحية السيئة أكدت تحول النظام السوري من إرهابي ومجرم إلى متحضر، بعد أن قبلت أميركا وأوروبا أن تضع يدها بيده، تلك المسرحية مرت حتى اللحظة مرور الكرام في الصحافة الغربية، وبعد أن اشتغلت ماكينة ذلك الإعلام سنوات على ترويج قوة (داعش)، صمتت تمامًا أمام ما حدث في سورية.
لا نزال نحن هنا وهناك، نتفرج ونُسجّل للتاريخ ما يحدث، ونؤرشف التقارير الداعشية ضدنا، كسوريين في الصحافة الغربية، وتلتقط أعيننا كل صور مشهدهم السوريالي في سوريتنا.
[sociallocker] [/sociallocker]هنادي الخطيب