المُعلّم “أرجان” أنموذجًا لوعي الأتراك حيالَ السوريين



يعمل أرجان أوتلو -وهو مدرّس لغة تركية- في معهدٍ سوري لتعليم السوريين اللغاتِ الأجنبية في مدينة غازي عنتاب التركية، ويحاول أن يبثّ، من خلال دروسه، بعضَ القيم والأفكار التي تذكّر السوريين بأخلاقهم الأصيلة، وتُخرجهم من أجواء اللجوء المتوترة.

الشاب التركي ابن الـ 28 ربيعًا يُحبّ السوريين، ويعدّهم إخوةً له، وينظر لهم بعين الاحترام. في هذا الشأن، يقول أوتلو لـ (جيرون): “تعرفتُ من خلال عملي على سوريين كُثُر، وبنيت صداقات معهم، هم أشخاص جيدون وطيبون، لكن وضعهم النفسي سيئ، ولا ينعمون بالراحة؛ لذا يجدون صعوبة في تعلّم اللغة الجديدة”. ومن وجهة نظره، “يحتاج التعلّم إلى ظروفٍ طبيعية، يفتقدها السوريون كليًا، فلا يلتزمون بحضور الدورات بعد التسجيل، ولا يتابعون الدراسة من المنزل. هم -على الأرجح- غير مرتاحين في منازلهم”.

تابع: “تظهر علامات عدم الارتياح، من خلال عدة ممارسات يقوم بها السوريون، وتدلّ على أنهم يعيشون حالةً من التشتت وعدم الاستقرار، فهم يرتادون المقاهي بكثرة، ويدخنون النرجيلة والتبغ، على الرغم من عدم استقرارهم المادي. هذه الصورة تصل إلى المجتمع التركي بأنهم مرتاحون -ماديًا ومعنويًا- مع أنها تحمل العكس”.

أوتلو متخرج من 4 اختصاصات جامعية، أحدها في العلاقات الاجتماعية، علّق: “أستطيع أن أتفهّم حالةَ السوريين النفسية، وأعرف أن تلك الممارسات نابعة من تعبهم، ومن الضغط النفسي الذي يعيشونه يوميًا، لكن هذا لا يبرر تصرفهم غير الواعي حيال المال؛ لأنهم ليسوا في بلدهم، لذا ينبغي أن يكونوا أكثر حرصًا”.

أما بخصوص علاقة السوريين بالأتراك والمجتمع التركي بشكل عام؛ فقد رأى أوتلو أن “نسبة الاندماج بين الطرفين ما تزال ضعيفة”، وتابع في هذا الصدد: “لا شكّ أن بعض الإعلام التركي المناوئ للنظام روّج أفكارًا مغلوطة عن السوريين، ساعدت في انتشارها بين شريحة واسعة، مواقع التواصل الاجتماعي؛ هذه الصورة عن السوريين جعلت المبادرة منخفضة من قِبل الأتراك في التعرّف على السوريين، غيرَ أن فئة ليست قليلة من الأتراك، وتمثل نحو 50 بالمئة منهم على دراية دقيقة بوضع السوريين، هذه الفئة تمدّ يدها وتحاول المساعدة”.

يعمل أوتلو في أكثر من جهة، وبدأ بتدريس السوريين منذ 7 أعوام، يرى أن تحقيق الاندماج، بين السوريين والأتراك، يتطلّب تحقيق الدمج التعليمي، وهو ما وصفه بأنه “مثالي لتحقيق الاندماج والتناغم الاجتماعي”، وأوضح: “يكسر التعلّم المشترك الحواجزَ، بين الطلاب السوريين وأقرانهم الأتراك، ويجعل السوريين يشعرون براحة نفسية، ضمن المربع الاجتماعي الجديد”، مؤكدًا ضرورة تعلم السوريين في مدارس تركية، بقوله: “لا شكّ أن تعلم السوريين في مدراس تركية أفضل لهم في الوقت الراهن؛ لأن المدرسين الأتراك أكثر توازنًا، فالسوريون بالمجمل هنا يعانون عدم توازن، وهو ينعكس حتمًا على أدائهم لأعمالهم”.

نبّه أوتلو إلى أن الجانب التركي الحكومي قدّم للسوريين مساعداتٍ مادية، لكنه أهمل إشباع الحاجات النفسية التي يرى أنها الأهم، وقال: “السوريون هنا يستطيعون الاستطباب مجانًا، وبعضهم يأخذ مساعدات مادية، لكن جانب التأهيل النفسي والاجتماعي مهملٌ كليًا، من قبل الجهات التركية للسوريين، على الرغم من أولويته”، وتساءل: “ما فائدة الصحة الجسدية إذا لم ترافقها الصحة النفسية!”.

يبدو واضحًا، من حديث أوتلو خلال دروسه، أنه يقدّس القانون، المأسسة، واحترام الآخرين، ويشيد بالوطن والقانون الذي ربّى المواطن على احترام الكبير، وإعطاء حقّ الصغير، وتعزيز دور المرأة. وعند سؤاله عن إمكانية تطبّع السوريين المقيمين في تركيا بهذه الثقافة، قال: “التعلم المشترك هو السبيل للارتقاء بالسوريين، فالمناهج التركية تتضمن في كل أقسامها شقًا توعويًا أخلاقيًا، ربما لم يكن مُتضمّنًا في المناهج السورية”.

لا يبخل أوتلو بتقديم المساعدة للسوريين، ويعتقد أن مساعدتهم واجبٌ أخلاقي، يتخطى واجباته مع عائلته المقربة، ويقبل إعطاء الدروس المجانية للطلاب المحتاجين، كما لا يرفض أي مبادرة لتعليم السوريين، بأجور رمزية من جهات خاصة أو عامة.

يمّثل أوتلو الحالة المثالية لتعامل الأتراك مع السوريين، ومثله كثيرون من المواطنين الأتراك الذين يقدمون المساعدة للسوريين، في مختلف المدن التركية بالخفاء والعلن؛ ما يشي بتقبّل واضح لدى شريحة واسعة من الأتراك للسوريين، ويبرهن ذلك ندرة حوادث الاعتداءات أو المشكلات بين الطرفين.




المصدر
آلاء عوض