بعد عامين.. ما الذي حققه التدخل الروسي في سورية؟



بعد مضي عامَين على التدخّل العسكري الروسي في الصراع السوري (وأكثر من ستة أعوام على التدخّل السياسي) لصالح النظام، ربما بات يمكن الحديث عن محصلة إجمالية لهذا التدخل، على الرغم من أنه لم يصل بعد إلى خواتيمه، وعلى الرغم من عدم التيقّن من المآلات النهائية لهذا الصراع.

ينبغي التوضيح بداية أن الحديث هنا يدور عن دولة عظمى، أخذت على عاتقها مواجهة معارضة سورية ذات كيانات سياسية وعسكرية ومدنية متفرقة وضعيفة، بواسطة القصف الوحشي بالطائرات، وبالصواريخ الفراغية والارتجاجية، مع آلاف الغارات، وأنها على الرغم من ذلك؛ لم تستطع فرض الاستسلام على السوريين، وإعلان الفوز الكامل عليهم. والمعنى أن كل ما يجري هو عبارة عن تقليم لأظافر المعارضة، وتعيين حدود نفوذها، وتحجيم طموحاتها، ما يفيد بأننا إزاء واقع ملتبس، فلا المعارضة أضحت قادرة على الاستمرار في زيادة نفوذها، أو تعزيز دورها، مثلما كان في مرحلة ما قبل التدخل الروسي، ولا النظام قادر على حسم الأمر لصالحه تمامًا، ولعل هذا ما فرضه مسار أستانا في ترسيمه “المناطق منخفضة التصعيد”.

على صعيد آخر، إن الوضع على جبهة الصراع الدولي والإقليمي على سورية لا يقل التباسًا عنه، بخصوص الصراع الدائر في سورية، بين الأطراف المعنيين (النظام والمعارضة)، إذ إن روسيا لم تستطع حسمَ الأمر لصالحها تمامًا، بالرغم من دورها الكبير في تدعيم النظام، وإعادة تعويمه؛ بدليل أنها رضخت لتقاسم النفوذ مع الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، وهذا يشمل الولايات المتحدة وتركيا وإيران والأردن (وفي الباطن إسرائيل).

يمكن أن نستنتج من ذلك أن روسيا استطاعت، في عامَين من التدخل العسكري، وستة أعوام من التدخل السياسي، تحقيقَ عدة أهداف، يمكن اختصارها في الآتي:

أولًا، فرض ذاتها كطرف فاعل في الصراع السوري، وفي صوغ السياسة الدولية إزاء المشرق العربي، وفي ما يخص الصراع عليه وتحديد شكله.

ثانيًا، تعزيز مكانتها كصاحبة القرار المتعلق بوجود نظام الأسد، وذلك في مقابل تحجيم دور إيران التي كانت تَعدّ نفسها كصاحبة القرار في الشأن السوري، ولعلّ من المفيد ترقب مزيد من التوتر في العلاقة الروسية الإيرانية، على خلفية ذلك مستقبلًا.

ثالثًا، تعطيل الحل الدولي بخصوص سورية، المتمثل ببيان جنيف 1 (2012)، ومقررات مجلس الأمن، وتوافقات اجتماعات فيينا (2015)، وفرض مسار تفاوضي جديد، هو مسار أستانا.

رابعًا، أدى التدخل الروسي إلى تعزيز المراهنات المتعلقة بإعادة تعويم أو تدوير النظام، بطريقة أو بأخرى، بعد أن كان آيلًا إلى الانهيار.

خامسًا، أسهم التدخل الروسي في مفاقمة عذابات السوريين، وتكبيدهم خسائر فادحة بالأرواح، والحديث يدور عن مصرع أكثر من عشرة آلاف منهم، نصفهم من المدنيين، مع إصابة أكثر من عشرين ألف مدني، فضلًا عن الإمعان في تدمير مناطق واسعة من بعض المدن السورية، ومفاقمة حصارها (كما حصل في حلب ثم الرقة ثم الدير ومناطق الزبداني)، ودفع قاطنيها إلى اللجوء والتشرد.

سادسًا، أتاح التدخل الروسي الفرصةَ لتركيا، لإضفاء نوع من شرعية على تدخلها في الصراع السوري، من مدخل مسار أستانا التفاوضي، ومن مدخل الصراع ضد الإرهاب، ولا سيما في ما يتعلق في المعركة للسيطرة على إدلب، وذلك بعد أن أحجمت الولايات المتحدة عن إعطاء مثل هذه الفرصة لتركيا، في معركتي الرقة ودير الزور، في الحرب التي شنتها على (داعش).

على أي حال، يبدو من الصعب التكهن بمآلات التدخل الروسي في سورية، لا يتعلق هذا بالحديث عن استعمار احتلالي جديد؛ إذ إن الزمن وتطورات العصر، وحقائق السياسة في العالم، تجاوزت ذلك، إذ الأمر يتعلق بتعقيدات الصراع السوري، على ضوء التجربة. مع ذلك يمكن القول إن مآلات هذا التدخل محكومة بعديد من التفاعلات، وأولها، مدى استمرار التوافق روسيا مع الولايات المتحدة، لأنه من دون توافق كهذا ما كان لروسيا أن تعمل على هذا النحو في سورية. وثانيها، أن هذا الأمر مرهون، أيضًا، بمآلات التوافق أو التنافس أو التخاصم الإيراني الروسي، إذ إن إيران ترى نفسها ولية أمر سورية ونظام الأسد، في حين ترى روسيا نفسها أنها هي من أنقذ هذا النظام، وهي من أجبر الفصائل المسلحة على التسليم لاتفاقات أستانا. وثالثها، يتعلق بموقف تركيا، وباستمرار تنسيقها مع الطرفين الروسي والإيراني، وطبعًا كان يمكن التحدث. رابعها، عن المعارضة السياسية والعسكرية والمدنية، لكن مشكلتنا أن هذه المعارضة ضعيفة ومشرذمة ومرتهنة، وأن الشعب السوري في أوضاع صعبة وكارثية، وخصوصًا إذا استمرت الأمور على هذا النحو في إدارة المعارضة لأوضاعها.




المصدر
ماجد كيالي