مركز كارنيغي: طموحات وإخفاقات.. إلى أين وصلت تركيا بسياستها الشرق أوسطية؟



المحتوى

مقدمة…………………………………………………………..1

العودة إلى المنطقة………………………………………………..2

خطأ الحسابات السوري…………………………………………….3

قاعدةٌ في قطر وصداقةٌ مع إيران……………………………………4

الأمل بالقيادة…………………………………………………….5

 

مقدمة

على الرغم من النجاحات الأولية، فإن النهج العثماني الجديد لتركيا في الشرق الأوسط جلَبَ لها عددًا من الإخفاقات، وأدى إلى خسارتها حلفاءها في المنطقة. غير أن أنقرة -كما هي في السابق- لم تفقد الأمل بأن تصبح دولة إقليميةً قائدة، بإقامة علاقاتٍ متميزة مع قطر، وبالتعاون مع إيران وبالتفاني للحصول على تعاطف عامة المسلمين العاديين.

عند الحديث عن السياسة الخارجية لأنقرة في الشرق الأوسط، يتفق منتقدو النظام التركي على أمرٍ واحد هو فشل السياسة التركية في المنطقة فشلًا تامًا. ويقولون بوجود حاجةٍ ماسةٍ إلى إعادة النظر، وإلا؛ فإن تركيا لن تفقد حلفاءَها وحسب، بل من ينظر إليها بحيادية أيضًا.

مثل هذه الاتهامات بحق أنقرة محقة تمامًا؛ فقد قيل كلامٌ كثير عن تركيا كنموذجٍ ديمقراطي، ولكنها لم تصبح ذاك النموذج الذي تقتدي به دول الشرق الأوسط بعد “الربيع العربي”؛ فتنظيم “الإخوان المسلمين” في مصر، الذي تدعمه تركيا، قد أُزيح عن السلطة بانقلابٍ عسكري؛ ونظام بشار الأسد المكروه، الذي بذلت القيادة التركية كل جهدٍ ممكنٍ لإسقاطه، باقٍ في السلطة؛ وزاد الطين بلةً أن الأكراد العراقيين فكروا بإجراء استفتاءٍ على الاستقلال؛ ما قد يؤدي إلى قيام دولةٍ كردية على الحدود التركية مباشرة.

العودة إلى المنطقة

من المتعارف عليه في تركيا، إلقاء اللوم في مشكلات تركيا الشرق-أوسطية على رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو الذي غادر منصبه، في أيار/ مايو من العام الفائت. ومع خروجه -برأي الخبراء الأتراك- انتهى عهد المغامرات التركية في الشرق الأوسط.

كمستشارٍ للرئيس أردوغان، ومن ثم كوزير للخارجية، فرئيسٍ للوزراء، كان أحمد داود أوغلو، ابتداءً من عام 2002، عندما تولى حزب (العدالة والتنمية) السلطة في البلاد، مهندسَ السياسة الخارجية التركية. وقد أولى أوغلو اهتمامًا خاصًا لتطوير علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط؛ فبرأي داود أوغلو -ويتفق معه كثيرون من أعضاء الحزب- إن تركيا أولت الكثير من اهتمامها لدول الغرب لمدةٍ طويلة، متجاهلةً الشرق الأوسط، كما أهملت جذورها الشرقية، تاريخها العثماني، وهويتها الإسلامية.

تحت حكم حزب (العدالة والتنمية) بالتحديد، قررت أنقرة تعويض ما فاتها؛ فبدأت تطور بنشاطٍ علاقاتها في المنطقة. وأصبحت ما يسمى بـ “العثمانية الجديدة” نوعًا من الأيديولوجية غير الرسمية تنتهجها السلطات الجديدة التي راحت تمجد قوة الإمبراطورية الغابرة وعظمتها. ومع أنها لم تلغ مفاوضاتها لدخول الاتحاد الأوروبي، فقد قررت أنقرة العودة إلى الشرق الأوسط.

بدأت القيادة التركية الجديدة بتطبيع علاقاتها مع سورية والعراق، عملًا بالمفهوم الذي اقترحه داود أوغلو “صفر مشكلات مع الجيران”. كما استطاعت تركيا إرساء علاقاتٍ جيدة مع كردستان العراق؛ الأمر الذي رحب به أكراد تركيا. على جانبٍ آخر، بدأت تركيا تطوير علاقاتها بدول الخليج (الفارسي).

وأخيرًا، وجدت تركيا في موجة احتجاجات “الربيع العربي” فرصتها المنتظرة للإعلان عن نفسها كدولةٍ إقليمية مؤثرة؛ فدعمت أنقرة التغييرات التي طالب بها العرب، وراحت تدعي أنها النموذج الديمقراطي المناسب للحكومات العربية المقبلة. لفترةٍ من الزمن (حتى وقوع الانقلاب العسكري في مصر عام 2013)، حدث شيءٌ ما متشابهٌ في مصر وتونس، حيث استلم السلطة في البلدين “الإخوان المسلمون” القريبون -أيديولوجيًا- من الحزب الحاكم في تركيا.

الخطأ السوري في الحسابات التركيَة

أرادت أنقرة أن يحصل الشيء نفسه في سورية. فمنذ بداية الأزمة، أعلنت السلطات التركية أن الأحداث السورية “شأنٌ داخلي” تركي؛ فدعمت المعارضة السورية في تنظيم لقاءاتٍ في إسطنبول، واستقبلت اللاجئين السوريين الذين بلغ عددهم الملايين. وشوهد أفرادٌ من الاستخبارات التركية في أثناء تسليم الأسلحة للمعارضة السورية، بحسب صحيفة (جمهوريت) التركية.

الشكل المثالي الذي أرادته تركيا هو: خروج الأسد الفوري من السلطة، وإقامة نظامٍ مناسب لها في سورية، ويفضل وصول (الإخوان المسلمين) إلى السلطة. ولكن الوضع في سورية، كان في الواقع أكثر تعقيدًا وتشابكا: فبمساعدة روسيا وإيران، استطاع الأسد الصمود في السلطة؛ وتبين أن المعارضة المدعومة تركيًا ضعيفة، فهي إما تم القضاء عليها جسديًا، وإما انتقلت إلى جانب المجموعات الراديكالية؛ وأصبحت سورية سببًا في أزمةٍ عميقة في العلاقات مع روسيا في تشرين الثاني عام 2015، عندما أسقطت أنقرة مقاتلةً روسية فوق الحدود السورية.

إلا أن أكثر عاملٍ أثار الأتراك، كان الأكراد السوريين. فبفضل نجاحهم في قتال “الدولة الإسلامية”، حصلوا على دعم الولايات المتحدة الأميركية، وأصبحوا يتطلعون إلى الحصول على حكمٍ ذاتي في سورية ما بعد الحرب. في آب/ أغسطس من العام الماضي، بدأت أنقرة عمليةً عسكرية باسم (درع الفرات)، تهدف إلى تطهير مناطق حدودية من الفصائل الكردية المسلحة.

بالنسبة إلى القيادة التركية، من الحيوي جدًا ألا تسمح ببقاء مناطق خاضعة للأكراد عند حدودها. تفترض أنقرة أن فصائل الأكراد السوريين من الاتحاد الديمقراطي، هي جزءٌ من (حزب العمال الكردستاني) الذي يُعدّ تنظيمًا إرهابيًا في كلّ من تركيا، الولايات المتحدة الأميركية وفي دول الاتحاد الأوروبي. ترى تركيا أن الأكراد السوريين إن تمكنوا من إقامة منطقة حكمٍ ذاتي خاصةٍ بهم في سورية؛ فإن هذه المنطقة ستصبح قاعدة انطلاقِ لـ (حزب العمال الكردستاني) وتعزز وضعه.

الآن، أصبحت المشكلات السورية مشكلات داخلية تركية بالفعل: اللاجئون، تأزم المسألة الكردية، والإرهاب. بالطبع، تحاول أنقرة الآن إنقاذ ماء الوجه بصورةٍ ما، فهي تشارك في المباحثات ثلاثية الأطراف لتسوية الأزمة إلى جانب موسكو وطهران، وتعزز الرقابة على الحدود، حتى إنها أصبحت تجيز بقاء نظام الأسد، خلال المرحلة الانتقالية في فترة ما بعد الحرب. ومع ذلك، يمكن القول إن السياسة السورية لتركيا قد مُنيت بالفشل؛ فقد أخطأت تركيا في حساباتها خطأً فادحًا، وأصبحت رهينة طموحاتها الإمبراطورية.

قاعدةٌ في قطر وصداقةٌ مع إيران

تبقى قطر الحليف الوحيد لأنقرة في الشرق الأوسط الآن. وتتخذ أنقرة والدوحة مواقف متقاربة من العديد من المسائل: الأزمة السورية، الانقلاب العسكري في مصر، العلاقة مع إيران وهكذا. وكلا الدولتان يدعم حركة (الإخوان المسلمين) وحركة (حماس) اللتين صُنفتا في العديد من الدول كمنظماتٍ إرهابية.

الاستثمارات القطرية المباشرة التي بلغت، في العامين الماضيين فقط، قرابة 700 مليون دولار، مهمةٌ جدًا بالنسبة إلى الاقتصاد التركي. واعتبارًا من عام 2016، استحوذت قطر على عدة شركاتٍ وبنوك، على سبيل المثال:ONB Finansbank, Abank, Digitürk, BMC, Boyer.. بدورها، تقوم الشركات التركية بتنفيذ نحو 130 مشروعًا في قطر، من ضمنها (مترو الدوحة) الذي تصل تكلفته إلى 4.4 مليار دولار.

في بداية حزيران/ يونيو، عندما أعلنت عدة دول عربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية الحصارَ على قطر؛ انبرت القيادة التركية فورًا للدفاع عن الإمارة. “نحن لن نتخلى عن أشقائنا القطريين”، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. علاوةً على ذلك، وبعد مرور يومين على الإعلان أن قطر “شر إقليمي”، صادق البرلمان التركي على اتفاقين مع الدوحة، ينصان على إرسال قواتٍ تركية إلى قطر، لتدريب العسكريين المحليين. وهي القاعدة العسكرية التركية الأولى والوحيدة في الشرق الأوسط. وكانت الدولتان قد وقعتا في عام 2014، أي منذ ثلاث سنواتٍ خلت، اتفاقيةً يتم بموجبها نشر قواتٍ تركية في قطر. وبحسب الاتفاقية، يمكن نشر نحو 5 آلاف جندي تركي في القاعدة القطرية.

على عكس قطر، لا يمكن القول عن إيران إنها حليف لتركيا. القول الأقرب إن علاقاتهما هي شكلٌ من أشكال التنافس المكبوح لاستحواذ النفوذ في المنطقة. تتخذ الدولتان موقفًا مختلفًا جدًا من الوضع في سورية، ولكنهما مع ذلك تشاركان في إطارٍ تفاوضي واحد لتسوية الأزمة. طهران وأنقرة، توحدهما وجهة نظرٍ متطابقة بشأن المسألة الكردية: لا أحد منهما يريد أن تقوم منطقة كرديةٌ في سورية تتمتع بالحكم الذاتي، أو دولةٍ كرديةٍ مستقلة في العراق.

في الخامس عشر من آب/ أغسطس، زار تركيا رئيس هيئة الأركان العامة في القوات المسلحة الإيرانية محمد حسين باقري، والتقى بالرئيس التركي ورئيس هيئة أركان الجيش التركي خلوصي أكار. تتميز هذه الزيارة بأنها المرة الأولى، منذ قيام “الثورة الإسلامية” عام 1979، التي يزور فيها رئيس الأركان العامة الإيراني تركيا. وتشير معلومات بعض المصادر إلى أن الجانبين اتفقا على تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن يمكن الافتراض أن المسألة الكردية في سورية والعراق كانت الموضوع الرئيس، في أثناء المباحثات المغلقة.

أمل القيادة

على الرغم من الإخفاقات المؤلمة وغياب الحلفاء تقريبًا، باستثناء قطر المعزولة إقليميًا، لم تفقد القيادة التركية، كما في السابق، الأمل في أن تصبح تركيا يومًا قائدة دول الشرق الأوسط. فأنقرة، افتتحت قاعدةً عسكرية في قطر، وتستمر بترتيب علاقاتٍ خاصة مع إيران، وقطاعُ الأعمال التركي نشطٌ في العالم العربي كله. فضلًا عن ذلك، تستمر تركيا بفتح المزيد من وسائل الإعلامٍ الناطقة باللغة العربية، وتعرض للمشاهد العربي على نحو مستمر نمطَ الحياة التركية، من خلال المسلسلات التلفزيونية.

في كثير من الأحيان، يقدم الرئيس التركي نفسه كمدافعٍ عن جميع المسلمين، معززًا بذلك شهرته في دول الشرق الأوسط. بدءًا من تلاسنه على شاشات التلفاز مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، في (منتدى دافوس) عام 2010، لا يفوّت الرئيس التركي أي فرصةٍ إلا ويستغلها لتوجيه انتقاداته للسلطات الإسرائيلية، دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأميركية والكثير غيرها. ويقف متصديًا للتجاوزات التي يتعرض لها المسلمون، ويهاجم ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

في الوقت الحالي، يقف أردوغان مدافعًا بحماسةٍ عن مسلمي ميانمار، كما أرسلت تركيا مساعداتٍ إنسانية عاجلة للاجئين المسلمين هناك، عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية. ويعبّر الرئيس التركي علنًا، بشكلٍ شبه يومي، عن القلق بشأن وضع مسلمي ميانمار، داعيًا المجتمع الدولي للتحرك. هذا النشاط يعجب سكان دول الشرق الأوسط، ويزيد -بلا شك- من تعاطفهم مع الرئيس التركي. غير أن هذا التعاطف قائمٌ منذ سنواتٍ، ولكن القيادة التركية، لم تتمكن حتى الآن من تحويله إلى إنجازاتٍ ملموسة.

 

 

اسم المقالة الأصلية Амбиции и просчеты. Куда завела Турцию ее политика на Ближнем Востоке كاتب المقالة يكاترينا تشيلكوفسكايا مكان وتاريخ النشر مركز كارنيغي موسكو. 15 أيلول 2017 رابط المقالة http://carnegie.ru/commentary/73094 ترجمة سمير رمان

 




المصدر
سمير رمان