‘بإختصار : حقائق عن أكراد سورية …’

21 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
6 minutes

الأكراد في سورية هم أكبر اثنية غير عربية.. لا توجد إحصائية دقيقة وصحيحة لهم (كما لا توجد أي إحصائية لأي مكون عرقي أو ديني أو طائفي في سورية) .. ولكن هناك تقرير صادر عن منظمة حقوق الأقليات ذكر أن عدد الأكراد في سورية يبلغ 1.7 مليون كردي بما نسبته 10 % من تعداد سكان سورية، وبطبيعة الحال يؤكد الأكراد أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، فيما ترى بعض جهات المعارضة أن الرقم أقل ..
يعيش الأكراد في ثلاث مناطق رئيسة وهي: الجزيرة، وعين العرب، وعفرين .. بالإضافة إلى وجود ملحوظ في دمشق ..
في عام 1962 أجرت الحكومة السورية إحصاء خاصاً في محافظة الحسكة في سياق ما قيل عن عبور العديد من الأكراد غير السوريين إلى سورية من تركيا، وكان على الأكراد أن يثبتوا أنهم يعيشون في سورية منذ عام 1945 على الأقل وإلا فقدوا جنسيتهم السورية، وقد تم الإحصاء في يوم واحد فقط، وبالنتيجة نُزعت الجنسية السورية عن نحو 120 ألف كردي، وبالتالي ترتب على ذلك حرمان هؤلاء من خدمات الدولة (التعليم، العلاج، التوظيف، جواز السفر، .. الخ) .. واستمر الوضع على هذا الحال إلى عام 2011 حيث أصدر بشار الأسد – وبشكل مفاجئ – مرسوما بمنح الجنسية لما يسمى بـ “أجانب الحسكة” ..
بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في عام 1963 بدأت الحكومة خطة لترحيل الأكراد من مناطقهم، وقد عُرفت تلك الخطة بـ “الحزام العربي” أو وفقاً للتسمية الرسمية “الكيوت” ! (خطة إنشاء مزارع نموذجية في محافظة الجزيرة) وتنفيذاً لهذه الخطة أنشأت الدولة قرى زراعية نموذجية في المنطقة الكردية وسلمتها للعرب فقط، فيما صادرت الحكومة الأراضي التي يملكها الأكراد بمبررات مختلفة مثل (الإصلاح الزراعي) أو (الملاك غير سوريين) ..
تبنت الحكومة السورية توجها صارما في قمع الحقوق الثقافية للأكراد، وتجلى ذلك بمنع استخدام اللغة الكردية، ومنع طبع الكتب باللغة الكردية (بما في ذلك المعاجم !) ومنع تأسيس مدارس أو معاهد أو جمعيات أو أندية كردية (على الرغم من منح هذه الحقوق لباقي الأقليات الإثنية مثل الأرمن والشركس والآشوريين)، ومنع الاحتفالات بالمناسبات الكردية مثل رأس السنة الكردية والنوروز، وكان يتم دائما اعتقال المشاركين في مثل هذه المناسبات .. كما غيرت الحكومة أسماء مناطق كردية إلى أسماء عربية .. ووصل الأمر إلى حد ممارسة موظفي السجل المدني ضغوطا على الأكراد لتجنب اختيار أسماء كردية لإبنائهم ! ..
سياسيا كان تعامل الحكومة السورية مع الملف الكردي مرتبطاً بالمزاج السياسي العام، إذ في أعقاب المواجهة المسلحة مع الإخوان المسلمين في الثمانينات سعت الحكومة إلى إرضاء الأكراد بعدة أمور مثل الافراج عن المعتقلين، والتسامح مع الإظهار العلني للثقافة الكردية .. ورغم القمع الحكومي للأكراد السوريين كانت الحكومة السورية تدعم الأكراد غير السوريين في العراق وتركيا بل وصل الأمر إلى حد استضافة الزعيم الكردي التركي عبدالله أوج ألان..
نجحت قلة قليلة من الأكراد في البروز في المجتمع السوري، مثل محمد الأيوبي رئيس الوزراء، ومحمد كفتارو مفتي سورية، وخالد بكداش زعم الحزب الشيوعي السوري، والشيخ سعيد رمضان البوطي، وبعض الإعلاميين البارزين مثل محمد شيخو وعدنان بوظو، وغيرهم، فضلا عن بعض النواب الأكراد في مجلس الشعب ومجالس الإدارة المحلية .. ولكن هذه الأسماء لم تكن لتظهر إلا لأنها أسماء مرضي عنها حكوميا ولا تتبنى مطالب ثقافية كردية ! ..
حزبيا ظهرت بين الأكراد حركات سياسية مختلفة (وصلت إلى 14 حزباً !) وهي جميعها غير مرخصة ومبتلاه بالتفرق والانقسام وكانت المطالب الأساسية لها متعلقة بحقوق ثقافية وسياسية في إطار وحدة البلاد (مع وجود تيارات وجماعات طالبت بالانفصال السياسي أو بالحكم الذاتي).. وقد تعرضت هذه الأحزاب لقمع حكومي قاس، إذ تم اعتقال الكثير من كوادرها، فضلا عن اعتقال الكثير من الناشطين والكتاب الأكراد المستقلين .. ورغم ذلك كانت الحكومة السورية تتعامل مع هذه الأحزاب بمنطق الأمر الواقع ! خصوصا مع القيادات البارزة فيها …
في آذار من عام 2004 اندلعت اضطرابات للاكراد كانت شرارتها مباراة لكرة القدم في القامشلي شهدت مواجهات بين مشجعين عرب ومشجعين أكراد، وقد تدخلت قوات الأمن لفض تلك الاشتباكات بالرصاص الحي (قيل يومها أن تدخل قوى الأمن استهدف الأكراد بشكل رئيسي) وقد اسفرت تلك المواجهات عن سقوط بضعة قتلى في صفوف الأكراد .. وفي اليوم التالي وأثناء تشييع القتلى هاجمت قوم الأمن الجنازة (التي خرج فيها مئات الأكراد) وأسفرت تلك المواجهات عن سقوط الكثير من القتلى والجرحى .. تلى ذلك مظاهرات عنيفة فجرت الاحتقان الداخلي للأكراد ..
لم يقتصر القمع الذي تعرض له الأكراد على الجهات الحكومية، إذ كانت فصائل المعارضة “الوطنية” تتجاهل ملفات الأكراد الحقوقية (بقصد أو بدون قصد !) .. وفي بعض الأحيان كانت بعض قوى المعارضة ترفض مشاركة القيادات الكردية في الحراك السياسي المعارض أو تضيِّق عليها وتفرض عليها شروطا مختلفة ..
المشكلة الكردية في سورية هي مشكلة مزدوجة: مشكلة قمع حكومي (وقد طال القمع الحكومي الجميع وليس فقط الأكراد) .. ومشكلة تجاهل جمعي من الأغلبية، وقد وصل أحيانا إلى القمع الفعلي كما شهدنا مع نماذج كثيرة من الخطاب الإسلامي والخطاب القومي العربي وبعض أشكال الخطاب الليبرالي والتي تنطلق من فكرة “العروبة” كصفة جامعة للسوريين ! (سواء أكانت عروبة إسلامية عند الإسلاميين أو عروبة قومية عند القوميين وبعض الليبراليين).. وللأمانة فقط طالب بعض الكتاب والمفكرين والناشطين السوريين (إسلاميين وعلمانيين) بإعادة بناء هوية وطنية جامعة قوامها الانتماء للوطن وليس العرق ! والتأكيد – بشكل نظري !! – على أهمية منح حقوق “متساوية !!” لجميع مكونات المجتمع السوري.. ولكن كما يقول المثل الإنكليزي: الشيطان في التفاصيل ! ..