لا شيء أقوى من رائحة الموت في الربيع



على الحريّة أن تنفخ منطادها وتحلّق عاليًا حاملة إلى السماء أوراقًا كانت مطوية

في الخامس عشر من تشرين الأول سنة 1989، صعدت قصيدة ما في غرفة أو حديقة أو فوق رصيف ما، صعدت سلالم شهقتها الأخيرة وصرخت:

وتولد دعد..

على مقعد.. في حديقة..

وتستقبل أعوامها..

وتبكي على الراحلين..

وتفرح أن القصيدة عادت إلى حزنها..

وتبكي على حضنها..

وتبكي على مقعد في الحديقة.

وفي ليلة باردة من 2 شباط سنة 1986، حيث العتم بدأ يغطي أقدام دمشق، ويتبع ظلال الوحيدين، حطّت هذه الريشة بين صفحات امرأةٍ وحيدة:

مساءُ دمشقَ الحزينة..

مساءُ النيون المُنطفئ..

مساءُ المقاعد..

مساءُ الأشجار المنتصبة،

مساءُ البكاء الخافت،

وصياحُ النساءِ الوحيدات،

وصراخُ الأطفالِ الصامت،

فوقَ الأرصفةِ المُعتمة،

وبرودةُ النظرات..

وبرودةُ الأيدي والأرجل..

بهدوءٍ.. بهدوء..

الدَّفْنُ.. والموتُ الطويل..

بهدوءٍ.. بهدوء..

الصياحُ المشترك.. والعويل..

بهدوءٍ.. بهدوء..

واللقاءاتُ الصديقةُ.. الواعدة

وبناءُ الأكواخِ الصديقة..

وبناءُ النفوسِ الصديقة

وطباعةُ الكُتُب..

آه.. الحُبُّ والفرح..

آه.. ومزيد من الحُبّ والفرح..

للعيونِ التي طال بها الانتظار..

ومرض “الشقيقة” والروماتزم..

وانعدام الحُرّيّة..

والآن.. في الساعة الثالثة -تقريبًا- تنتهي حفلة الملهى القريب من بيتي، صراخ وضحكات ومشاحنات وأغانٍ تطمر رأسها مع رأسي، وراء صوت الرصاص المتقطع والقريب، لم يعد للحرب علاقة بهذه الأجواء، فاللامرئي تمدّد في الساحات مطعونًا بكذبة التاريخ، وفي عينيه يلمع خاتم الحقد الدفين، وفي الساعة الثالثة من فجر عام 1976، كانت دعد حداد (1937-1991) تكتب:

لو أتتْ رصاصةٌ طائشة،

فجأةً، من نافذةٍ قريبة،

فهي لا تصيبُني، إطلاقًا،

ففي هذه الحال،

لن يكونَ الحارسُ اللّيليُّ موجودًا،

بل، الحزنُ المتدلِّي،

من كلِّ السقوف المتفجِّرة

سأعودُ، إذًا، إلى كوخي الصغير،

لكم يمرُّ الوقتُ بطيئًا،

بعدَ الثالثة، صباحًا‎.

على العالم أن يجدّف بزورقه المنسيّ مستعيدًا أحلام الشاعرة، وعلى الليل الطويل أن يضيء شمعة في طريقه بين الثلوج، وعلى الوحيدات كبنفسجة آخر التلال، أن يضعن فوق شبابيكهن ستائر الدانتيل، ويحضرن كأس نبيذ. وعلى بتلات شقائق النعمان أن تباعد بين أوراقها قليلًا، كي تمرّ الكلمات التي كُتبت لها يومًا. على الأبواب أن تُخلع وتطير دون عناوينها المطرّزة، وعلى الحريّة أن تنفخَ منطادها وتحلّق عاليًا حاملة إلى السماء أوراقًا كانت مطوية منذ زمنٍ، فقريبًا جدًّا، سيولدُ كتاب في هذا العالم، وستمشي كائناته في جنازة مهيبة خلف تلك الشاعرة التي قالت يومًا:

“أنا خمري في شراييني..

أنا مَنْ تحملُ الزهورَ إلى قَبْرِها،

وتبكي.. من شدَّةِ الشِّعْر”.

قبل أن يأتي رسول الموت، هناك -دائمًا- أمنية، أغنية، كتاب، يتركها حدْس الشاعر مغمضة تحت جفنٍ مجهول، يُرخي الشعر مجانينه، يلهون ويضحكون ويعبثون، ثم يعكّرون قاع النهر بأصابع أقدامهم بعد النهاية. وإن كتبتِ عن الموت كثيرًا يا دعد، كعرّافة شماليّة تسند الصخر بدمعها والشوك ببصيرتها، وإن كانت لكِ تلك الفسحة النيّئة الطاهرة الواسعة الحالمة البريّة مع الطبيعة، أفلا يشعرُ عتمكِ مثلي الآن، بنور مصباحٍ يتعقبُ قطط الوحيدين؟ والطبيعةُ تقرأ أعمالكِ الكاملة وقد طُبعت أخيرًا في مجموعة واحدة، أسمتها نافذتكِ وسط دمشق: “أنا التي تبكي من شدّة الشعر”.

قبل أن تودع العالم، في 1 آب 1987، كتبت دعد حداد في مجموعتها الأخيرة (ثمة ضوء)، التي سيقرؤها الضوء للمرة الأولى:

أحبكَ ثوبي..

وأصفع دميتي

ولكن!

لمن أهدي كل هذا الجمال

والعالم مقفر ومتسع

وأنا أركض.. بلا نهاية.

تصحيح خطأ الموت، كِسرة خبز تكفيني، الشجرة التي تميل نحو الأرض، والعمل الأخير (ثمّة ضوء) الذي كتبتْه في نهاية الثمانينات بخط يدها، كأنها آخر المعزين لنفسها، ولم ينشر منذ ذاك الوقت! أربع مجموعات شعرية ستصدر قريبًا عن دار التكوين في دمشق للشاعرة دعد حداد، ولا بدّ لي أن أشير إلى أنّ هذا العمل كان بمثابة تحدٍّ حقيقي لدار التكوين، المشكورة على الجهد والإصرار الذي بذلته طوال فترة جمعها وطباعتها للأعمال الكاملة، مرفقة إيّاها بديوان (ثمة ضوء) مطبوعًا للمرة الأولى، وذلك لأسباب كثيرة تخصُّ حياة الشاعرة، وما فرضته تلك الحياة من مأساة وعزلة وتشرد، كانت هناك نيّة خلاقة في حماية وحفظ قصائد شاعرة سوريّة، لطالما غُيّب اسمها عن الساحة، وانحسر في جيل السبعينيات. لطالما تأملتُ أن تتحقق هذه الثقافة وتعمّ كلّ العقول، ثقافة إنعاش الكتب والأرواح، وفَرْدِ تجربتها تحت بساط مشمسٍ على مرّ الزمن.

نشرت دعد حداد مجموعتين شعريتين في الثمانينيّات، (تصحيح خطأ الموت) و(كِسرة خبز تكفيني)، وبعد أن رحلت في عام 1991 تم طباعة مرثيتها (الشجرة التي تميل نحو الأرض)، وهنا بدأت دعد تستعد لموتها الحقيقي! جهزت كفنها من خلال تأملات طويلة قضتها مع الريح، ودّعت العصافير والليل، سيغادرها الحب ليبني شاهدة القبر، ويحفر كلماتها فوق الرخام:

بدأتِ ترحلينَ،

سنواتُ العُمر..

وخاتمةُ المطاف.

ها أنا أشيرُ: توقّفي،

والدخانُ يطفحُ بي..

والضجيجُ يؤرقني..

وصوتُ الرياحِ يعصفُ بي..

أريحيني.. سنواتِ العمر..

ولا تُسرعي هكذا.

13/10/1989

كانت (الشجرة التي تميل نحو الأرض)، بمنزلة نعيَةٍ، حيكت خيطانها على مهلٍ أمام عتبة بيت ريفيّ، يطلُّ على مرجٍ من الأطفال والجسور وأزهار البنفسج، نَسجت لغة الأمومة مع لغاتٍ أخرى، تتكشّف للقارئ حبالها الصوتية، ما إن يرمي حجره في بحيرتها الساكنة، هنا ثلاثة مقاطع كُتبت في يومٍ واحد. نعيَةٌ، السهول ارتدت أكمامها، عندما رحلت دعد في يوم من أيام الربيع:

ثلاثةُ أطفالٍ..

يحفرونَ قبري في الثلج

الوحدةُ والحزنُ والحُرّيّة..

ثلاثةُ أطفالٍ.. أبرياء..

إنَّهمْ حُمرُ الوجوهِ من التعب..

ومن الشوقِ لدَفْني..

ثلاثةُ أطفال..

الوحدةُ والحزنُ والحُرّيّة

تحتَ وابلِ المطرِ.. أو الثلج

يحفرون..

إنَّهمْ يحفرونَ بعمق، والثلج..

عميقٌ.. عميقٌ.. عميق..

بحيرةٌ مَنسية..

كانوا رفاقًا يبكون..

كلَّما التقوا..

وكانت المساءاتُ مُقمِرَةً..

والهررُ السوداءُ تموءُ..

وكانت الصبيّةُ تبكي حبيبها..

العائدَ “إلى الحرب”..

وشقائقُ النعمان ـ ما زالَ عابقًا..

في السهول..

لا شيءَ أقوى من رائحةِ الموت..

في الربيع.

بعدَ الوحدةِ الطويلة..

في شتاءٍ ثلجيّ.

وضعتُ يَدي فوقَ الدفتر.

وبكيتُ..

مَنْ سيقرأُ هذه الكلماتِ السريعةَ..؟!

ونحنُ..

والموتُ..

القريبُ.

مَنْ سيفهمُ دفقَ الشعور،

وتراكُم وتراكب الصور..

المتلاحقة كأمواج البحر؟!

مَنْ سيُضنيه فراقنا؟..

ومَنْ سيُضنيه الألم

لموتنا؟!

26/ 2/ 1989

كلما قرأت نصًا، نظرتُ إلى السماء، أرقبُ غطاء الأريكة، روزنامة الحائط، مقبض الباب. طوال استغراقي مع هذه القصائد، أكثر ما كان يتبادر إلى خاطري من أسئلة: هل تصل العفويّة والصدق في الكتابة إلى درجةٍ، يبدو فيها الوقت الذي كُتبت فيه تلك الكلمات، وكأنّها تُكتب اليوم، إلى درجة أشعر وكأني لست أنا من ردّ تحية الصباح إلى جارتي منذ قليل، بل كانت هيَ، دعد حداد.

الوحيدون

يبكون من الحب..

الوحيدون..

ويجرجرون الأكياس فوق الظهور..

ويلملمون الأوراق..

وفتات الموائد..

آه البكاء المشترك..

والجنازات المشتركة..

والعويل.. والعذابات المشتركة..

يا رغيف مكسيم غوركي المبلل!

وأنا لي رغيفي المسروق والمبلل..

كيف أنتزعه من مخزن الحرية..

28 كانون الثاني 1986.

في حديث قديم ودافئ في بيت الشاعر حازم العظمة، أتذكر دائمًا ما أخبرني به عن دعد، بضع كلمات، كانت تنضمُّ إلى قصائدها عند كل عودةٍ إليها، كررتُ سؤالي عليه مرّة أخرى؛ فبعث لي هذه الرسالة:

“رأيت دعد حداد أول مرة، في منتصف الثمانينات.. عرّفني عليها أصدقاء. لا أذكر تمامًا ما الذي قلته لها مباشرة في لحظة هذا التعارف، لكنه كان شيئًا كهذا: أقرؤكِ وأحب أشعارك..

لم يكن جوابها سوى دموع غزيرة، فاضت من عينيها.. دموع أغرقت ثوبها وصنعت بحيرة صغيرة على زجاج الطاولة أمامها، كان يشبه أنكَ تفتح صنبورًا من عينين، غمرهما فرح عميق، قبلها بيومين كنتُ أقرأ لها قصيدة عن عامل المطبعة.. إحدى أجمل القصائد في الغزل”.

إلى سامسون

أسناني ليستْ بيضاءَ أسناني..

يا أيُّها الإفريقي..

خفِّفْ، إذنْ، هذا الحزنَ الحنون..

وأنا سوداءُ كالبنفسج..

من الحُزنِ الدفين..

كلتا يَدَيْكَ، إذنْ.. سوداء!

وأنا يدي تكتب..

وعيناكَ.. تقرأان!

بسم الله الرحمن الرحيم..

ما أجمل هذه العيون!

تمسكت دعد حداد بتأريخ كلّ لفظة، كلّ فاصلة، كلّ خطوة، لم يكن الوقت صديقها، ولم يكن لنبضاتها ذاك الاحتفاء بدقات الساعة، إنها الوحشة وليست الوحدة! كانت عارمة وفوضويّة، جاء تأريخ القصائد بهذه الاستماتة والإخلاص جناحًا قاسيًا يرفض هذه الأرض، يحلق نحو مزيد من العزلة، حيث عتبة غرفة دعد حداد، التي تجلب لها رجلًا يكنس الطريق، سكارى، أضواء النيون الخافتة، ودمشق الجائعة للحرية.

عند كل آخر كل قطعة من ثوبها، كان يتدلى عددٌ ما، يرمز إلى المزاج الذي يريد به الشعر أن يخلق ويكون، قصيدة في الرابعة فجرًا، هي ليست حتمًا في الرابعة فجرًا، حيث الشمس بدأت بالاستيقاظ مع العمال والفلاحين والطرقات والحقائب، إنّها الرابعة فجرًا، زرٌّ أسود آخر الورقة البيضاء، مفتاح صدئ نهاية نصٍّ تاه عن وجوده، لأسباب لا تمتُّ للفجر بأيّ قرابة.

أيُّها الدربُ المُوحشُ!

يا دربَ الحُبِّ!

سأعُدُّ خطواتي،

فالوحدةُ علَّمتْني العَدَّ

في العودةِ، أمسكَ أحدُهُم بيدي،

خلف عينَيْه، اختبأتُ،

هنا دفءٌ، وأمانٌ،

سأعُدُّ خطواتي..

فالوحدةُ علَّمتْني العَدَّ..

الحبُّ جميلٌ هذا اليوم،

وطيورُ العالمِ واجفةٌ، تبحثُ عن دفءِ اليوم،

وأنا وحدي، لا أملكُ شيئًا،

لا أملكُ الحُريّة..

أحبّت دعد حداد أن ترفق كل قصيدة بالوقت والساعة والشهر واليوم والسنة، أقرأ تاريخ القصيدة كنصٍّ جديد، يصير الطريق موحلًا، وأسمع اهتزاز براغي المزاريب -في شباط- يدخل نافذتي، عندما تسقط هذه القصيدة:

ليل 2 شباط 1986

ها هي تذاكر السفر..

ارحلوا جميعًا..

واتركوني.. في داري..

ها هي الزهور الذابلة..

ها هي يدي.. نحيلة.. قوية..

ها هي تنورتي.. الوحيدة..

ها هي تذاكر السفر..

ها هي المدينة الوحيدة..

ها هي تذاكر السفر..

ها هي الجبال..

ها هي.. الصواريخ..

ها هي النوافذ المشرعة..

ها هي الستارات..

والريح.

ثمة سببٌ آخر يدعوني إلى الاحتفاء بهذه الشاعرة، يخصُّ كينونتي التي تتصارع حول اسمها؛ إذ كيف لامرأة مثلي تحبُّ الشعر أكثر من حبّه لنفسه، وهي التي ترتدي الجسد ذاته الذي خيّم بكل حالاته على ليل دعد الوحيد، امرأة تملك مثلها نهدين وفمًا وقلبًا أخضر، كيف لي ألّا أرتدي جلدها ذاته الذي انتفض كسمكة ذات يوم؛ وكتب:

الغيرة في عينيك..

رأيتها.

وكنت متكئًا على عكازيك..

ومسودًّا كعامود دخان..

يلف الليل أمنياتك، على كتفي.

فينوء بها قلبي..

وأرثي لحالنا..

لولا صياح الشحارير.. في الأصيل..

لقلت:

مرحبا.. للموت الحزين الشريف.

13/10/1989

فاصل صغير يربطك أيها العصفور مع ذاك الغصن، هو الرجفة المستعارة من أمكَ الريح، هي الانطواءة الأخيرة لمنقارك في الثمرة التي كانت تنتظركَ. في القفص الصدري للشعر تتكوم التناقضات وتأكل بعضها بعضًا، الصمود للأقوى، للحبّ ولتلك الجواهر التي نطلق عليها فيما بعد اسم أشياء عابرة:

ينتابُني شيءٌ من الألم.

حينَ أراكَ تهرم..

وأذكرُ بحنانٍ..

كيفَ كنتَ تسابقُ الريح..

حينَ ينتابُكَ الفَرحُ..

كزنبقةٍ مُتفتِّحة..

بينَ الثلوج.

15/10/1989

ولأنها جاءت وخيوط الرمل تنسلّ من كتفيها، من هناك.. من طين الفقر الملتف حول شجر الزيتون، من مخالب الشرود فوق وجه صخرة ميتة، من البحر النائم في رحم تعويذة قديمة، حيث يغدو الصمتُ مدرسة واقعيّة، باحت لنا عدميّتها بكلّ ما يحتاجه فنُّ “الهايكو” من عراء:

بين القبور..

كانت دمعة الطير..

تحرق التربة..

فتنبت زهرة بيضاء..

لا أحد يقترب منها..

ومن يراها، تسكنه الوحشة..

ويبقى وحيدًا..

طيلة العمر..

15/10/1989

الآن ونحن في عام 2017، لننسَ قليلًا العام والشهر الذي ودّعت فيه دعد حداد هذا النص، ولنُبقِ على معطفهِ معلقًا في الفراغ، حيث صوت الرصاص يتجذّر في أحلامنا كخشبة المسرح، والأخبار العاجلة ما تزال كلّ يوم تثقب ملامحنا بمساميرها، كما لو كانت هذه الكلمات تراقب أرضنا من مجرّة أخرى، كما لو أنها كُتبت منذ قليل:

هذهِ قبَّةُ تراب،

فوقَ أطفال..

ماتوا ليسَ فقط من الحروب،

بل من الوحدةِ والجوع..

أطفالٌ ثلاثة..

حفاةٌ، وفي الأيدي حصى..

وفي القلوبِ غصَّاتٌ، ودموعٌ مكبوحة..

وكانَ الجبلُ يرتفعُ كلَّما صعدوا..

وحينَ وصلُوا إلى القمّة..

لم يضربُوا زجاجَ النوافذ..

كانوا يُدحرجونَ الحصى فوقَ البيوتِ القديمةِ المتهدّمة

ويبكُون..

لم تكنْ هناكَ أزهارٌ أو ورود

فوقَ الجَبَل

بل شجيراتٌ مدهوشةٌ بلا ثَمَرٍ.

ما استيقظَ طفلٌ في المدينة،

إلا وفي يَدِهِ مُفرقعات.

15101989

وقبل الموت الحزين الشريف، نتلّمس بطراوةٍ حدْس الماء في مخيّلة الشاعر، قالت مرّة: “لا شيء أقوى من رائحة الموت في الربيع”، وغادرت هذا العالم في الربيع! في مجموعتها الأخيرة، نرى يد دعد حداد بين الصفحات، ملوحة لنا، مودعة قسوة الوجود وتثاؤب الحرية بين زهور شقائق النعمان التي أحبتها، نقرأ الحروف برهافة الأصابع التي كتبتها ولم ترها مطبوعة في كتاب، دعونا نخفض موسيقى الماضي ونسقي هذه الحقيقة:

أودعك الليلة يا ناي..

أودع الشعر الحزين،

وأودع رقص الموت..

وأرحل..

أودع الأضواء..

والفلسفات..

والحكايات..

والأصوات

وأرحل..!؟

هذي الليلة تأتي متمهلة..

حاملة آخر الذكريات،

الليلة عرس الموت..

والليلة..

ستقولون: .. كانت!

مساء 26-7-1987.




المصدر
سوزان علي