التهجير القسري يصل حي القدم الدمشقي



أكدت مصادر محلية من حي القدم الدمشقي لـ (جيرون) أن “المفاوضات بين فعاليات الحي وممثلين عن النظام السوري وصلت، مساء أمس الخميس، إلى اتفاق مبدئي يقضي بخروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم تُجاه الشمال السوري”، موضحةً أن موعد الخروج سيكون “يومي الثلاثاء والأربعاء، من الأسبوع المقبل”.

قال الناشط تيم، من المكتب الإعلامي في المجلس المحلي لحي القدم: إن “المفاوضات متواصلة منذ فترة، وضغط النظام مؤخرًا بشدة لإخراج كافة الفصائل، بعد أن كانت المفاوضات تقتصر على عناصر (تحرير الشام) والمقربين منها”، مشيرًا خلال تصريحات لـ (جيرون) أن “فعاليات الحي حاولت أن تصل إلى تسوية لا تتضمن التهجير، لكن هذا ما حصل في النهاية، خصوصًا أن الثوار يرفضون بالمطلق طروحات المصالحة والجيش الوطني، فاختاروا الخروج”.

توقيت الإعلان عن الاتفاق، بشأن مصير حي القدم، يثير أسئلة عديدة عن مدى ارتباطه بما اتفق عليه خلال جولة أستانا الأخيرة، وبخاصة أن الأخير دائمًا ما يتبعه تهجير لأحد معاقل الثورة، وعلى الرغم من أن مصادر في الوفد المشارك في محادثات أستانا أكدت لـ (جيرون) أن “الوفد طالب بضم مناطق الجنوب الدمشقي ومعظم معاقل الثورة في محيط العاصمة، إلى اتفاقات خفض التصعيد، وحصلت على ضمانات بذلك”؛ إلا أن الواقع يبدو مغايرًا لذلك.

لم تتوقف المعاني السياسية لاتفاق التهجير، بخصوص حي القدم الدمشقي، عند ذلك الحد، حيث رأى ناشطون من المنطقة أن أحد نتائج أستانا الأخير كان تفاهمًا روسيًا مع الأتراك والإيرانيين، للحفاظ على مصالح اللاعبين الإقليميين الأكبر في القضية السورية، ومن جهةٍ ثانية محاولة من طهران، لإعادة تفعيل اتفاق المدن الأربعة والشق المتعلق منه بجنوب دمشق، بعد أن توقف بفعل مسار اتفاقات خفض التصعيد.

في هذا السياق، قال تيم: “لا يمكن الجزم بأن ما يحدث هو ارتداد لاجتماع أستانا الأخير، وعودة اتفاق المدن الأربعة للحياة، وفي الوقت ذاته لا يمكن أن ننفي ذلك، فنهاية الطموحات الإيرانية واضحة في إحكام السيطرة على محيط دمشق”.

يرى تيم أن “من الصعب التسليم بأن ثمن أستانا كان تسليم الجنوب الدمشقي للإيرانيين، وإن كانت طهران المستفيد الأكبر. تفاصيل المفاوضات في أغلب المسارات غامضة والمعارضة لا تعلن عن حقيقة ما تم التوصل إليه، وأعتقد أن (اتفاق القدم) يعيد مرة أخرى إظهار مدى العجز على الصعيد الوطني، وفي كافة المستويات”.

الناشط عمار عيسى استبعد أن يكون ما تم في القدم “تعبيرًا عن عودة العمل باتفاق المدن الأربعة”، وأضاف لـ (جيرون): “لا توجد مؤشرات بأن المنطقة قيد التوصل إلى اتفاق شامل وبخاصة بوجود (داعش)، وهذا التوصيف أيضًا ينطبق على أستانا، بمعنى: ما زال مستبعدًا أن يكون ثمن التفاهمات التي حصلت في الجولة الأخيرة هو تبادلًا سكانيًا، كما روّجت بعض وسائل الإعلام”، معتبرًا أن “هناك تقاطعات مصلحية بين الدول الضامنة الثلاث، وهي آنية وتكتيكية”.

الأهم اليوم -بحسب عيسى- “هو هل تستطيع إيران، وهي تحت الضغط الأميركي أكثر من أي وقت مضى، أن تكون قادرة على اقتلاع 130 ألف إنسان من بيوتهم؟ وهل استسلم سكان الجنوب لهذا الطرح، ولم يبق لديهم أدوات لمواجهته؟ ما زال هناك الكثير في جعبة أهالي جنوب دمشق، وما التظاهرات التي شهدتها المنطقة مؤخرًا إلا دليل حقيقي على مدى الوعي السياسي لدى الجمهور العام، وهو ما سيشكل العائق الأكبر أمام مشاريع كهذي”.

بشأن الموقفين الروسي والإيراني، يرى عيسى أنه لا يمكن “فصل الموقف الروسي عن الإيراني، وإن ظهرت اختلافات في وجهات النظر، فكل منهم بحاجة إلى الآخر -حاليًا على الأقل- ولكل منهما وجهة نظر بتثبيت النظام، من خلال تبني الحل العسكري وسحق للمعارضة”، معقّبًا: “من هذا التوصيف؛ من غير المستبعد أنه حان الوقت لفرض شروط وزيادة الضغوطات على جنوب دمشق، بهدف تهجير الفصائل المسلحة، على غرار ما حصل في قدسيّا والهامة وبرزة البلد، وربما تكون البداية من القدم”.

أشار عيسى إلى أن الانتقادات في ما يخص أستانا “كثيرة”، وأوضح أن “مؤتمر أستانا الأخير هو التفاف على المؤتمرات الأممية والقرارات الدولية ذات الصلة، ولا أظنه استطاع أن يجترح مرجعية جديدة ذات وزن، بخاصة في ظل إدارة الظهر الأميركية له، أستانا الأخير بالتأكيد انتهى بنتائج تخدم مصالح الدول الراعية، وكان وجود المعارضة العسكرية صوريًا، وحصلت خلاله تركيا (ببراغماتيتها) على ما تريد، وهذا ما تؤكده المعطيات الميدانية، وإلا؛ فكيف نفهم  نيّات أنقرة بالدخول إلى إدلب، بعد استدارة تركيا نحو روسيا، منذ معارك شرق حلب والتقاربات الأخيرة مع إيران”.




المصدر
مهند شحادة