ترامب يصعد في ملف النووي الإيراني.. وراشد لـ (جيرون): الاتفاق مستمر



تتصاعد حدة القلق الدولي من احتمال أن تُسبب التجاذباتُ، حول الاتفاق النووي مع إيران -بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب- أزمةً جديدة في العالم، إلى جانب أزمة كوريا الشمالية، خصوصًا أن أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الثانية والسبعين التي انطلقت في 19 أيلول /سبتمبر الحالي، حفلت بالعديد من التصريحات المتبادلة، بشأن الاتفاق النووي الذي وقع في تموز 2015، بعد اجتماعات ماراثونية، بدأت في لوزان السويسرية ثم اختتمت في فيينا النمساوية، بين إيران والدول الست “الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا”.

في الوقت الذي قلل فيه المراقبون من أهمية هذه التصريحات، وعدّوها مجرد إثارة للغبار، لن تؤثر على الاتفاق الماضي في طريقه، حتى إن فُرضت بعض العقوبات على إيران، من قبل الكونغرس.

موقف أمريكي مُوحّد وطهران ترد

الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال، في كلمته أمام الأمم المتحدة، إنه توصل إلى قرار بخصوص الاتفاق النووي مع إيران، من دون الكشف عن التفاصيل، واصفًا الاتفاق بـ “الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية”.

من جهة ثانية، قال وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون: إن إيران غير ملتزمة بالتوقعات، وأضاف -في مؤتمر صحافي، عقده بعد انتهاء اجتماعٍ ضمّ إيران والدول الست- أن الرئيس ترامب كان “واضحًا بخصوص اعتراضه على عدة نقاط بالاتفاق، إذا نظرنا إلى توقعات الأطراف التي فاوضت على الاتفاق؛ فمن الواضح أن هذه الأطراف كانت تتوقع أن إبرام الاتفاق النووي سيؤدي إلى تفادي تهديدات خطيرة للمنطقة، وسيؤدي ذلك إلى استقرار وسلام أكبر فيها. لكن -مع الأسف- منذ توقيع الاتفاقية لم تشهد المنطقة سلامًا ولا استقرارًا، وهذا هو الأمر الأساس، ولذلك نقول: إن إيران لم تلتزم بالتوقعات”.

كما طالبت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي إيرانَ بالكف عن دعم الإرهاب وتهريب الأسلحة، موضحة أن خطاب الرئيس ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة “ليس مؤشرًا على نيته إلغاء الاتفاق النووي”، لكنه إشارة إلى أن ترامب “غير سعيد به”.

الرد الإيراني جاء سريعًا على لسان الرئيس حسن روحاني الذي قال: إن بلاده تحترم الاتفاق، مضيفًا “لم نخدع أحدًا، ولم نكن غير نزيهين في تطبيق الاتفاق. طهران سترد بحزم على أي انتهاك للاتفاق”. ورأى روحاني، خلال كلمته أمام الأمم المتحدة، أن الاتفاق “مدعوم دوليًا، ولا يمكن أن يعود القرار في شأنه لدولة أو اثنتين”، وأن المجموعة الدولية “رحبت به، واعتمدته كجزء من القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن”.

يقول الباحث سامح راشد خبير الشؤون العربية والإقليمية بمؤسسة (الأهرام): إن “تصريحات ترامب تعكس موقفه الفعلي وتقويمه للاتفاق، بمعنى أنه -فعليًا- يرفض هذا الاتفاق، ولو أنه كان الرئيس حينذاك؛ لما أبرم هذا الاتفاق الذي طالما وصفه بالسيئ”.

وأضاف راشد، في تصريحات لـ(جيرون) أن “موقف الرئيس الأميركي الشخصي غير قابل للتحقيق أو للترجمة على أرض الواقع، في السياسة الخارجية الأميركية؛ لأنها سياسة مؤسسية، ومن هنا لا أرى جديدًا في تصريحات ترامب الأخيرة، عما قاله قبل أشهر بالمعنى نفسه، وإن كانت تصريحاته الأخيرة أكثر حدة”.

لا يتوقع راشد أن “ينجح ترامب في تغيير الاتفاق، فضلًا عن الانسحاب منه. هذا خيار مستبعد، أما الأمر الآخر وهو أن ترامب نفسه كثيرًا ما يتراجع عن مواقف يتبناها، بعد تدخل أركان الإدارة أو مؤسسات أخرى مثل الكونغرس أو غيره”، وعقّب قائلًا: “ترامب ليس في وارد الانسحاب من الاتفاق أو تعديله، لكن هذا لا يمنع من استمرار الضغط على إيران، من خلال العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي ومحاولة حشد حلفاء إقليميين أو أوروبيين، لممارسة ضغوط مشابهة على إيران، هذا أقصى ما يستطيع أن يفعله ترامب في الاتفاق النووي. هذا الاتفاق ليس ثنائيًا بين إيران وواشنطن”.

يرجح راشد أن ترامب سيذهب إلى الكونغرس ليس فقط لتشديد العقوبات، ولكن لاستصدار قرار بتعديل الاتفاق، موضحًا أنه لن “ينجح في ذلك؛ لأن تركيبة الكونغرس الحالية لا تتفق مع توجهات ترامب الاندفاعية أو المتفرعة، وأقصى ما يمكن أن يصل إليه هو تجديد بعض العقوبات، ولن يعيد كل العقوبات المفروضة على طهران، وإلا؛ فسيمثل ذلك نكوصًا عن الاتفاق”.

موقف أوروبي أقل حدة

قالت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني: “نحن ملتزمون بأن الاتفاق النووي ساري المفعول، وناجح، ولا خروقات. وليس سرًا أننا نعيش في أوقات صعبة، الصراعات تحيط بنا، لدينا تهديد نووي قادم من جهة أخرى”، وذلك في إشارة إلى الأزمة النووية مع كوريا الشمالية.

وأكدت، خلال مؤتمر صحفي لها، على أن الاتفاق يلتزم به الجميع، لأنه ليس اتفاقًا ثنائيًا بل متعدد الأطراف، ولأنه قرار لمجلس الأمن، وقد تم تبنيه رسميًا، ولا يمكن لأي طرف الانسحاب منه.

في حين رأى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران لم يعد كافيًا، وذلك بالنظر إلى “التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”. وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحافي: “نحن بحاجة إلى اتفاق 2015. لكن هل هو كاف؟ كلا، وذلك إذا ما نظرنا إلى التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة”، مشيرًا إلى نشاط إيران المتزايد على صعيد الصواريخ البالستية.

في ذلك، يقول راشد: “ثمّة تباين واضح ومسافة ملحوظة، نشأت بين الموقفين: الأوروبي والأميركي، من النووي الإيراني”، ويشير إلى أن الوضع الآن على خلاف الوضع وقت المفاوضات، “حيث كانت إدارة أوباما أكثر تلهفًا لإبرام الاتفاق قياسًا بالجانب الأوروبي الذي كان أكثر موضوعية وتشددًا وأكثر رغبة في إبرام اتفاق متوازن ومنضبط، قياسًا بإدارة أوباما الذي كان يريد تحقيق إنجاز يُحسب له”.

ينهي راشد حديثه بالقول: إن “الاتفاق ماضٍ في طريقه ومستمر، وسيتم تنفيذه، لكن ربما بوتيرة أبطأ قليلًا، وبعض التصريحات التي تثير غبارًا وضبابية حوله لن تؤدي إلى إلغاء استمراره”.




المصدر
جيرون