في اليوم الدولي للسلام.. حاجة ملحة إلى معالجة جذور الأزمة



يختنق صوت اللاجئ السوري عامر السعدي، عندما يتطرق إلى وصف الإهانات التي تعرّض لها، في أثناء عبوره أراضي المجر في الطريق إلى ألمانيا. ففي كثير من الأحيان -كما يقول- كان يُعامل مع مرافقيه من قبل حرس الحدود، بأسلوب سيئ، لا يقبل الغرب أن يُمارس على القطط والكلاب: “خضعنا له في أكثر من مكان، وفي أكثر من مركز احتجاز”.

مع اشتعال الحرب التي بدأها الأسد، وتدفق موجة نزوح كبيرة إلى خارج الحدود؛ طالبت الأمم المتحدة أوروبا بضرورة تبني منهج أكثر كرمًا واتساقًا، في التعامل مع الباحثين عن الملاذ واللجوء، ونجحت ألمانيا في تفاعلها مع هذا النهج، لكن دولًا أخرى في الاتحاد الأوروبي فشلت، وكشفت الوقائع على أراضيها وقوع انتهاكات عديدة، لم تغلَق ملفاتها حتى الآن.

هذا العام، سيكون شعار (كفالة الاحترام والسلامة والكرامة للجميع) العنوانَ الأبرز لفاعليات اليوم الدولي للسلام الذي يصادف في 21 أيلول/ سبتمبر، تكريمًا لمبادرة (معًا) التي دشنتها قمة الأمم المتحدة للاجئين، في 19 أيلول/ سبتمبر العام الماضي، ضمن شراكة عالمية تهدف إلى دعم التنوع ومناهضة التمييز، وتعزيز تقبل المهاجرين واللاجئين، وتأمين احترام وسلامة جميع من أجبِروا على الفرار من منازلهم، طلبًا لحياة أفضل.

اختارت الأمم المتحدة أطفالَ لاجئين من مخيم الزعتري في الأردن، مع أفراد آخرين من دول العالم؛ لبث رسائل تترجم التوجه الآنف إلى المجتمعات المضيفة للاجئين، فضلًا عن المعنيين الذين يخشون أن يتسبب وجود هذه الفئة في بلادهم، بأضرار جسدية أو اقتصادية تمس حياتهم.

يقول الأمين العام للأمم المتحدة، في هذه المناسبة: إن التزامنا -المجتمعَ الدولي- هو ضمان حصول كل فرد ممن يُجبرون على الفرار من ديارهم، على الحماية التي يستحقها بموجب القانون الدولي، وعلى مدى الأيام المئة المقبلة، دعونا نتذكر أن الملايين من أفراد مجتمعنا الضعفاء الذين فقد كثير منهم كلّ شيء، يحتاجون إلى تفهّمنا ومساعدتنا.

لكن منظمات دولية معنية: (يونيسف، المنظمة الدولية للهجرة، وكالة الهجرة) تُقرّ بتعرض أكثر من نصف الأطفال والشباب، في أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط في الطريق إلى أوروبا، للإيذاء والاستغلال تحت بند الاتجار بالبشر. ويأتي 55 بالمئة من النازحين قسريًا حول العالم، من بلدان ثلاثة تتقدمها سورية، ثم تليها أفغانستان فجنوب السودان.

كشفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في آخر تحديث لبياناتها، أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين في قوائم المفوضية تجاوز 5 ملايين لاجئ. 48.5 بالمئة منهم نساء، بينما يشكل الذكور 51.5 بالمئة، فضلًا عن 7 ملايين آخرين غير مسجلين، يعيشون في بلدان مختلفة.

ترى المنظمة الدولية للهجرة من جانبها، أن عوامل قوية، كالعنف وعدم الاستقرار والفقر، تُجبر الملايين على مغادرة بلادهم، في رحلات محفوفة بالمخاطر، تفتقر إلى مسارات آمنة، وممرات محمية، مع أنهم يدركون سلفًا أن طريق الوصول إلى الملاذات الآمنة، قد يضطرهم إلى التخلي عن جوانب من كرامتهم، ورفاههم، وأحيانًا التضحية بأرواحهم.

واجه السوريون، في أثناء عبورهم حدود الدول، متاعب كهذه ترافقت مع إخفاقات متواصلة، بعدما وجدوا أنفسهم في بلدان اللجوء داخل مستوطنات مكتظة وغير منظمة، لا تتوفر فيها أدنى درجات الخصوصية والسلامة، علاوة على تعرضهم للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاحتجاز أو الإقامة الجبرية لأمد غير محدد، في ظروف غالبًا ما تكون مزرية، لا تقتصر على حرمانهم من الحرية فحسب، بل قد تعرض حقوقهم الإنسانية نفسها للإساءة، من خلال قواعد صارمة ورقابة مشددة، تقودان إلى اليأس والإحباط.

الآن، يُنظر إلى اللاجئين السوريين على أنَّهم موارد كامنة، تفيد النمو المحلي للدول المضيفة، وليس -كما درجت العادة دائمًا- على أنَّهم عبء. وتدعم الأمم المتحدة هذه النظرة من خلال استراتيجية، تتألف من ثلاث نقاط، تهدف إلى: مساعدة اللاجئين، ومعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات التي دفعت بهم إلى مغادرة بيوتهم وأوطانهم، والمضي قدمًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لنشر السلام والازدهار وتأمين الحماية للجميع.

إلا أن التزام المجتمع الدولي بهذه الاستراتيجية ما زال يقتصر على هدفين، دون التركيز على معالجة مسببات الأزمة وتفاقمها. إذ إن التأثير على المسببات الرئيسية، مثل المجازر وعمليات الإبادة، أو الاضطهاد السياسي، أو تدابير الحكم الشمولي المطلق، عبر التوجه الإنمائي والإنساني بمفردهما، لا يمكن إلا أن يكون هامشيًا.

وسيكون من الصعب إيصال جوهر رسالة اليوم الدولي للسلام، إذا ما اقتصر توجه العالم، على أنشطة إجرائية، كالترحيب باللاجئين والمهاجرين، ومد يد الصداقة إليهم، أو إنشاء المزيد من مسارات الهجرة المنتظمة، وتنشيط النهج القائم على الحقوق، أو توسيع التعاون الإنمائي، مع ما تتمتع به جميعًا من أهمية بالغة.

على الرغم من وضوح الحاجة إلى استمرار المساعدات الإنسانية، وحشد وسائل التنفيذ، بما في ذلك الموارد المالية، وتطوير التكنولوجيا ونقلها، وبناء القدرات والشراكات، إلا أنه لا بدّ للسياسات والتدخلات من أن تستوعب التغيرات التي أشعلت الشرارة الأولى للأزمة، ولا يمكن وقف تفاقم حالة اللجوء والتهجير، في ظل غياب تصور عادل لحل جذور المشكلة من الأساس، وإحراز تقدم على صعيد الانتقال السلمي للسلطة، وتنفيذ العدالة الانتقالية.

إذا ما أراد المجتمع الدولي تعزيزَ قيم الأمن والسلام؛ فعليه ألا يتراخى في توفير سياقات أخرى من التدخل، للمساعدة في إيجاد حلول مؤثرة وفعالة، عبر رؤية يتجاوز فيها صانعو السياسات والمخططون وغيرهم من الفاعلين النظرَ إلى الأزمة في سورية على أنها قضية مجموعات إرهابية، بقدر ما هي صراع إرادات، بين شعب يبحث عن حريته وكرامته وبين نظام ديكتاتوري مستبد، يقود البلاد بعقلية مالك المزرعة.




المصدر
علاء كيلاني