دراسة لـ (حرمون).. الزراعة: سلّة الغذاء السورية من التراجع إلى الكارثة



فصّلت دراسة اقتصادية مُختصّة أصدرها مركز (حرمون للدراسات المعاصرة)، في 16 أيلول/ سبتمبر الحالي، بعنوان (الزراعة: سلّة الغذاء السورية من التراجع إلى الكارثة) واقعَ القطاع الزراعي والثروة الحيوانية في سورية، والخرابَ الكبير الذي أصابهما، بفعل الحرب، وأفضى إلى انعدام الأمن الغذائي لمعظم السوريين.

بدأت الدراسة بتحليل وتوصيف لواقع قطاعَي الزراعة والثروة الحيوانية، قبل العام 2011، مرورًا بتراجعهما تدريجيًا خلال عامي 2011- 2012، وصولًا إلى ما أسماه الباحث وجيه حداد “الكارثة” التي أدت إلى تدهور الزراعة وتربية الحيوانات، على نحو غير مسبوق، وأثر ذلك على الواقع المعيشي “وفقًا للاستقصاء الذي أجرته جامعة طوكيو بالتعاون مع مركز الرأي السوري عام 2017، فإن نسبة من المجتمع السوري، تصل إلى 74.5 في المئة، أصبح دخلها أقل من 1.9 دولار يوميًا للشخص، أي ما دون خط الفقر العالمي”.

بحسب الدراسة، فإن القطاع الزراعي في سورية كان مُهملًا قبل الثورة إلى درجة كبيرة، وكان آيلًا إلى الانحدار، لإهماله المُتعمّد من قبل نظام الأسد، “بدلالة المؤشرات الزراعية السورية قبل 2011، يمكن تلمّس كثير من الحقائق التي توضح أن الواقع الزراعي السوري بما هو عليه سابقًا، كان يسير نحو الانحدار، فاليد العاملة الزراعية تقلصت تقلصًا كبيرًا، والمساحات المزروعة لم تتغير، والأهم هو الانخفاض الكبير في كمية المحصولات للمساحات المزروعة نفسها، ويظهر هذا جليًا في مؤشرات عامي 2006 و2010، وحُمّل الجفاف المسؤولية الكاملة، وفي الحقيقة أن الجفاف لا يتحمل سوى جزء يسير، فيما القسط الأكبر يعود إلى السياسات الناظمة التي همّشت هذه المهنة، وعقّدت تدابيرها”.

كذلك الأمر بالنسبة إلى القطاع الحيواني الذي واجه قبل العام 2011، بحسب الدراسة، المشكلاتِ عينها “عمومًا، باستثناء التصريف الأسهل للحيوانات ومنتجاتها محليًا، لا تختلف مشكلات الثروة الحيوانية في سورية عن قطاع الزراعة، في ما يخص الأعلاف واللقاحات والأدوية البيطرية من نقص وارتفاع أسعار، إضافة إلى الجفاف وسياسات التصدير المعوّقة؛ ما يحد من المنتوج الفائض كثيرًا”.

تطرّقت الدراسة إلى الانهيار الكارثي للزراعة، بفعل اتساع رقعة الحرب، فقد “تراجع إنتاج القمح من 4 مليون طن إلى 2.4 مليون طن (بحسب تقديرات الفاو 2013)، ولم تثنِ التحذيرات والمناشدات كلها خطرَ استمرار الحرب بعنف وضراوة أكبر؛ فتحولت سورية من دولة مُصدرة للقمح إلى مستوردة، حيث استمر تراجع إنتاج القمح، ولم تتجاوز المساحة المزروعة بالقمح 900 ألف هكتار، مقارنة مع 1.5 مليون هكتار قبل الحرب. وسجل الإنتاج انخفاضًا حادًا، إذ هبط من 3.4 مليون طن قبل الحرب إلى 1.5 مليون طن في موسم الحصاد (2015- 2016). أما إنتاج القطن فقد تراجع إلى الربع تقريبًا (169 ألف طن عام 2013)، واستمر يتراجع بشدة إلى درجة أن ما استلمته المؤسسة العامة للأقطان لم يتجاوز، في موسم 2016، خمسة آلاف طن من أصل المخطط له الذي يصل إلى 400 ألف طن، فيما كان الإنتاج يصل إلى نحو 700 ألف طن قبل 2011، أما الشوندر السكري فقد تراجع إلى (316) ألف طن. في موسم 2013، وقد استمر في التراجع إلى نحو 20 ألف طن من الشوندر السكري في العام 2015، استلمها معمل سكر (سلحب)، بينما كان الإنتاج في العام 2010 يقدر 1493 طن”.

استعانت الدراسة بالتقرير الصحافي المشترك لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي الصادر في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 الذي حذر من تبعات استمرار تراجع الزراعة: “بعد خمس سنوات من النزاع في سورية، فقد كثير من المزارعين القدرة على تحمل الوضع، ثم إن ارتفاع الأسعار وندرة المدخلات الرئيسة مثل الأسمدة والحبوب يعني أنه لن يكون أمام المزارعين أي خيار سوى التخلي عن إنتاج الغذاء، إذا لم يحصلوا على الدعم العاجل. ويرجح أن يكون لذلك تبعات خطرة، ليس فقط على الأمن الغذائي للأسر الزراعية، ولكن كذلك على توفر الأغذية في البلاد، وقد يؤدي في النهاية إلى مزيد من عمليات النزوح”.

كما تطرقت الدراسة إلى خسائر القطاع الحيواني، خلال الحرب “لم تسمح الأوضاع العنفية والأمنية والاقتصادية باستمرار المحافظة على حياة الماشية، سواء من جهة تأمين مستلزمات بقائها حية، أو حتى ضمان المحافظة عليها كرأسمال ثابت، وهذا ما دفع القطاع الحيواني إلى مزيد من التآكل والاضمحلال، بحسب تقرير (الفاو) الذي صدر في 2016. ونتيجة لذلك؛ فإن سورية تشهد تقلصًا في أعداد قطعان الماشية بشكل كبير جدًا، منذ بداية الأزمة، بعد أن كانت تصدّر الماشية. واليوم انخفضت أعداد الماشية بنسبة 30 في المئة، والأغنام والماعز بنسبة 40 في المئة، وسجلت أعداد الدواجن انخفاضًا شديدًا، وصلت نسبته إلى 60 في المئة، بعد أن كان مصدر البروتين الحيواني الأقل سعرًا في البلاد”.

رأت الدراسة ضرورة إيلاء هذين القطاعين مزيدًا من الاهتمام مع انخفاض حدة المعارك، من خلال التركيز على الحاجات الأساس للنهوض بهما. وخلُصت إلى جملة توصيات تتعلق بتشجيع العمل الزراعي (النباتي والحيواني) ومساعدة الفئات المستهدفة: الفلاحين أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، والشباب العاطلين عن العمل في الريف، والأسر الفقيرة والأسر التي فقدت معيلها، في الوصول إلى مصادر التمويل الممكنة في كل منطقة، بما فيها توجيه جزء من العمل الخيري، ليكون مصدر تمويل ممكن، للعودة إلى العمل الزراعي أو المشروعات المرتبطة به، وإلى محاولة خلق أشكال تعاون حقيقية بين مجموعات تتقاطع مصالحها، ومحاولة تطوير هذه الأشكال المستقلة بما يؤمّن سبل العيش أساسًا، ومحاولة الارتقاء بالمجتمع المدني من جهة أخرى. آ. ع.

رابط الدراسة: https://harmoon.org/archives/6748




المصدر
جيرون