في خدمة الديكتاتور



في سورية، ربّما أكثر من غيرها من دول الشرق الأوسط، عبَث الحكم الشمولي الديكتاتوري بالشعب، وبذل جهدَه لتجهيله، وتخريب مفاهيمه وعقوله، وتدمير مبادئه، ونجح بنسب كبيرة، نتيجة الأدوات القمعية والعنفية والاستخباراتية التي استخدمها، ونتيجة تسخيره قدرات الدولة لتحقيق هذا التجهيل وترسيخ هذا الفساد.

تفاوتت قدرات البشر على المقاومة والوقوف في وجه مصيرها، بعضهم استسلم وانحنى للتجهيل، وبعضهم صمد وثار ضدّه، وشرع ينثر بذور الثورة والحرّية، وللأسف؛ صار البعض الأول عدوًا غير مباشر للبعض الآخر، وغدا أداةً طيّعة في يد الديكتاتور، بعد أن غُسلت أدمغتهم، وصاروا يُدافعون عنه، بلا منطق ولا عقل ولا إرادة، ويُحاربون لأجله، ظانّين أنه سيحقق لهم أهدافهم وأحلامهم، وأنه المخلّص الذي سيوصلهم إلى حياتهم ودولتهم التي يشتهون.

في هذا المعنى، يعتقد أنصار الأسد أنهم يَقتلون ويُدمّرون من أجل دولتهم، دولة “حضن الوطن”، و”البوط العسكري”، ودولة “العَلم ذي العيون الخضراء”؛ لكنهم -في واقع الأمر- يقومون بكل ذلك، من أجل فرد، ودولة ذلك الفرد، دولة الأسد ونظامه، الذي وافق أن تُدمّر البلد إن لم يرثها ابنه.

يعتقد المتطرفون الإسلاميون أنهم يَقتلون ويُدمّرون من أجل دولتهم، دولة “الخلافة”، ودولة “الرسول والصحابة”؛ لكنهم -في واقع الأمر- يقومون بكل ذلك من أجل فرد، ودولة الفرد، دولة البغدادي، الذي لا يعرف أحدٌ أصله وفصله، ولا إن كان مُسلمًا بالأساس.

كذلك يعتقد المتشددون، الأقل تطرفًا، أنهم يَقتلون ويُدمّرون من أجل دولتهم، دولة “الإسلام مصدر التشريع الوحيد”، و”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”؛ لكنهم -في واقع الأمر- يقومون بكل ذلك من أجل فرد، ودولة الفرد، دولة الجولاني، الذي يُخطط لدولته في أقبية النظام.

يعتقد الأكراد أنهم يَقتلون ويُدمّرون من أجل دولتهم، دولة “كردستان الكبرى”، ودولة “الحق التاريخي”؛ لكنهم -في واقع الأمر- يقومون بكل ذلك، من أجل فرد، ودولة الفرد، دولة أوجلان، الزعيم الأوحد، الذي اعتقد يومًا أن السلاح وحده يؤسس للأوطان.

يعتقد المرتزقة الطائفيون، من لبنان والعراق، من أنصار إيران، أنهم يَقتلون ويُدمّرون من أجل دولتهم، دولة “الحسن والحسين”، لكنهم -في واقع الأمر- يقومون بكل ذلك من أجل فرد، ودولة الفرد، دولة الخامنئي، “ممثل الله على الأرض”، “سيّد الأسياد المُقدّس”، اللص صاحب خُمس أموال البشر، الذي لا يموت ولا يفنى.

الكل يُحارب ويقتل من أجل فرد، من أجل ديكتاتور وديكتاتورية، ومن أجل فكرة يصعب تطبيقها في هذا الزمن الصعب، وتتعارض بالأساس مع الإنسانية المفترضة، والكل يهرب من ديكتاتور؛ ليسقط بيد ديكتاتور آخر يستخدمه.

مِن الأجدر بهؤلاء، أن ينسفوا فكرةَ الصنم، وفكرة القائد الواحد الأوحد، والزعيم الإله، الرئيس الذي يرث الحكم ويورّثه، وأن يقبلوا برضى تام بالديمقراطية وتداول السلطة، والاستفتاء وصناديق الاقتراع، والاندماج بالآخر والتكامل معه، واحترام القيم التي تبني الدول والأوطان، واحترام قيم الإنسانية، وما لم تحدث “شبه معجزة” تؤدي إلى ذلك؛ فسيستمر الجميع بالانحدار نحو غدٍ، لا يُرضي صديقًا ويسرّ كل عدو.




المصدر
باسل العودات