استراتيجية الغرب الجديدة ترتكز على «إبقاء الأسد في البَردْ»



المواقف الدولية التي تبلورت في الأمم المتحدة حول الأزمة السورية أظهرت تعديلاً بسيطاً في موقف العواصم الغربية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، وإنْ كان التعديل لا يرقى إلى الانفتاح عليه في حال بقائه في الحكم في فترة ما بعد التسوية الانتقالية.
ومع تلاشي الدور القيادي الأميركي، واقتصاره على الاشراف على تدمير تنظيم «داعش» في شرق سورية وغرب العراق، تقدمت فرنسا لتقود الكتلة الغربية في الموقف نحو سورية، وفي التعاطي مع روسيا في هذا الموضوع.
وبدا أن الرئيس إيمانويل ماكرون ينتهج سياسة تناقض سياسة سلفه فرانسوا هولاند، لا سيما لجهة تساهله في موضوع التعاطي مع الأسد في الفترة الانتقالية، مقابل تصلب هولاند وتطرفه. وكان هولاند من الزعماء الغربيين القلائل ممن حرّكوا قواتهم العسكرية للمشاركة الى جانب الاميركيين في توجيه ضربة الى قوات الأسد، على اثر وقوع هجوم الغوطة الكيماوي في صيف 2013. وأدى تراجع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى انزعاج كبير لدى الفرنسيين، وإلى زيادة في تصلبهم ضد الأسد، ودعوتهم لخروجه حتى قبل بدء العملية الانتقالية المزمعة.
في الجلسات التي انعقدت لمناقشة الوضع السوري، على هامش الأعمال السنوية للجمعية العامية في الأمم المتحدة، يبدو أن ماكرون تراجع عن شرط فرنسا خروج الأسد قبل التسوية، إذ انتهج ما وصفه ديبلوماسيوه بـ «الالتزام بالقوانين الدولية والمنطق بشكل عام».
وتعتقد حكومة فرنسا الجديدة انه «لا يجوز وضع شروط على المفاوضات، بل ممكن وضع الشروط داخل هذه المفاوضات»، أي أنه لا يمكن للمعارضين السوريين اشتراط خروج الأسد، كما لا يمكن للأسد اشتراط من هي الجهات المعارضة التي يتفاوض معها. في هذه المقاربة الغربية الجديدة، التي يقودها الفرنسيون، يبدو موقف ماكرون متراجعاً عن الموقف الغربي السابق المطالب برحيل الأسد قبل المفاوضات، وهو ما رفضه الروس مراراً.
على أن ما تحققه المقاربة الفرنسية تجاه المفاوضات السورية يتجلى بسحب أي حجج يمكن أن يقدمها الأسد أو الروس للاشتراط على من يمكن للمعارضين الحضور. وتقول جهات شاركت في محادثات نيويورك السورية ان «محور الأسد عمل، على مدى السنوات الماضية، على إقامة جبهات معارضة قريبة منه، وحاول إشراكها بدلاً من المعارضة الحقيقية»، وان «هذا الالتفاف لن يعود ممكناً في المفاوضات المقبلة».
ويتابع المشاركون في الحلقات السورية ان «الأسد كان مشاركاً أصلاً في المحادثات الماضية»، وانه «لا يمكن تسلم الحكم من الأسد من دون أن يكون الأسد مشاركا في عملية تسليم الحكم وانتقاله».
لكن الأسد قد يتخذ من المفاوضات ذريعة لتطبيع مشاركته في الحياة السورية في مرحلة ما بعد الصراع، وتكريس سيطرة حلفائه على الأرض السورية كأمر واقع لا يمكن للمعارضين تغييره أو تقديم أي مطالب تفرض خروجه من الحكم، وهو ما يعتقد الفرنسيون أنهم تحسبوا له بقولهم إن العواصم الغربية تمسك بورقة إعادة الاعمار في سورية، وان بقاء الأسد سيعني حكماً إحجام المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدولي عن تمويل أي مشاريع إعادة إعمار، مع بقاء الحصار الغربي.
ومن غير الواضح كيف يمكن للتلويح بحجب الإعمار لإقناع الأسد بالتخلي عن الحكم، إذ يمكن للرئيس السوري البقاء في الحكم على أنقاض مدنه، ومحاولة القيام بإعادة الاعمار عن طريق حلفائه روسيا وايران، خصوصاً عن طريق الصين، التي يندر أن تلتزم بالعقوبات الدولية، خصوصاً أن العقوبات المفروضة على الأسد حالياً هي بمعظمها غربية وليست أممية.
ختاماً، يعتقد الاسرائيليون ان مصلحتهم تقضي بقاء الأسد، على شرط تخلصه تماماً من الميليشيات الموالية لايران وإخراجها من البلاد. لكن خطوة من هذا النوع قد تؤدي لانهيار الأسد أمام معارضيه، إذ ذاك تصبح التسوية مع المعارضين شرطاً لعدم انهيار الأسد، وهو ما يعني أن الاسرائيليـــــين يؤيـــدون التوصل الى تسوية، لكنها تسوية يريدونها مترافقة مع بقاء الرئيس السوري في الحكم، وهو ما لن يوافق عليه المعارضون السوريون، ولا العواصم الغربية، التي تقودها باريس، وتصر على «إبقاء الأسد ونظامه في البرد» والعزلة الدولية ما لم يخرج هو شخصياً من الحكم.
الأفكار كثيرة، لكن أصحاب الأفكار لا يمسكون بالارض، فيما من يمسك بالأرض يتمسك بأفكار مغايرة، وهو ما يزيد من التعقيد في ملف الأزمة السورية، المعقد أصلاً، عسكرياً كما ديبلوماسياً.




المصدر
الرأي