‘«الدخان الأبيض» … رموز بصرية محورها «المؤامرة»’
24 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
يعتمد الفنان المصري أحمد صبري على عدد كبير من العناصر والمفردات البصرية التي يحصل عليها عبر وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت. أعماله تحمل مزيجاً من الصور والكتابات والرسوم، وتعتمد إلى حد كبير على المفارقة التي يرسخها التناقض أو التنافر بين العناصر الموجودة في فضاء بصري واحد. هو يدرك جيداً مدى ما تتمتع به الصورة من قوة حين تصاغ ضمن أطر معينة، ومن بينها تلك الصور التي تبث بلا توقف عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
صارت الصورة جزءاً من الذاكرة البصرية لنا وعاملاً في تشكيل وعينا، غير أن هذه الصورة قد تزيف الحقيقة، وتختلق واقعاً، أو تؤسس لرؤية جديدة، أو قد تتوقّع أيضاً، وفق رؤية بعضهم، مؤامرة خفية تحاك ضدنا. في معرضه المقام حالياً في قاعة «مـــشربية» في القاهرة تحت عنوان «الدخان الأبيض»، يتأمل صبري في حال المؤامرة التي توحي بها الصورة لبعضهم. يمكنك بسهولة، إذا تلبّـــستك روح المؤامرة تلك، أن تفكك «شيفرة» الصورة، أن تحل هذه الرسالة الكامنة خلف هيئتها العادية، كي تتوصل في النهاية إلى تلك المؤامرة التي تحاك ضدك أو ضد الوطن.
قد تكون الرسالة على هيئة صورة وحيدة أو مفردة غريبة الهيئة، وقد تتوزع ألغازها على مجموعة من الصور والعناصر. عليك أن تتولى جمع كل تلك الرسائل الخفية، والأمر لا يتطلب سوى حس مرهف ومتمرس على استشعار الخطر، وإلى أفراد يؤمنون بنظرية المؤامرة. فإذا كنت واحداً من هؤلاء فستتغير قراءتك بلا شك لمعرض أحمد صبري. قد تتوصل إلى جزء من الرسالة في صورة لعبة على هيئة دب صغير، أو صورة لخريطة…
صفحة على موقع «فايسبوك» لفتت صبري إلى ذلك النمط من التفكير، فصاحب الصفحة يتبنى منذ سنوات فكرة المؤامرة التي تحاك ضد مصر، ويرى ملامحها في الكثير من الشواهد والدلائل. هو يتوقع الكوارث قبل حدوثها، و «يرى» الأحداث المفجعة ويحذّر منها. لا يحدث شيء مما يتوقعه في حقيقة الأمر، لكنه لا يكف عن التحذير وعن الإتيان بالجديد واللافت.
تجمع هذه الصفحة الصور والمنشورات على «فايسبوك» من مصادر مختلفة: حسابات شخصية أو صفحات أو مواقع، وتعيد تجميعها في شكل أشبه بـ «الكولاج» ثم تحلل المنشورات لتجد أنها شيفرات تهدف إلى افتعال المؤامرات. هذه المنشورات الغنية بالمادة البصرية والمفاهيمية استفاد صبري منها لإنجاز أعماله الأخيرة التي تفترض إرسال شيفرات تنتظر بدورها مَن يحاول تفكيكها.
يؤمن صاحب الصفحة مثلاً بأن هناك عملية كبيرة لتغيير المناخ تتم بواسطة طائرات تبث زخات من الغازات على هيئة «دخان أبيض»، ومن هنا استقى الفنان عنوان معرضه. هناك كثر يفكرون بهذه الطريقة، غير أن صاحب الصفحة تميز بحضور لافت للصورة في منشوراته. تعامل صبري مع هذه الصور بجدية، والتفت إلى تلك القدرة على الاختلاق والجمع بين المتناقضات من أجل بناء نسق متماسك يدعم وجهة نظر معينة. جمع الفنان صوراً وجمع بين مفردات وعناصر متناقضة، ووضعنا في مواجهتها. قد تحمل الصورة هنا الكثير من القراءات المحتملة التي يمكنك أن تنظر إليها من زاوية محددة وفق قيمتها البصرية ودلالتها الزمانية والمكانية كغيرها من الصور، كما يمكنك أن تترك لخيالك العنان فتسبغ عليها قوة خرافية، وتتعامل معها كمحتوى بصري يخفي رسالة شريرة تحمل الدمار والخراب.
تخرَّج صبري عام 2004 في كلية التربية الفنية وتتنوّع أعماله بين الرسم والتصوير والفيديو والرسوم المتحركة، وشارك في الكثير من المعارض الدولية وله معارض فردية، منها «قصة الكركدن» و «حقيقة مقتل مهنَّد» و «تلفزيون البرنس» و «الماسورة الأم». ومنذ عام 2008 اتخذ صبري الميديا والصورة الرقمية مصدراً بصرياً ومفاهيمياً لمشروعه الفني والممتد حتى الآن، واستفاد من البناء البصري للصورة التلفزيونية والرقمية وما تقدمه من تكوينات شكلية معاصرة تفرضها طبيعتها الوظيفية كمشاهد الأفلام أو الأخبار أو الإعلانات وغيرها، ومن العلاقة الناتجة عن الصورة والنص ومن محتويين معرفي وثقافي يعكس فلسفة الإعلام المحترف كالتلفزيون أو ما يقدمه الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مشاركات تحمل محتوى ثقافياً وبصرياً يثير الاهتمام.
[sociallocker] [/sociallocker]