الهانئون بِعدم اكتراثهم
24 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
[ad_1]
ينتشر الظلُّ البائسُ لواقعنا العربي -بعامّة- على واقعَنا الثقافي، لا تأثيرًا برفعته الإبداعية، بل -بالتحديد- في ما يتعلَّق بضيق ذيوعه وضعف شهرة أصحابه، وانتشار أعمالهم بين أوساط عامَّة قرّاء دول الغرب.
فالحال العربية، السياسية والاقتصادية المترديّة -منذ سنوات كثيرة- تنيخ ببؤسها البالغ، وبموقعها ودورها الهامشيين عالميًّا، على منجز الإبداع العربي، فتؤثّر سلبًا على انتشاره، وعلى نيله ما يستحق -ما يستحقّ فحسب- من الاهتمام والمكانة والحضور على الصعيد العالمي.
وعلى الرغم من أن أعمالًا أدبية عربية، تُرجمت إلى أكثر من لغة أجنبية، وصدرت عن دُور نشر، لها وزنها في بلدان أوروبا، وتمَّت دعوة العديد من الكتّاب العرب لإقامة أمسيات وندوات في بلدان مختلفة؛ إلاّ أن إبداعاتهم ظلّت داخل دوائر محدودة جدًا، ونخبوية جدًا، يكاد القارئ العام في دول الغرب لا يعرف منهم سوى اثنين أو ثلاثة، على أعلى تقدير.
هل من كاتب عربي -كاتب واحد فقط- ملأ اسمه الحياة الثقافية الغربية، وشغلت أعماله قرّاءها، كما ملأت حياتنا الثقافية، وشغلت قُرَّاءنا، أسماءُ وأعمال أراغون ونيرودا وتشيخوف وهمنغواي وماركيز وميلان كونديرا وغونتر غراس وفرناندو بيسوا وجوزيه ساراماغو… واللائحة تطول وتطول؟ وهل أعيدت في البلدان الأجنبيّة طباعة أعمال كاتب عربيّ مرّات، ووُزّعتْ بأعداد ضخمة، وصار اسمه “بيضة قبَّان” ومقياسًا لتبيُّن مدى اتساع وعمق ثقافة قارئهم، على غرار “وحدة القياس” المعمول بها لدينا للتفحُّص والتمييز بين مَنْ قرأ -أو تجرأ مغامرًا فلم يقرأ- أعمالَ السابق ذكرهم؟
النظرة الغربية العامة إلى الوضع العربي لا تستثني من شمولها المثقَّفين العرب، ولا نتاجهم الأدبي والفنيّ والفكري. كلّنا عند الغرب عربٌ، وما يسري على كيفيّة تعامل دول الغرب مع الوضع العربي، على أصعدته المختلفة، يسري على الصعيد الثقافيّ أيضًا. لا فرق بين عربي وعربي -في محتوى النظرة الغربية- حتى في حقل الإبداع.
وقد عاين أكثر من كاتب عربي حالَ التردّي والفوقيّة، أو التراخي -بأحسن الأحوال- في شكل التعامل والاهتمام والإصغاء والتفاعل بين عموم القرّاء ومتابعي الشأن الثقافي في الغرب، مع المنتوج الثقافي العربي وأصحابه (بالطبع، سوى الأعمال المُفصَّلة على مقاس الهوى والمزاج والرغبات الغربيّة)؛ وفي المقابل، يمكن أن نلحظ بوضوح كيف يحظى لدينا العديد من كُتَّاب أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو اليابان أو روسيا، باهتمام كبير ومعرفة واسعة بأعمالهم الأدبيّة والفنيّة، في أوساط القرّاء العرب ومتابعي الشأن الثقافي في غير دولة عربية.
لا أذهب نحو إقرار الأفضليّة والامتياز لصالح القارئ العربي، بل أفكّر بالعلَّة فقط، علَّة التباين والتعاكس بين النظرتين تعاملًا واهتمامًا ومعرفةً، والتي تعود إلى واقع نظرة الإعجاب والتهيّب والانبهار العربي بالغرب عامّة؛ وواقع النظرة المعاكسة لذلك من الغرب نحونا. فإذا كنَّا كلّنا -كتّابًا وغير كتَّاب- لدى الغرب، عربًا مُتخلّفين في مختلف الأحوال؛ فإنَّ الغربيين كلّهم -كتَّابًا وغير كتَّاب- لدينا، هم غربٌ مُتقدّمون في مختلف الأحوال أيضًا.
وإذ لا أقطع في ما ذهبتُ إليه للتوّ، فإنني لأجزم بأنْ ليس أهنأ بالًا، ولا أكثر ارتياحًا، ولا أدوم استمتاعًا من مجموعة كتَّاب وفنَّانين ومفكّرين عرب، إذ يعكفون على أعمالهم وينشغلون بها، ويتحاورون معها، ويفرشون على أوراقها أو أقمشتها أو أوتارها، ما يعتمل في دواخلهم وفي عقولهم وفي مخيّلتهم؛ فإنما يقومون بما يُشبه التعبُّد، أو التواصل في الحبّ، أو أحوال الفيض، غير عابئين سوى بأفكارهم ومشاعرهم وأرواحهم، سواء عندهم في ذلك أرحَّبَت “الأسواق” -على اختلاف جغرافياتها وجنسيّاتها- بأعمالهم واهتمَّت بها، أم هي انصرفتْ عنها، وعنهم.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]إبراهيم صموئيل