تقارير إسرائيلية: الإمارات تتاجر بآثار سورية نهبها “داعش”



تؤكد الهيئات المختصة بوكالة الأمم المتحدة أنّ سورية اليوم، كما العراق في العام 2003، تشهد أكبر نسبة سرقة آثار أصيلة، فضلًا عن عمليات التنقيب غير المشروع التي ما زالت ترتفع وتيرتها باضطراد، بخاصة في “تلك المناطق التي لا تشهد سيطرة رسمية للحكومة السورية”، حيث إنّ عمليات السرقة شملت المناطق الأثرية والمتاحف في آن معًا. وقد أظهر تقرير صدر مؤخرًا عن مصلحة الجمارك الأميركية، أرقامًا صادمة عن الواردات من مقتنيات الآثار السورية، فقد ارتفعت بنسبة 145 بالمئة، بينما المقتنيات العراقية زادت بنسبة 61 بالمئة، وذلك بين عامي 2011 و2013، حيث لجأ تنظيم (داعش) إلى بيع القطع الأثرية، لكونها مصدرًا للتمويل وتغذية الخزينة، وقُدرت أرباح التنظيم الإرهابي بنحو 200 مليون دولار في السنة، لكن الصدمة الأكبر كانت الكشف عن تورط دولة الإمارات العربية إلى جانب “إسرائيل”، في تهريب وبيع هذه الآثار المنهوبة، بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية، نشرت مؤخرًا. وهو ما كشفت عنه أيضًا في فترة سابقة، قضية تورط سلسلة متاجِر (هوبي لوبي) الأميركية في عملية شراء آثار منهوبة من العراق ومنطقة الشرق الأوسط، مؤكدة أن هذه الآثار مهرّبة عبر الإمارات، بموجب مستندات شحن مزورة، تشير إلى أن الشحنات تحتوي على ألواح من سيراميك الأرضيات، وأن بلاد المنشأ هي تركيا و”إسرائيل”، وقد أثارت هذه القضية شبهات حول علاقة الإمارات ودورها، في ما يتردد من غسيل أموال التنظيم الإرهابي.

وفقًا للتقارير العبرية التي تنشر بين الحين والآخر، فإنّ “(إسرائيل) صارت مؤخرًا مركزًا للتجارة الدولية غير القانونية بالآثار المسروقة، بفعل القوانين الإسرائيلية المتساهلة نسبيًا، في إقرار عمليات شراء قطع أثرية وبيعها، في الداخل والخارج”.

عمليات سرقة ممنهجة للآثار السورية..

اكتُشف في سورية أكثر من 4500 موقع أثري، حتى نهاية القرن الماضي، على الأرض السورية التي احتضنت أقدم حضارات العالم، ومن أشهر معالم سورية التي أدرجتها المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، على قائمة التراث المادي العالمي، نذكر: دمشق القديمة، والمسجد الأموي في حلب، وقلعة الفرسان وصلاح الدين في حمص، ومدينة تدمر الأثرية، وبصرى القديمة جنوب البلاد، وقرى ريف حلب الشمالي، مار مارون تحديدًا.

منذ اشتعال الأزمة السورية وبداية الحرب التي شنها نظام الأسد ضد الثورة الشعبية المطالبة برحيله، قبل أكثر من ستّ سنوات، امتدت المعارك لتسكن معظم الجغرافية السورية الممزقة، بين مدن وأرياف، حتى إنّ المناطق الأثرية شهدت معارك، لا تقل شدة عن تلك التي شهدتها جبهات أخرى، وبرز إلى الواجهة الحديث عن مناطق بعينها، أهمها بصرى الشام، ومدينة تدمر، وقلعة الحصن الشهيرة، ومدينة حلب القديمة، وهذه كلها مناطق ومدن كانت هدفًا للنظام وتنظيم (داعش)، خلال الأعوام الستة الماضية، وقد جعلت المعارك من آثار تلك المدن عرضةً للفتك المباشر، فضلًا عن عمليات السرقة الممنهجة للآثار السورية هناك، وهو ما تحدثت عنه الأمم المتحدة وحذرت منه، معيدةً عمليات السطو إلى تنظيم (داعش) الإرهابي بالدرجة الأولى.

بحسب تقارير إخبارية، نشرتها الصحافة الإسرائيلية مؤخرًا، فإن مشاهد قيام عناصر من (داعش) بتحطيم تماثيل أثرية أو (أصنام) كما يسميها التنظيم الإرهابي، كانت مجرد مقاطع فيديو تمثيلية، تشبه مشاهد الدراما التاريخية، يصورها (داعش)؛ لتكون مجرد غطاء لعمليات ضخمة تقوم على نهب وبيع آثار سورية والعراق، على مدار السنوات الماضية، إذ أدرك (داعش) أن في حوزته أغنى منطقة أثرية في العالم، وأدرك أيضًا -منذ اللحظة الأولى- حجم التمويل المالي الكامن في بيع هذه الآثار التي تفوق أرباحها تجارة السلاح والمخدرات.

شددت التقارير على أنّ تنظيم (داعش) الذي نشر مقاطع فيديو متعددة ومتتالية، تظهر حرصه على تحطيم التماثيل بذريعة أنّها (أصنام)، استخدم التدمير خدعة وستارًا لعمليات التنقيب عن الآثار السورية والعراقية ونهبها؛ ومن ثم بيعها في السوق السوداء. وهو ما أكدته تقارير أميركية، أشارت إلى أنّ “عمليات التدمير المصورة ليست إلا تمويهًا، كما أظهرت صور الأقمار الصناعية”.

تعاملات تجارية بين (داعش) والمافيا..

جاء في تقرير نشرته صحيفة (هآرتس) العبرية، أواخر الشهر الماضي، أنّ تلك العمليات هي “إحدى أكبر عمليات نهب الآثار المنهجية والناجحة التي وقعت في التاريخ، والتي ينتظر أن تؤثر في سوق الآثار العالمية، في السنوات والعقود المقبلة، هذه العمليات أتت على كل أمل بتنفيذ عمليات حفر وتنقيب أثرية عملية في هذه المواقع التي يعدّ بعضها من أهم المواقع الأثرية في الشرق الأوسط”.

كما سجلت في فترة سابقة تعاملات تجارية، بين مافيا مدينة “كالابريا” الإيطالية و(داعش)، قامت بالأساس على تبادل القطع الأثرية المسروقة من مدينة سرت الليبية، مقابل أسلحة إيطالية. كما اكتُشف أن هذه الآثار تمر بميناء “جويا تاورو” الإيطالي، لتصل إلى بلغاريا، حيث اكتشفت وحدة الجريمة المنظمة في وزارة الداخلية البلغارية عملات قديمة مثبتة أزرارًا على السترات، كذلك أشار تقرير صحفي بلغاري عن وجود نحو 20 معرضًا فنيًّا رئيسيًّا ومنزلًا تجاريًا، في مدن أوروبية غربية، كلها تعرض قطعًا مهربة.

بحسب تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية، فإنّ شهية التجار الغربيين المفتوحة على شراء القطع الأثرية في المقام الأول، هو ما حفّز (داعش) على تعميق تجارة نهب تلك التحف والقطع الأثرية من الشرق الأوسط والعراق، “حيث يقوم المشترون الغربيون بالحصول على تلك القطع، من المهربين أو اللصوص أو الوسطاء، بأثمان بخسة، وهو ما يخلق الدافع إلى مزيد من النهب والسرقة لهذه القطع الأثرية، رغبة في الثراء”. وتعد الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر سوق تجاري للآثار المنهوبة من الشرق الأوسط.

على الرغم من صعوبة معرفة كمية كسب التنظيم الإرهابي من هذه التجارة، إلا أن أكثر من تقرير تحدث عن حجم مبيعات هائلة، آخرها ما صدر قبل شهر عن موقع (أنليزي ديفيزا) الإيطالي الذي ذكر أنّ سقف الأرباح يصل إلى نحو مئة مليون دولار في السنة، ويشير التقرير إلى أنّ “التحف الأثرية والقطع النادرة الثمينة التي تزخر بها المواقع الأثرية، في سورية والعراق، أصبحت، خلال السنوات القليلة الماضية، أحد أهم مصادر التمويل بالنسبة إلى التنظيم، خصوصًا في الفترة الأخيرة التي تميزت بتراجع كبير في عائدات النفط”، وكشف التقرير أنّ “تجارة الآثار تحوّلت إلى (ضرورة) ملحة، بالنسبة إلى العديد من التجار ومهربي الآثار في سورية؛ حتى يتمكنوا من الصمود، وذلك نتيجة للصراع الذي تعيشه الدولة منذ ست سنوات”.

قُدّرت أرباح تجارة (داعش) في سورية بنحو 200 مليون دولار، فعلى سبيل المثال، كانت إيرادات بيع الآثار المنهوبة من أحد المواقع الأثرية قرب دمشق (مدينة النبك)، 36 مليون دولار أميركي، لذلك تقدر منظمة (يونسكو) بيع ممتلكات هذه المعابد والمتاحف بمليارات الدولارات، إذ تعدّ المنظمة الدولية أن بيع تلك الآثار، عن طريق التجارة المباشرة وغير المباشرة، أحد أهم مصادر التمويل المادي التي يتلقاها (داعش) في العراق وسورية.




المصدر
غسان ناصر