دير الزور… صراع ظاهره سياسي وباطنه نفطي




يتفاقم الصراع على محافظة دير الزور في شرقي سورية بين قوى عدة تسعى إلى وضع يدها على الثروة النفطية الكبيرة في هذه المحافظة التي لا يزال أغلبها يقع تحت سيطرة تنظيم “داعش” مع أنه بدأ يتراجع أمام قوات النظام من جهة، و”قوات سورية الديمقراطية” من جهة أخرى. والصراع على دير الزور يتجه لمزيد من التأزم، مع سيطرة “سورية الديمقراطية” المدعومة من “التحالف الدولي” على حقل ومحطة كونوكو للغاز، وتطلعها للسيطرة على حقل آخر لا يقل أهمية وغير بعيد عنه. وهذا قد يدفع قوات النظام السوري المدعومة من الروس والإيرانيين، إلى تخطي الخطوط الحمراء الأميركية مرة أخرى، ما سيؤدي إلى وقوع صدام عسكري ظاهره سياسي، وباطنه اقتصادي. وأعلن مجلس دير الزور العسكري المنضوي تحت راية “سورية الديمقراطية” أنه سيطر يوم الجمعة، على حقل ومحطة كونوكو شمال شرقي مدينة دير الزور، ليكون بذلك أول منشأة بترولية شمال نهر الفرات تخرج عن سيطرة التنظيم.

وكانت قوات النظام قد أعلنت منذ أيام سيطرتها على حقل “التيّم” جنوب دير الزور، في مؤشر على أن القوات المتصارعة على شرقي سورية تضع الثروة النفطية في صلب أهدافها.

وتكتسب دير الزور، وهي ثاني محافظات سورية من حيث المساحة إذ تبلغ نحو 33 ألف كيلومتر مربع، أهمية استثنائية لأنها تضم أهم وأكبر الحقول النفطية ومحطات التجميع، والتي سيطرت عليها المعارضة عام 2013، قبل أن يسيطر عليها تنظيم “داعش” عام 2014. وكانت المعارضة قد استثمرت تلك الحقول بطرق بدائية، وعلى الرغم من ذلك فقد وفرت لها موارد طائلة قبل أن تخرج من المحافظة برمتها.

وذكر الباحث الاقتصادي، محسن الراوي، وهو من أبناء دير الزور، أن أهم حقول النفط والغاز تقع على الجانب الشرقي (الشمالي) من نهر الفرات في المنطقة التي يُطلق عليها السكان المحليون تسمية “الجزيرة”. وتتطلع “قوات سورية الديمقراطية” للسيطرة على هذه المنطقة، ولهذه الغاية، بدأت في التاسع من الشهر الحالي عملية “عاصفة الجزيرة” بدعم من “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن. وأشار الراوي إلى أن منطقة الجزيرة شمال النهر تتمتع بأهمية اقتصادية كبرى في سياق الصراع على المحافظة، وهذا ما يفسّر سعي الولايات المتحدة للسيطرة عليها من خلال ذراعها البرية في سورية، أي “قوات سورية الديمقراطية”.

 وقال الراوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن حقل “العمر” يعد أهم حقول النفط في المحافظة وهو يقع في “الجزيرة” إلى الشمال من مدينة الميادين معقل تنظيم “داعش” الأهم بنحو 15 كيلومتراً، موضحاً أن الحقل لا يزال بيد التنظيم وفيه محطات تجميع من عدة آبار، فضلاً عن كونه محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية. وأكد أن الدورة الإنتاجية الاقتصادية في الحقل “متوقفة نتيجة قصف طيران التحالف الدولي له”، مشيراً إلى أن التنظيم “يقوم بالإنتاج بطرق بدائية”، ولافتاً إلى أن إنتاج الحقل قبل عام 2011 كان يصل إلى 450 ألف برميل يومياً، قبل أن يتراجع في عام 2010 إلى 250 ألف برميل يومياً. وأضاف أن الحقل يقع في منطقة منبسطة لا تساعد تنظيم “داعش” على الدفاع عنه، مبيناً أن “قوات سورية الديمقراطية” باتت على مسافة 20 كيلومتراً عنه، إثر سيطرتها على حقل ومحطة كونوكو صباح الجمعة الماضي.

وأكد الراوي أن حقل ومحطة كونوكو له أهمية كبيرة، ذاكراً أنه محطة تجميع لآبار تنتج الغاز، ويعد من أهم مراكز إنتاج الغاز في الشرق الأوسط. وتابع أن “الولايات المتحدة وبريطانيا تدركان أهمية حقل ومحطة كونوكو، فهو الأهم في دير الزور”. وذكّر بأن الحقل كان ينتج الغاز الطبيعي والغاز المنزلي، مشيراً إلى أن تنظيم “داعش” كان يزود النظام السوري من إنتاجه في السنوات الماضية لأسباب اقتصادية، إذ كل طرف بحاجة للآخر، بحسب تعبيره. وتابع أن “العمر” و”كونوكو” هما الأهم في منطقة الجزيرة شمال النهر، مع وجود عدد من الحقول الأقل أهمية مثل حقل “الورد” و”الحمّار” وغيرهما.

ومن ناحية أخرى، قال الراوي إن منطقة “الشامية” جنوب غرب نهر الفرات تضم آبار نفط وغاز، ومحطات تجميع، منها حقل “التيم” الذي سيطرت عليه قوات النظام أخيراً، ويقع إلى جنوب مدينة دير الزور بنحو 10 كيلومترات. وبيّن أن منطقة الشامية التابعة لدير الزور تضم “المحطة الثانية” التي كان يتم فيها تجميع النفط العراقي والمعد للتصدير عبر ميناء طرطوس السوري قبل أن يتم إيقاف العمل بالمشروع الذي كان ملك الحكومة العراقية من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، إبان الحرب العراقية الإيرانية، إذ انحاز الأسد إلى جانب إيران. وأوضح أن المشروع كان له خمس محطات، الأولى في العراق، والثانية جنوب دير الزور، والثالثة في مدينة تدمر، والرابعة شرقي حمص، والخامسة في طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وخلص إلى أن منطقة الجزيرة في دير الزور أهم من منطقة الشامية، موضحاً أن الثروة النفطية متمركزة شمال النهر، إضافة إلى الثروة الزراعية، ولافتاً إلى أن التجمع السكاني الأكبر يقع في الجانب الجنوبي (الغربي) من النهر في منطقة الشامية حيث المدن والبلدات الكبرى في محافظة دير الزور كميادين والبوكمال.

وكان تنظيم “داعش” قد سيطر عام 2014 على نحو 80 بالمائة من ثروة سورية النفطية قبل أن يبدأ بالتراجع هذا العام. فخسر ما كان يسيطر عليه من حقول وآبار في البادية شرقي حمص، وفي ريف الرقة الجنوبي، وفي محافظة دير الزور.

ومن الواضح أن الصراع على محافظة دير الزور يحمل طابعاً اقتصادياً فضلاً عن الجانب السياسي، إذ إن كل أطراف الصراع تريد أخذ حصتها من “كعكة” دير الزور الدسمة، وهذا ما قد يفتح باب صدام كبير خلال الأيام المقبلة. فنظام بشار الأسد بأمس الحاجة لنفط وغاز دير الزور، لأن مناطقه تعاني من نقص حاد، ما يتسبب بململة من قبل مواليه، والساكنين في مناطق سيطرته، فضلاً عن العائد الاقتصادي الكبير الذي يجنيه من وراء بيع النفط. كما أن “قوات سورية الديمقراطية” تسعى للسيطرة على ثروة دير الزور لمقايضتها في أي حلول سياسية مقبلة، فضلاً عن حاجة هذه القوات لموارد اقتصادية جديدة تساعدها في إدارة المناطق التي تسيطر عليها وهي واسعة في شمال، وشمال شرقي سورية. ويسيطر الأكراد على أهم حقول النفط والغاز في ريف الحسكة وفق تفاهمات مع النظام الذي اكتفى بوجود رمزي في هذه المحافظة التي يتمركز فيها عدد كبير من أكراد سورية وتقع إلى الشمال من محافظة دير الزور.


المصدر