غازي عنتاب تستقطب ربع استثمارات السوريين في تركيا



كان واضحًا، لدى كثير من السوريين، أن الإقامة في تركيا لن تكون مؤقتة، وأمام هذا الواقع كان لا بدّ لهم من دخول سوق العمل بقوة. وعلى مدار الأعوام الست الماضية، ازدادت استثمارات السوريين في تركيا لتبلغ 360 مليون دولار، وذلك بحسب تقرير أعدته (منصة الاقتصاديين) المشرفة على برنامج تحسين أوضاع السوريين في تركيا.

أضاف التقرير-نشرته صحيفة ترك برس- أن الشركات السورية في تركيا تشكل 14 بالمئة من إجمالي رأس المال الأجنبي في تركيا بين عامي 2011 و2017، حيث بلغ عدد الشركات السورية 6322 شركة.

بحسب رئيس غرفة الصناعة في ولاية غازي عنتاب، عادل ثاني قونوق أوغلو، هناك نحو 1500 شركة سورية مرخصة، في غرفتي الصناعة والتجارة، فضلًا عن ورش غير مسجلة، تعمل في محلات الصناعة والتجارة.

أسهمت الشركات السورية إسهامًا لافتًا في ارتفاع صادرات غازي عنتاب، فقد أشار قونوق أوغلو إلى أن “صادرات عنتاب بلغت، خلال النصف الأول من 2017، نحو 3.2 مليار دولار. ولفت أيضًا إلى أن “أحد أسباب هذا الانتعاش يعود إلى السوريين الذين أدّوا دورًا مهمًا، في زيادة الإنتاج والتصدير في غازي عنتاب، على اعتبار أنها الأكثر استقطابًا لرؤوس الأموال والشركات السورية، نظرًا إلى قربها من الحدود ومن مدينة حلب”.

الاستثمار الحقيقي يتجاوز مليار دولار

بالرغم من التقدم الذي أحرزته استثمارت السوريين في تركيا هذا العام، مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن بعض المختصين والمطلعين على حركة السوق يؤكدون أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

بحسب الدكتور تمام بارودي المدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي السوري، فإن “نسبة مساهمة مستثمري مدينة غازي عنتاب، من استثمارات السوريين في عموم الولايات التركية، تراوح ما بين 18ـ 20 بالمئة”.

يعزو بارودي، في حديث لـ (جيرون)، سببَ ارتفاع رقم الاستثمار الحقيقي، عمّا هو مُعلن (أي 360 مليون دولار) إلى أن “الكثير من الشركات تسجل رقمًا أقلّ لرأسمالها من المبلغ الحقيقي. فهناك شركات تستثمر بأرقام كبيرة، بينما المعلومات الواردة في معاملة الترخيص مختلفة عن الواقع، لذلك أعتقد، بحسب اطلاعنا في المنتدى، أن الرقم يتعدى المليار دولار بكثير. وهذا طبعًا بالنسبة إلى قطاع التجارة. أما بالنسبة إلى المستثمرين الصناعيين فتكون أرقام رأس المال أقرب إلى الواقع، بسبب وجود مكنات ومعدات صناعية وغيرها”.

عبد الرحمن حداد، وهو صاحب محل ألبسة، يؤكد أيضًا أن قيمة الاستثمار السوري أكبر بكثير من الرقم المُعلن عنه من الجهات التركية، ويضيف لـ (جيرون): “هناك الكثير من الشركات والمشاريع المتوسطة والصغيرة غير مسجلة أو مرخصة، والحكومة التركية تُحصي فقط المشاريع المرخصة”.

يوسف الحايك، وهو صاحب مطعم وشريك في عدة مشاريع صغيرة في غازي عنتاب، قال لـ (جيرون): “لاشك أن السوريين استطاعوا التأثير في سوق العمل التركي، من خلال استثمارهم في العديد من القطاعات، كصناعة الأحذية، وصناعة الألبسة التي بات السوريون من الروّاد فيها”. وأضاف: بالمقابل، أعتقد أن غازي عنتاب استفادت حتى من المشاريع الفاشلة، بمعنى أن صاحب أي مشروع يدفع إيجار محل ومستلزمات عمل وضرائب. وهذه الأموال كلها تُدفع للأتراك؛ وبالتالي هم مستفيدون حتى ولو فشل المستثمر السوري في مشروعه”. ورأى أن السوريين “نجحوا في مدينة إسطنبول أكثر من باقي الولايات، بسبب الطبيعة المنفتحة للمدينة مقارنة بسكان عنتاب الأكثر تحفظًا تجاه البضائع السورية”.

يُعدّ استنساخ المشاريع أحد أسباب فشل بعض السوريين في غازي عنتاب. عندما يرى أحدهم أن مشروعًا ما نجح؛ فإنه يقوم باستنساخه، بالرغم من عدم امتلاكه خبرة كافية. وهذا طبعًا يؤدي إلى فشل المشروع بعد فترة قصيرة. وشكلت المطاعم والبقاليات وصالونات الحلاقة أعلى نسبة في استثمارات السوريين؛ نظرًا إلى تكلفتها المتواضعة. كما أن المشاريع الصغيرة كانت هدفًا للباحثين عن الربح السريع.

يعتقد عبد الرحمن حداد أن “الاندماج مع المجتمع التركي هو سبب لنجاح أو فشل المشاريع السورية؛ ذلك أن معظم الذين نجحوا هم أشخاص أتقنوا اللغة التركية، وتأقلموا مع قوانين العمل”، وتابع: “أنا -كوني لاجئًا وغريبًا عن هذا البلد- لا يمكنني أن أقدم منتجًا لا يتناسب مع طبيعة المستهلك التركي، سواء كان في قطاع الأغذية أم الألبسة أم غيرها. ومن ناحية أخرى، أدى جهل السوريين، بقوانين سوق العمل بتركيا كنظام الضرائب والتعامل مع البنوك، إلى فشل الكثير من المشاريع”.

في المقابل، يرى حداد أن “عدم تمتع بعض المستثمرين السوريين بوضع قانوني؛ يجعلهم يحجمون عن التعامل مع الأتراك خوفًا من تعرضهم لعمليات احتيال. فهم يرون أنه لا يوجد قانون يحميهم، وبالتالي لن يستطيع المستثمر (تحصيل حقه)، إذا تعرض للنصب”.

يذكر أن تركيا من أكثر البلدان التي استقبلت لاجئين سوريين، حيث وصل عدد اللاجئين السوريين في أراضيها إلى قرابة 3 مليون سوري، ولا يزيد عدد الساكنين في المخيمات عن 800 ألف. ن. أ.




المصدر
جيرون