قضيّة “كاترين مزهر” تكشف نزاعاً بين ميليشيات النظام في السويداء




شهدت مدينة السويداء لأول مرة منذ عام 2011، قتل ثلاثة شبان من أبناء المحافظة على خلفية اتهامهم بالضلوع في خطف فتاة قاصر تدعى كاترين مزهر، الأمر الذي أثار الكثير من التهكم والاستياء في ظل تخلي مؤسسات النظام من قضاء وشرطة وأمن جنائي عن الاضطلاع بدورهم، والامتناع عن التعاطي مع القضية بالرغم من مطالبة الكثيرين لها بتحمل مسؤولياتها، بهدف عدم سفك دماء على يد الأهالي، إلا أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام كانت تدفع إلى كسر الخط الأحمر لدى الأهالي.

سيناريوهات ومخاوف

 لا تزال قضية خطف او اختفاء كاترين مزهر، تشوبها العديد من الحلقات المفقودة.  وبعد أسبوع على إعدام ثلاثة متهمين بالقضية، أصدر والد الفتاة (هيسم) بيانه الأول حول حادثة الاختطاف، لكنه لم يوضح مصير ابنته.

وقد تناقلت صفحات محافظة السويداء البيان الصادر عن والد الفتاة، و جاء فيه إن “الكل يعلم مصابنا الذي قصم ظهرنا، وفوّر دمنا من خلال العملية الخسيسة التي قام بها الوحوش البشرية في عملية إخفاء ابنتي، ببداية الأمر لم نترك مرجعاً اجتماعيا كان أم دينياً أو جهة رسمية إلا ودققنا أبوابها مستغيثين أمامهم”.

وأضاف في بيانه الذي استخدم فيه اللهجة العامية قائلاً “المرجعيات الدينية والاجتماعية ما حدا منهم قصر وتابع معنا أو أخذ جوره وعندن الحقائق كاملة، الكل صار يحرك بعد التصعيد”.

وتابع مزهر أن “الجهات الرسمية والتي بيدها الاتصالات وتعرف الشاردة والواردة في البلد، لم تأخذ دورها والتقصير كان واضحاً وملموساً، أما على الصعيد الشعبي وعائلات الجبل، للأمانة ما حدا قصر معنا وكل حدا منهم عمل واجبه وأخذ دوره بمساندتنا”.

وتعليقاً على ذلك يقول الناشط في السويداء أبو إبراهيم المعروفي لـ “صدى الشام”، إن ما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي من فيديوهات للشباب المتهمين بالمشاركة بخطف كاترين، لا يرقى ليكون دليلاً نظراً لما ذكر فيها من معلومات، ولكن وبكل الأحوال فإن الإقدام على قتل المتهمين الثلاثة يُعدّ سابقة في السويداء، ويُخشى أن تكسر أحد الأعراف والقواعد الاجتماعية”.

ويلفت المعروفي إلى أن “هناك العديد من السيناريوهات المتناقلة حول هذه القضية، فهناك من يقول أن خطف الفتاة جاء بهدف إهانة الأب بعدما رفض تزويجها إلى ضابط في الأمن، وهناك رواية أخرى تفيد بأن خطف الفتاة جاء نتيجة خلافات بين طرفين؛ والد وأخوة الفتاة وهم عناصر بميليشيا جمعية البستان التابعة لرامي مخلوف من جهة، وبين قائد الميليشيا في السويداء أنور الكريدي، وذلك لأسباب تتعلق بتجارة المخدرات والحشيش التي تأتي من لبنان، والتي يُتهم بتوزيعها داخل المحافظة وبيعها إلى تجار في درعا ونقلها كذلك إلى الأردن.

ومن المتهمين أيضاً في هذه القضية مدير مكتب رئيس فرع الأمن العسكري وفيق ناصر وضباط من فرع أمن الدولة، “وهي القصة المرجحة”. وفقاً للناشط.

ويضيف أن “القضية أثارت في البداية الرأي العام في المحافظة كون الضحية فتاة قاصر، لكن مع بدء تكشف خلفيات القضية بأنها تصفية حسابات بين عناصر ميليشيات سيئة السمعة، وبعد قتلِ ثلاثة شبّان في ظل اعترافات غير مقنعة، بدأ الرأي العام يأخذ موقفاً مغايراً”.

مسؤولية

من جهتها حمّلت القوى الاجتماعية والسياسية في المحافظة القضاء والأجهزة الأمنية المسؤولية الكاملة عن التدهور الأمني في المحافظة، خصوصاً مع انتشار الإتجار بالوقود والمواد الممنوعة من مخدرات وغيرها، إضافة إلى الخطف والخطف المضاد بهدف تقاضي الفدية وتصفية الحسابات بين الميليشيات، وهو ما تم الكشف عنه في معظم الجرائم المرتكبة طوال السنوات الماضية، بحسب المعروفي.

ويتابع موضحاً “هناك كثير من الوفود الاجتماعية والسياسية توجهت إلى النيابة العامة والأجهزة المختصة، لتسأل سبب عدم تحركها في قضية مزهر وغيرها من القضايا، حتى وصل الفلتان الأمني إلى هذا المستوى، إضافة إلى تحميل الأجهزة مسؤولية انتشار السلاح بشكل عشوائي وتسليح أصحاب السوابق والمجرمين وأصحاب السمعة السيئة تحت اسم القوى الرديفة”.

بدورها أدانت “مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز”، وهي السلطة الدينية العليا في المحافظة، كل جرائم الخطف والتعدي على حرمات الناس وكرامتهم، معتبرين أن كل من يقوم بها أو يشترك فيها أو يسهل عمل مرتكبيها تعتبره “خارجاً عن القيم الدينية التوحيدية وعن الأخلاق والشيم المعروفية، وعن قيم وعادات المجتمع النبيلة الكريمة”.

وأهابت مشيخة العقل “بكل الشخصيات الشريفة والمحترمة وذات التأثير في عائلاتها وبكل الأسر والفعاليات الاجتماعية أن تعمل على التبرؤ من كل من له يد بهذه الأعمال من قريب أو بعيد ومقاطعته اجتماعياً وعلى كل المستويات. كما أنها تؤكد على مبدأ سيادة القانون ودور مؤسسات الدولة المختصة في معالجة هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها ووضع حد حازم لجرائمهم وتعدياتهم وهي بذلك تعبر عن رأي الأغلبية الساحقة من أبناء محافظة السويداء الذين يرون في مبدأ سيادة القانون والتمسك بمؤسسات الدولة جزءاً أساسياً من التراث الوطني الذي ضحى من أجله الآباء والأجداد بالدماء والأرواح، فالقضاء وحده هو القادر على إجراء تحقيق نزيه شفاف يضمن كشف كل الجوانب الخفية في أي قضية من القضايا مما يتيح أحقاق الحق وتحقيق العدالة”.

وأضافت مشيخة العقل في بيان لها، “نهيب بسلطة القضاء عموماً وبالنيابة العامة على وجه الخصوص والجهات المختصة أن تضع يدها على كل هذا الجرائم حين حصولها والتعامل معها على أنها قضايا تُهمّ الرأي العام وجرائم تهدد السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، والاستناد على كل القوانين والتشريعات التي تمكنهم من فرض أقصى العقوبات المشددة على مرتكبي هذه الجرائم وما يماثلها وذلك كي لا يطمع ويستهتر المجرم ولا يحبط المتضرر ويفقد الثقة بمؤسسات الدولة وقدرة القضاء على تحصيل حقه”.

كما أهابت مشيخة العقل بأهالي محافظة السويداء وفي “هذه الظروف الصعبة أن يتنبهوا لكل ما يمكن أن يهدد استقرار مجتمعهم ويتجنبوا ردود الأفعال المتسرعة التي تقود إلى الفتنة بين أبناء البيت الواحد.

وبهذا الخصوص ثمّنت مشيخة العقل “موقف العائلات التي عملت على وأد الفتنة وتصرفت بأسلوب حكيم”.

غموض وغلَيان

لا تزال الكثير من الجوانب في قضية كاترين مزهر، يكتنفها الغموض، وسط ترجيح بأن تكون قد قُتلت وتم إخفاء جثتها في مكان ما في المحافظة، في حين لم يتم الكشف عن باقي المشاركين بالجريمة، وسط استمرار صمت القضاء عن فتح تحقيق واسع بحيثيات الجريمة، في حين ما تزال العائلات التي ينتمي إليها الشباب المقتولون تعتمد ضبط النفس داعية إلى كشف الحقيقة، وعدم هدر دماء أبنائهم إن كانوا براء من هذه الجريمة، في حين يحذر ناشطون من أن يحدث اقتتال داخلي بين العائلات في حال تأخر الجهات المختصة من كشف الحقيقة.




المصدر