مستقبل الرقة.. فرصة الأهالي بالعودة



بفارغ الصبر، تنتظر ناريمان العبد الله، الضوءَ الأخضر للعودة إلى مدينتها الرقة، وتحلم بالسير مطولًا في شوارعها، وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها، وتستمع إلى الموسيقى، بعدما حرمها تنظيم (داعش) من ذلك، في أثناء سيطرته على المدينة.

على غرار هذه الشابة، ينتظر النازحون في مخيم (عين عيسى) الواقع على بعد أكثر من خمسين كيلومترًا شمال الرقة، أن يتمكنوا من العودة إلى مدينتهم في أسرع وقت ممكن، بعد أن شارفت معركة طرد التنظيم من كل أحياء الرقة على الانتهاء، المدينة التي شكلت معقله الأبرز في سورية منذ ثلاث سنوات. وفقًا لتقرير نشرته وكالة (فرانس برس)، استشهد بقصص لمدنيين فارين من الرقة يحلمون بالعودة إليها بعيدًا عن تواجد التنظيم.

قالت ناريمان، التي كانت تعمل مساعدة ممرضة، وهي ترتدي عباءة لونها زهري فاقع: “عندما أعود إلى الرقة سأضع الماكياج مجددًا، وأعاود الاستماع إلى الموسيقى، بعدما حُرمنا منها في الرقة لأعوام، سأضع السماعات في أذني، وأمشي في شوارع الرقة، وأرتدي سروالًا”.

منع (داعش) النساء من ارتداء الثياب الملونة، وألزمهن بارتداء النقاب الأسود والقفازات وتغطية وجوههن، كما فرض على الرجال ارتداء زي خاص فضفاض، يُعرف بـ “اللباس الأفغاني”.

نزحت ناريمان من مدينة الرقة، قبل ثلاثة أشهر، تزامنًا مع دخول قوات (قسد) بدعمٍ أميركي إلى المدينة، في إطار عملية عسكرية واسعة، بدأتها قبل سبعة أشهر في محافظة الرقة، وباتت هذه القوات على وشك السيطرة الكاملة على المدينة وتقول: “اشتقت إلى كل شيء في الرقة.. حتى المياه هناك مختلفة، كل شيء فيها مختلف”.

استشهد التقرير بقصة لشاب آخر، قيس البوقان، ذي الـ 27 عامًا، ويعمل في المجال الموسيقي، وهو مُذ تخرّج من معهد الموسيقى يحلم بافتتاح معهدٍ لتدريس الموسيقى في مدينته. قبل سيطرة التنظيم على الرقة، أمضى البوقان سنواتٍ في تعليم الطلاب العزف على الآلات الموسيقية، وأحبّها الى قلبه البيانو والأكورديون، يقول: “منذ سنوات لم أعزف أو أعلّم أحدًا الموسيقى، أتمنى أن أعود إلى منزلي، وأفتتح معهدًا”.

يخطط البوقان، بعد طرد (داعش) من المدينة، لتنظيم حفل موسيقى في حديقة الرشيد، إحدى أكبر حدائق الرقة، وعلّق: “أريد أن أعزف للناس وسط جوٍّ من الفرح”، وغالبًا ما يرى مدرّس الموسيقى مدينته في الحلم، ويأمل اليوم أن يتمكّن في وقتٍ قريب من أن يجتمع بزملائه الموسيقيين، وأن يحيوا جميعهم أمسيةً موسيقية داخل الرقة.

يصوّر التقرير أحوال الأهالي في المخيمات، وكيف يقضون أيامهم رهن الانتظار، في ظروفٍ مأسوية، وتعلو في الضجيج أصوات النساء يتساءلن عن العودة، ويبكين قراهم المدمرة، عندما يرون صورها بحوزة صحفيين.

حول فُرص عودة أهالي الرقة إليها بعد الحسم العسكري، قال الخبير الاستراتيجي محمود إبراهيم لـ (جيرون): “لا شكّ أن عودة أهالي الرقة إلى ديارهم بعد انتهاء المعركة عسيرة جدًا، لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالاقتصاد والبنى التحتية، والشق الآخر مرتبط بالسلم الاجتماعي والأمن الأهلي”، مشيرًا إلى أن “العمليات العسكرية المفتوحة التي نفذها طيران التحالف والطيران الروسي، أدت إلى تدميرٍ شبه تام للبنى التحتية، وراكمت كميات الأنقاض وشكّلت ردومًا إسمنتية يصعب إزالتها، يضاف له انهيار قنوات المياه والصرف الصحي، والتدمير الكامل لشبكات الاتصالات، والألغام التي يزرعها التنظيم قبل خروجه”.

أما بخصوص الأمن الاجتماعي، فيرى إبراهيم أن هذا الشرط غير متوفر نتيجةَ وجودِ عناصر أجنبية من خارج الأراضي السورية تقاتل داخل المحافظة، سواء من تنظيم (داعش)، أو ضمن التنظيمات الأخرى التي تقاتله، وقال في هذا الجانب: “يوجد قوات أجنبية تقاتل تحت راية (قسد)، معظمها من كولومبيا والبرتغال ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وعناصر استخباراتية من شتى الأطراف، كل ذلك سيؤسس لمجتمع غير متسق، وقد يقود إلى صدامات مع العائدين أو عمليات تطهير عرقي وإعدامات ضدهم، من قبل تلك الجماعات غير المنضبطة”.

وأكد أن “المسؤولية الأولى تقع على عاتق أي قوات تسيطر على المدينة، وبما أن الكفة ترجح إلى الآن باتجاه (قسد)، ينبغي إلزامها قانونيًا ودوليًا بمراعاة عودة الأهالي إلى مناطقهم آمنين، وإجبارها على تشكيل مجلس محلي منتخب، يؤسّس لمستقبل هذه المدينة المنكوبة ضمن كيان الدولة السورية الواحدة، سواء كانت هذه الدولة مركزية أو فدرالية”. آ. ع.




المصدر
جيرون