واشنطن بوست: البرلمان التونسي يصوَّت ضد الديمقراطية



يشارك التونسيون في تظاهرة في 16 أيلول/ سبتمبر2017، في تونس العاصمة، احتجاجًا على إقرار البرلمان لقانون العفو عن المسؤولين المتهمين بالفساد. (فتحي بلعيد/ وكالة الصحافة الفرنسية عبر صور جيتي)

تتمتع تونس بمكانةٍ فريدة، لكونها البلد الوحيد الذي خرج من انتفاضات الربيع العربي عام 2011 بديمقراطيةٍ حقيقية. غيرَ أنَّ التجربةَ الديمقراطية في تونس شهدتْ، في الأسبوع الماضي، نكسةً كبيرة، ومن المؤكّد أنَّها ستعمّقُ خيبة الأمل الشعبية من حكومتهم المنتخبة.

في 13 أيلول/ سبتمبر، أصدرَ البرلمان التونسي عفوًا عن المسؤولين السابقين الفاسدين. وينصّ قانون المصالحة على أنَّه يجب إسقاط أيّ ملاحقة قضائية حالية، وليس من الواضح حاليًا من سيستفيدُ من العفو، ولكنَّه سيطبّق فقط على حالاتٍ سابقة على ثورة 2011؛ ما يشير إلى أنّه سيؤثر -على الغالب- على مسؤولين رسميين من نظام بن علي الاستبدادي الذي كان مشهورًا بالمحسوبية والفساد، والذي قتل مئات التونسيين الذين تحدّوه، خلال الانتفاضة قبل ست سنوات. ويقول بعض المراقبين إنَّ القانون هو وسيلة لحزب (نداء تونس) الحاكم لتسديد الدين لمانحي حملته، ويدعي البعض أنَّ الأمر الأكثر أهميةً للحزب ذاته، هو القيام بإعادة تأهيلٍ أعضاء النظام القديم، ودمجهم في صفوفه.

إنَّ إقرار هذا القانون يمكنُ أنْ يعني بدايةَ نهايةِ التحول الديمقراطي في تونس، حيث إنّ التنافر بين جدول أعمال الحكومات التونسية المتعاقبة، والمطالب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الشعبية التي دفعت إلى الثورة، آخذٌ في الازدياد منذ عام 2011. والآن وصلت هذه العملية إلى ذروتها المنطقية. قانون المصالحة هو القانون الوحيد الذي مرّره مكتب الرئيس إلى المشرعين، وهو قانون تمت معارضته مبدئيًا منذ سنتين، ومن وقتها يحاول تمريره على الرغم من الاعتراضات الصاخبة لمتظاهرين سلميين، وحركاتٍ اجتماعية، وجماعات مجتمعٍ مدنيّ، وقوى معارضة.

في مواجهة هذا الاحتجاج الشعبي، كان بإمكان الحكومة إلغاء مشروع القانون، والتركيز بدلًا منه على قضايا تهمُّ التونسيين مثل: التنمية الإقليمية، والاختلالات الاقتصادية والسياسية العميقة، وخلق فرص العمل، والعدالة الانتقالية الحقيقية. ومع ذلك، فإنَّ الحكومة، وعلى وجه التحديد، حزب (نداء تونس) الحاكم، ظلَّت متعنتة في رأيها، كما لو أنَّ نظام الحزب الواحد لم ينته.

إنَّ ازدراء الحكومة بمفردها للمطالب الشعبية ليس هو الشيء الوحيد الذي يشوه فكرة الديمقراطية التونسية، فالعمليات السياسية والتشريعية أيضًا مناهضة للديمقراطية، وينتهك الزعماء البرلمانيون قواعد الهيئة التشريعية للإسراع في التصويت، بينما يؤجلون إلى أجلٍ غير مسمى القوانين الأكثر أهميةً التي تؤثر على الانتخابات والحكومة المحلّية. إنَّ ازدراء الحكومة للإجراءات الرسمية ليس أمرًا غيرَ متوقعٍ تمامًا؛ فالرئيس بايجي قايد السبسي، والشخصيات الرئيسية في الحزب الحاكم انتقدوا علنًا ​​دستورَ عام 2014 – وهو التتويج الذي حققته المرحلة الانتقالية في تونس، على أنَّه تقييدٌ شديد للسلطة التنفيذية. بلْ إنَّ البعض قد ذهب بعيدًا إلى درجة أنْ يقترح إجراء استفتاءٍ لتعديل الدستور، وتغيير النظام السياسي.

في خطوةٍ رمزية للغاية، غادر نواب حزب المعارضة، وهم الذين يقاطعون القانون، المجلسَ التشريعي، للانضمام إلى مجموعةٍ من المتظاهرين الشباب في الخارج. حيث ردّتْ الشرطة بحملة قمعٍ عنيفة. إن الانطباع الذي خلفته المعارضة السياسية والاجتماعية، بنزولها إلى الشارع، والاحتجاج السلمي الذي واجهته الدولة بالقمع يذكّرُ، بشكلٍ مثير للقلق، بالسياسة التونسية في عهد بن علي.

وفي علامةٍ أخرى مشؤومة، شكَّل رئيسُ الوزراء، يوسف شاهد -وهو الذي اكتسب شعبيةً لإعلانه صراحةً حربًا على الفساد منذ عدة أشهر- حكومةً جديدة في تعديلٍ وزاري، قبل إقرار قانون المصالحة، وضمّت حكومته وزيرَ مالية بن علي، ووزير تربية بن علي، ومسؤولين آخرين من الدرجة الثانية والثالثة، من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم السابق.

من حسن الحظ، لم تفقد الديمقراطية التونسية كلَّ فرصها، فعلى الرغم من الإحساس العميق بالخيانة، وغضب الشباب التونسيين الذي يعبرون عنه؛ فإنَّ الواقع هو أنَّ معركة العامين الماضيين ضد هذا القانون، تسبّبت في صعود حركة احتجاج متنوعة وديناميكية وذكية في الشارع (مانيش مسامح) أي: “لن أسامح”. هذه الحركة الشعبية اللامركزية والمتنوعة جمعت العديد من المنظمات المدنية، وجماعات المصلحة في تحالفٍ نشطٍ وواعٍ للغاية، دفع المشرعين إلى التقليل من مشروع القانون؛ فألغوا العفو عن رجال الأعمال، وأولئك الذين ارتكبوا جرائم مالية. وفي أفضل الأحوال، فإن تجربتهم مع هذا القانون ستساعد التونسيين على معالجةٍ أفضل للمشاريع المستقبلية التي تهدّد التحوَّل الديمقراطي.

لقد حان الوقت الآن للتونسيين الشباب للاستفادة من هذه الطاقة، وترجمتها إلى قوةٍ مؤسساتية، عبر الترشح للمناصب، وتستمر الحكومة بتأجيل الانتخابات البلدية، ولكن لم يفت الأوان بعد للقتال من أجلها. إنَّ قانون المصالحة هو بالفعل بمثابة شرارةٍ للنشاط والفاعلية، وتنظيم الشباب التونسي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتجمع لمناقشة خيارات الترشح للمناصب.

لقد حان الوقت أيضًا لشركاء تونس الدوليين الذين لديهم تأثيرٌ أكبر على السياسة التونسية، أكثر مما يودون الاعتراف به، للتركيز على دعم الأفكار، والوجوه الجديدة بدلًا من الحفاظ على الوضع الراهن المشكوك فيه على أمل تحقيق الاستقرار الاقتصادي. يعبر شركاء تونس غالبًا عن رغبتهم بأن يروا البلد، وقد أصبح بيئةً مناسبة للاستثمار، حيث تكون الإدارة العامة موقعًا أهم من المحاباة والمحسوبية، ويسود مبدأ حكم القانون. إذا كان هذا هو ما يريده المقرضون، والمانحون، والشركاء التونسيون حقًا؛ فإنهم بحاجةٍ إلى اتخاذ موقفٍ حازم ضد النظام السياسي القديم الجديد.

اسم المادة الأصلي Tunisia’s parliament just cast a vote against democracy الكاتب فضيل علي رضا وأويم شيتاوي، Fadil Aliriza and Ouiem Chettaoui مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 19/9 رابط المادة https://www.washingtonpost.com/news/democracy-post/wp/2017/09/19/tunisias-parliament-just-cast-a-vote-against-democracy/?utm_term=.584281272464 عدد الكلمات 751 ترجمة أحمد عيشة


المصدر
أحمد عيشة