الدولة بين حافظ وبشار
26 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
[ad_1]
هل ثمة فوارق بين بشار الأسد وأبيه، في إدارة دفة الحكم في البلاد؟
هل سار بشار الابن على خطى أبيه، في إدارة شؤون الدولة؟
هل تعامل الاثنان مع البلاد على أنها دولة أم مزرعة خاصة؟
الوقائع المعروفة للجميع، وما كشفته وتكشفه الأيام تِباعًا، تشير جميعها إلى أن فكرة الدولة كانت تُبعَد مع الأيام؛ لتحلّ محلّها فكرة المزرعة، حيث صار فيها كلّ من هو دون كرسي الرئاسة عبدًا مطيعًا، وإن اختلفت درجات العبودية.
في تلك الدولة/ المزرعة، لم يكن بمقدور أي موظف -مهما علا شأنه- أن يُقابل حافظ الأسد أو حتى أن يطلب مقابلته، فقط حافظ الأسد هو من يُقرر مَن يستقبل وأين ومتى، ومهمة (أبو سليم) -مدير المكتب الخاص للرئيس- الاتصالُ بالشخص المعني وتبليغه، وحين الحضور يُبلغه بعدد الدقائق المسموحة له بالبقاء في “حضرة” الرئيس. وهنا نتحدث عن موظفي الدرجة الأولى من رئيس مجلس الوزراء إلى الوزراء وكبار الضباط والقادة العسكريين، وحتى هذه اللقاءات كانت محدودة ومعدودة، على مدار الثلاثين عامًا التي بقي فيها حافظ الأسد في سدة السلطة، أما التواصل الهاتفي، فكان مسموحًا لكن المبادر هو الرئيس، وفي الغالب لم يكن اتصالًا مباشرًا، وإنما من خلال مدير مكتبه الخاص الذي يتصل ليبلغ أي شخصية رسالةَ الرئيس أو توجيهاته، والجواب الوحيد المنتظر منها هو كلمة واحدة: (تم)؛ فالنقاش ممنوع. أما الاعتراض، فهو مستحيلٌ، بل هو ضرب من ضروب الانتحار.
ما إن استلم حافظ الأسد زمام السلطة حتى بادر إلى تصفية أصدقائه ورفاقه وشركائه، قتلًا أو سجنًا أو نفيًا، ولم يُبقِ سوى على شخصين، لا يشك في ولائهما، وهما مصطفى طلاس وعبد الحليم خدام، فكان أحدهما وزيرًا للدفاع والآخر للخارجية، لكن بقيت إدارة هاتين الوزارتين بيد حافظ الأسد في جوهر العمل، ليصبح الوزيران مجرد مديرين إداريين للوزارتين، فوزير الدفاع لم يكن صاحب رأي في التعيينات الأساسية ونقل الضباط أو ترقيتهم وتسريحهم، وهي مهمة منوطة بالأجهزة الأمنية وحدها، أما الخارجية فكانت التعيينات تصدر من القصر الجمهوري، وكذلك تسمية السفراء والقناصل والملحقين.
من أهم الصفات لدى حافظ الأسد أنه كان لا يحب التغيير، وأن قراراته تتصف بالديمومة مقارنةً بغيره من الرؤساء، حيث كان يُعيّن أحدَهم في منصبٍ ما، ثم ينسى ذلك الشخص ربما عشر سنوات أو أكثر، طالما أن المُعيّن لم يتصرف على نحو يُزعج الرئيس، بل الأكثر من ذلك أن حافظ الأسد كان يكره التغيير حتى على مستوى الأثاث المنزلي، مثل “الكنبه” والهاتف وورق الجدران والسجاد، ولا يعلم أحد سرّ كراهيته للتغيير! بعض الأشخاص القلائل الذين صدف أن زاروا منزله أكّدوا أن الرجل يعاني من رهاب التغيير إلى درجة الـ (فوبيا).
مما عُرف عن حافظ الأسد أنه لم يكن اجتماعيًا، ولم يكن لديه أصدقاء شخصيون، ولم يُشاهَد، طوال ثلاثين عامًا، في مكان عام كمطعم أو مسرح أو سينما أو حتى في الشارع، لا راجلًا ولا راكبًا، وكان ظهوره مقتصرًا على المناسبات الرسمية، وحين كان يُقرر التحدث إلى الشعب، بخطاب مباشر أو مُتلفز؛ كان عدد من الشخصيات الفكرية والأدبية يُشكل ورشة عمل؛ لإعداد الخطاب، تعمل على مدار أيام، قبل أن يُصبح جاهزًا للإلقاء، بلغة سليمة متّزنة، على عكس اللغة التي يتحدث بها، والتي كانت لغة خشنة ومقتضبة وجارحة، ومن نوادر تلك الخطابات، أنْ وضع أحد كُتاب خطاباته مقولة “الشهداء أنبل من في الدنيا وأكرم بني البشر”، وهذه العبارة لطاغور، وفي صباح اليوم التالي؛ كانت جدران سورية تتزين بهذه العبارة مذيلةً بتوقيع حافظ الأسد.
حافظ الأسد والحزب:
ما قبل عام سبعين، ليس كما بعده؛ فقبل وصول حافظ الأسد إلى السلطة وتسلمه منصبَ الأمين العام لحزب البعث، كان هذا الحزب جادًا في أهدافه ومبادئه، ومع وصول الأسد للسلطة؛ بدأت نهاية الحزب، حيث تحوّل الجهاز الحزبي إلى جهاز رديف للأجهزة الأمنية، ومثالًا على ذلك: قبل السبعين كان من الممنوع على مُنتسبي الحزب أن ينقلوا ما يدور في اجتماعاتهم الحزبية إلى عناصر الأمن، تحت طائلة الفصل من الحزب، وبعد السبعين أصبح أمين الحلقة والفرقة والشعبة والفرع مُخبرين لكل الأجهزة الأمنية، بل يوافونهم بمحاضر الجلسات، وكانت الجهات الأمنية هي من يوجه العملية الانتخابية في الحزب، لصالح هذا الشخص أو ذاك، وكانت ترشيحات التعيين تصدر من الجهات الأمنية، من خلال تعليمات مباشرة لأمين الشعبة والفرع، ليقوم الجهاز الحزبي بتبنيها كمقترح للقيادة.
بعد السبعين، مات حزب البعث كحزب سياسي، وتحوّل إلى جهاز سلطة، وديكور لها، وهنا نذكر نادرة أخرى: حين كان عبد الله الأحمر يُرسل رسالة إلى حافظ الأسد، يُذكّره فيها بضرورة انعقاد المؤتمر القطري، كان الأسد يكتب على الرسالة: “يُعقد في حينه”، أي حين يقرر الأسد ذلك، وحين يرى ذلك ضروريًا.
على أي حال، كانت قرارات أي مؤتمر جاهزة قبل انعقاده، وليست ناجمة عنه، حيث كانت النقاشات مجرد شكليات يجريها “الرفاق”، يتبعها بعض التعديلات الطفيفة على مستوى التعيينات، حسب الـ “كوته” غير المعلنة التي كانت يُشرف عليها حافظ الأسد شخصيًا.
على مستوى العلاقات الدولية، كان حافظ الأسد يتعامل بحذر شديد مع جميع الدول حتى تلك التي كان يعدّها صديقة، أما على مستوى الإقليم، فكان يستخدم الإرهاب، كأحد أهم الأدوات في التعامل مع دول الإقليم، مثل الأردن والسعودية والعراق ولبنان وتركيا، حيث كانت أذرعه الإرهابية طويلة وناشطة، من حيث التفجيرات والاغتيالات.
أشهر مهارات الأسد على الإطلاق كان تصدير أزمات سورية الداخلية إلى الخارج، تارةً إلى فلسطين وتارة إلى لبنان، وأخرى إلى مصر، وشكّل من أجل ذلك، مع ثلة من الدول المماثلة، مجموعةً أسماها “جبهة الصمود والتصدي”، وهذه الدول تتشابه بأنظمتها القمعية البوليسية، وجميعها تتشابه بتصدير أزماتها الداخلية نحو الخارج.
بينما الأسد الابن، وريث سلطة أبيه، فقد فعل العكس تمامًا؛ فكانت أكبر مهارته هي أنه استورد كل أزمات العالم إلى سورية، أملًا بالاستمرار لفترة أطول في الحكم، ولكنه -وإن عاكس أباه وعمل على الاستيراد بدل التصدير- سبق والده بأشواط في الإرهاب، وفي إرهاب الدولة، وتشهد له ساحات لبنان، منذ اغتيال رفيق الحريري وما بعده من اغتيالات، وليس آخرها تجنيد الوزير اللبناني ميشال سماحة، للعمل في الإرهاب.
من الفروق الجوهرية أيضًا، أن الأسد الأب كان يُعامل إيران بندّية، ويقبض ثمن العمالة، ويُعطي لإيران مساحات محددة للتحرك، بينما الابن فتح لإيران كامل البلاد، على كل المستويات وبلا مقابل، حتى استطاعت إيران قبل الثورة التغلغل في كامل مفاصل الدولة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، بعضها بعِلم وريث السلطة، وبعضها من دون علمه، كتعامل مباشر بين إيران وبعض القيادات الأمنية، وحين نشبت الثورة، كانت إيران موجودة في كامل الاستعداد والجهوزية، وحضر مراسل قناة (العالم) كأول إعلامي، خلال أول اقتحام للجيش للمسجد العمري في درعا، وكان أول شخص ينقل إلى العالم صورةً مُشوّهة ومزيفة، بوجود إرهابيين في المسجد وسلاح ومال ودواء، علمًا بأن المليون ليرة التي شاهدها ملايين الناس، كانت تتبع للبنك التجاري السوري فرع درعا، حسب ما أفاد مدير الفرع، أما الأسلحة فقد شاهد العالم جنودَ النظام، وهم يضعون السلاح في أحضان جثث المدنيين الذين اغتالوهم، وكل تلك المسرحية كانت من إعداد إيران ومخابراتها.
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]
[/sociallocker]مشعل العدوي