جرائم روسيا شمال غربي سورية يهدد بانهيار اتفاقيات أستانة




بعد مضي أسبوع على بدء الروس والنظام السوري لحملة القصف الجوي العنيفة، والتي أعقبت فترة هدوء نسبي طويلة، في محافظة إدلب وأرياف حلب وحماة المتاخمة لها، عاد السؤال عن مستقبل محافظة إدلب خصوصاً، ومناطق “خفض التصعيد” عموماً، يتردد مجدداً. ففي حين لم يُخفِ مسؤولون في المعارضة السورية استيائهم من “مغامرة معركة حماة” وتبعاتها على محافظة إدلب وريف حلب المتصل بها، والخارج عن سيطرة النظام، فإن بعضهم أكد، في الوقت ذاته، أن “محور النظام – روسيا – إيران، انتهز فرصة ينتظرها، للانقضاض على المناطق المُدرجة ضمن اتفاقيات خفض التصعيد، في ترجمة عملية لتوجهات النظام المُعلنة في أنه يعتبر أن هذه المناطق ليست خارج أهداف حملاته العسكرية مستقبلاً”.

ويأتي هذا مع مواصلة الطيران الروسي، منذ صباح أمس الثلاثاء، حملة قصف جوي عنيف، كانت بدأت قبل أسبوع، وطاولت قرى وبلدات ومدن في محافظة إدلب خصوصاً، وريفي حلب الغربي والشمالي الغربي، وريف حماة الشمالي، وأسقطت عشرات الضحايا المدنيين، كما أنها أحدثت دماراً كبيراً، في منازل المدنيين، ومرافق حيوية للسكان، خصوصاً مستشفيات ومراكز صحية. وظهر منذ الساعات الأولى لسلسلة الغارات اليومية، أنها مُمنهجة في استهدافها لمرافق طبية، إذ أتى القصف على مستشفيات رئيسية في محافظة إدلب، فدمر بعضها وأخرج أخرى عن الخدمة، كمستشفيات الرحمة، وأورينت، والتوليد، وتلمنس، ومقر منظومة إسعاف في معرزيتا. وأحدث المراكز الطبية التي تعرضت للقصف الجوي، كانت صباح أمس الثلاثاء، عندما قصفت طائرات حربية مبنى مستشفى منظمة شام في بلدة كفرنبل جنوب مدينة إدلب، ما أدى إلى تدميره. وبحسب مختلف المصادر الميدانية شمال غربي سورية، فإن الغارات استهدفت، منذ فجر الثلاثاء، مدينة جسر الشغور وقرى حولها في ريف إدلب الغربي، ومناطق أخرى في ريف المدينة الجنوبي الشرقي، مثل سنجار، وأطراف المدينة (مركز المحافظة)، وبلدة سروج ومدينة كفرزيتا وقرى بمحيطها في ريف حماة الشمالي، بالتزامن مع قصف صاروخي من قوات النظام على بلدات كفر حمرة، ومعارة الأرتيق، ومنطقة الملاح وجمعية الزهراء غرب مدينة حلب.

وكعادتها، نفت وزارة الدفاع الروسية، أمس الثلاثاء، ما تردد عن أن طائراتها قتلت مدنيين في محافظة إدلب السورية. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، إن “القوات الفضائية-الجوية الروسية في سورية لم تقصف مناطق سكنية. تقارير المرصد (السوري لحقوق الإنسان) بالإشارة إلى شهود عيان أو متطوعين ليس لها أساس من الصحة، وتقدم تغطية إعلامية لأعمال المتمردين من تنظيم النصرة والمجموعات التي انضمت إليها”. وأشار إلى أن الطيران الروسي “قصف 10 أهداف للإرهابيين في محافظة إدلب السورية بعد طلعات استطلاعية وجمع معلومات من مصادر أخرى”، وأن “الأهداف التي تم تدميرها بعيدة عن المناطق السكنية”. وأشار إلى أن “الأهداف كانت شاركت في هجوم شنه المتشددون الأسبوع الماضي وحاصروا فيه 29 من الشرطة العسكرية الروسية تعين إخراجهم بعملية خاصة مدعومة بغطاء جوي”.

ودفعت حملة الغارات الدامية منذ أسبوع، والتي أدت إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين في إدلب وحماة وحلب، ومنهم “40 قتيلاً مدنياً أول من أمس الإثنين فقط” بحسب “الدفاع المدني السوري”، وفد الفصائل العسكرية، الذي شارك في اجتماعات “أستانة 6” التي اختتمت في 15 سبتمبر/أيلول الحالي، إلى إصدار بيان اعتبر فيه روسيا، وهي واحدة من الأطراف الثلاثة “الضامنة” لمخرجات “أستانة”، دولة “محتلة لسورية ومنحازة لنظام الإجرام، فاقد الشرعية”، مطالباً المجتمع الدولي “التحرك لإنقاذ الشعب السوري ومنع انهيار مبادئ العدالة الدولية”. وحمّلت الفصائل، في بيان وصل إلى “العربي الجديد” نسخة منه، موسكو، “مسؤولية قتل المدنيين السوريين في إدلب وحماة وحمص”، مشيرة إلى أن روسيا “شريكة لنظام بشار الأسد في قتل الشعب السوري وفي كل أعمال الدم والدمار التي لحقت بالبلاد”، وبأنها “تنسق مع المنظمات الإرهابية وتخدم أهدافها، مثلما تخدم أهداف المشروع الإيراني التوسعي الطائفي في المنطقة، وهي تهدف بذلك لإفشال وقف إطلاق النار”. وطالب البيان، الذي صدر مساء الإثنين، المجتمع الدولي “بأداء واجباته والتحرك لإنقاذ الشعب السوري ومنع انهيار مبادئ العدالة الدولية والقيم الإنسانية”.

واعتبر عضو الوفد العسكري، سعيد نقرش، رداً على سؤال لـ”العربي الجديد”، عن مستقبل اتفاقيات أستانة في ظل هذا التصعيد العسكري لروسيا والنظام في إدلب ومحيطها، والتي وضعتها مخرجات “أستانة 6” ضمن مناطق خفض التصعيد، أن وفد الفصائل العسكرية “لم يدخل في أي اتفاق مع الروس إلا انطلاقاً من مبدأ حقن دماء الشعب السوري ووقفاً للمجازر التي يرتكبها طيران النظام والطيران الروسي بحق أهلنا وشعبنا، وهذا ما تحقق بنسبة كبيرة منذ إعلان وقف إطلاق النار في 30 ديسمبر/كانون الأول 2016، لكن مع خرق الروس للاتفاق وبدء حملة اعتداءاتهم الأخيرة، فالفصائل لها الحق الكامل بالرد، وهي بدأت بذلك على أكثر من جبهة، واستهدفت قوات النظام في أكثر من مكان”. ورأى نقرش، وهو قيادي من “لواء شهداء الإسلام”، الذي كان فاعلاً في مدينة داريا في ريف دمشق، أن النظام والروس اتخذوا من معركة ريف حماة الشمالي، التي فتحتها “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى قبل أسبوع، “ذريعة أو سببا مباشرا لتجدد القصف” على إدلب ومحيطها.

وذهب رئيس الوفد الإعلامي لوفد المعارضة السورية في “أستانة 6″، أيمن العاسمي، في ذات الاتجاه، إذ اعتبر أن “الفصائل التي شنت معركة ريف حماة الشمالي قبل أسبوع في مغامرة غير محسوبة، أعطت ذريعة للروس والإيرانيين والنظام لفتح نيرانهم، وتصعيد الغارات على مناطق المدنيين في محافظة إدلب”. كما أنه لم يستبعد أن يؤدي التصعيد العسكري في حماة وإدلب إلى “فشل المفاوضات”. وقال العاسمي، لـ”العربي الجديد”، إن “الروس والإيرانيين كانوا ينتظرون ذريعة للتنصل من تعهدات أستانة”، مضيفاً إن “جهود وفد المعارضة في العاصمة الكازاخية، كانت تنصب بشكل أساسي لتجنيب إدلب مصيراً كارثياً، ولحقن دماء السوريين هناك”، مؤكداً أن “الروس كانوا تحدثوا خلال الاجتماعات بأنهم يستطيعون حرق إدلب من دون أن يحاسبهم أحد. وذهبنا إلى أستانة لتجنيب أهلنا الدمار والدماء”. واعتبر العاسمي إن “التصعيد العسكري القائم حالياً، قد يؤدي إلى انهيار المفاوضات”، مبيناً أن “الإيرانيين أساساً غير راضين عن مخرجات أستانة لأنهم يعلمون أن أي تهدئة سيتبعها حل سياسي لن يكون على مزاجهم ولا يخدم كامل مصالحهم في سورية”.

وقال مسؤول عسكري، شارك ضمن وفد المعارضة في عدة جولات من محادثات أستانة، وفضل عدم الكشف عن هويته خلال حديث لـ”العربي الجديد”، إن “محور النظام-روسيا-ايران، انتهز فرصة ينتظرها للانقضاض على المناطق المُدرجة ضمن اتفاقيات خفض التصعيد، في ترجمة عملية لتوجهات النظام المُعلنة في أنه يعتبر هذه المناطق مؤقتة، وليست خارج أهداف حملاته العسكرية مستقبلاً”، مشيراً إلى أن “بشار الأسد ووزير خارجيته، وليد المعلم، أفصحا أكثر من مرة عن أنهما يريان أن مناطق خفض التوتر مؤقتة وسيتم قضمها لاحقاً”، معتبراً أن هذا التوجه من قبل النظام، وحملة القصف على إدلب حالياً، بمثابة “إفشال لمسار أستانة خصوصاً، ومفاوضات الحل السياسي عموماً”. واتفق مع هذا الرأي المستشار الإعلامي لوفد الفصائل العسكرية في أستانة، يحيى العريضي، إذ قال، لـ”العربي الجديد”، إن “المسعى من محادثات أستانة بالنسبة لنا كان الحفاظ على حياة الناس”، مؤكداً بأن التصعيد العسكري الحالي للنظام وروسيا “يهدد مسار أستانة وربما ينهيه”.




المصدر