(غسيل أموالٍ) على الطريقة الحلبية ينتشر هرباً من عيون المخابرات




زياد عدوان: المصدر

اعتمد معظم سكان مدينة حلب خلال سيطرة كتائب الثوار على المدينة وحتى خروج الأخيرة منها، وسيطرة النظام وميليشياته على المدينة على الحوالات المالية التي كانت تساعدهم على تخطي صعوبة الحياة وارتفاع الأسعار، فشهدت المدينة خلال الثورة السورية افتتاح العشرات من مكاتب الحوالات التي أنشأها بعض التجار في مناطق سيطرة كتائب الثوار على القسم الشرقي وأجزاء واسعة من القسم الجنوبي لمدينة حلب.

وكان لتلك المكاتب المالية دور كبير في تأمين احتياجات المدنيين بعد وصول حوالاتهم المالية من دول الجوار وحتى من بعض الدول الأوروبية، وكان اعتماد معظم العائلات الفقيرة أو التي لا يوجد من يعيلها في الداخل السوري على الحوالات المالية من أقارب لهم خارج سوريا، ولكن بعد سيطرة النظام وميليشياته على مدينة حلب، أُغلقت جميع تلك المكاتب بعدما كانت وسيلة لإيصال الحوالات المالية لمعظم العائلات الفقيرة أو التي لا يوجد من يعيلها.

وبات الكثير من المدنيين الذين فضلوا البقاء في المدينة يسعون للحصول على حوالاتهم المالية بطرقٍ مختلفةٍ عما كانت عليه، وذلك من خلال تبييضها أو ما بات يعرف بطريقة غسيل الحوالات المالية، والتي يكون مصدرها من تركيا أو دول الخليج وغيرها من الدول، وأكثر ما يخيف المدنيين في مدينة حلب هو أن تتم مراقبتهم من قبل عناصر المخابرات والأفرع الأمنية عند استلام الحوالات المالية والتي تتجاوز قيمتها المليون ليرة سورية، ولكن بعد هذه الطريقة التي أصبحت متداولة بين المدنيين لم يعد هناك ما يدعو للخوف والقلق.

معظم مكاتب التحويل والحوالات المالية يمر عليها عناصر من المخابرات الجوية وأمن الدولة وغيرهم من عناصر الأمن للحصول على معلومات عن الأشخاص الذين استلموا حوالات مالية والوجهة التي أتت منها الحوالة، فضلا عن معرفة الأوقات التقريبية التي يستلم فيها شخص معين حوالاته الواردة بشكل مستمر ومعلومات عن مرسلها للتحري عن تلك المبالغ المالية التي تأتي على شكل حوالات.

ولكن لم يعد استلام الحوالات المالية كما هو بالسابق، وقد تغيرت الظروف فبعد خروج كتائب الثوار من المدينة أصبح جميع المدنيين هدفا لمخابرات النظام وعناصر الشبيحة، ولكن بحسب ما ذكر محمود خليفة لـ”المصدر” فقد تغيرت الصورة السلبية عن مكاتب الحوالات المالية عند النظام وعناصر المخابرات، حيث يقوم معظم مستلمي الحوالات المالية طريقة باتت تسمى على مستوى الشعبي “غسيل الأموال” وتقوم على إرسال الحوالة من تركيا مثلا إلى روسيا وبعد ذلك يعاد ارسالها الى دمشق ومن ثم إلى حلب.

وأضاف خليفة، وهو موظف في إحدى مكاتب الحوالات المالية الخاصة “صحيح أن الحوالات باتت تكلف مبالغ أكبر، ولكن هذا الحل يعتبر من أفضل الحلول للمدنيين الذين يخافون من الاعتقال بسبب استلام الحوالات المالية من تركيا أو السعودية وغيرها.

وأوضح مصدرنا أن بعض الأشخاص أو التجار يتعاملون مع مكاتب تحويل أموال خارجية ولكن على أن يتم تسليم تلك الحوالات المالية للمستفيدين في مدينة حلب بشكل سريّ، أو من خلال تعامله مع محال غير مختصة بالحوالات كمحال الألبسة والغذائية وما شابه، حيث تُوضع الحوالة في هذه المحال ليستلمها المستفيدون.

وتعتبر المرحلة الحالية التي تمر بها مدينة حلب من أخطر المراحل، حيث أن أحداث ثمانينيات القرن الماضي تكررت مرة اخرى ولكن على يد بشار الأسد وريث حافظ، وميليشياته التي تصول وتجول في مدينة حلب، فتعتقل كل من يثبت انه استلم حوالة مالية مصدرها تركيا أو دول الخليج وغيرها من الدول التي وقفت إلى جانب الثورة السورية وكتائب الثوار، ولكن الحاجة و العوز يجبر المدنيين على طرق ملتوية وعلى عدة أمور تجعلهم يستلمون حوالاتهم المالية حتى لو كانت من أمريكا ولكن بعد خسارة جزء من المبلغ والذي يكفي لإمضاء خمسة أيام من المعيشة والتي أصبحت مكلفة للغاية بسبب ارتفاع الأسعار وطيران أسعار بعض السلع الغذائية ومعظم أنواع المونة التي خلت من بيوت أغلب سكان الجزء الشرقي لمدينة حلب إلا ممن كانوا يعملون لصالح قوات النظام أو مع شبيحته.

في السياق، يتحدث “أبو صلاح”،  وهو مالك إحدى محال البقالة في إحدى أحياء حلب الشرقية، قائلاً “أصبحنا نتعامل بطرق جديدة وهي أن يتم ارسال المبالغ المالية المرسلة من تركيا إلى مصر وبعد ذلك بفترة أسبوع يتم ارسالها إلى حلب، على ألا تكون مبالغ مالية كبيرة، وقد تصل بعض الحوالات المالية أولا إلى مكاتب الحوالات في وسط مدينة حلب حيث التواجد الأمني المكثف وبعد ذلك نحصل عليها ونقوم بتوزيعها بحسب الإشعارات التي تأتينا عبر (الوتسأب)، ودائما يكون تعاملنا مع الأشخاص الموثوق بهم و المضطرين، ولا نأخذ مقابل هذه الحوالات المالية مبالغ كبيرة لقاء تسليمها لأصحابها نظرا لمعرفة الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها هؤلاء المستفيدين”.

ويعتبر تضييق الخناق على المدنيين في المناطق التي خرج منها كتائب الثوار من أولويات عناصر الشبيحة والميليشيات بالإضافة لعناصر المخابرات والافرع الأمنية الذين يقومون بدوريات مستمرة من أجل متابعة تلك الأحياء وتضييق الخناق على المدنيين الموجودين فيها، وهو ما يشبه تجول عناصر الأمن والمخابرات بعد انتهاء أحداث ثمانينيات القرن الماضي في الأحياء التي ثارت على حكم الأسد الأب والتي وصلت لدرجة محاربة لقمة عيش المدنيين في أحياء حلب الشرقية والجنوبية بعد احتضان كتائب الثوار خلال السنوات الماضية.




المصدر