‘واشنطن بوست: الحرب السورية لم تنتهِ بعد ولكن النهاية تقترب’

27 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
11 minutes

بعد ست سنواتٍ من اندلاع التمرد المسلح الذي هدف إلى إطاحة الرئيس بشار الأسد، تتعثر الحرب السورية صوب النهاية؛ الأمر الذي يثير العديد من الأسئلة من دون ردٍّ، وما يزال يتعين خوض العديد من المعارك، ولكن هناك حلًا من نوعٍ ما.

لقد كان واضحًا منذ سنواتٍ أنَّ الأسد سيفوز في المعركة، على الأقل منذ عام 2015، عندما تدخلت روسيا لدعم جيشه المتهاوي، وربما قبل ذلك بوقتٍ طويل، بعد أنْ فشل المتمردون في الاستفادة من زخمهم المبكر.

كان واضحًا أيضًا لبعض الوقت غياب التصميم من جانب المجتمع الدولي، لمنع انتصار الأسد، ربما في وقتٍ مبكر من فشل محادثات السلام الأولى في جنيف في عام 2014، وبالتأكيد منذ استعادة الحكومة لحلب، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، الاستعادة التي بشرّت بانهيار دبلوماسية إدارة أوباما.

يجري الآن تدعيم هذه الوقائع، مما يبرز الخطوط العريضة الواضحة لنهاية اللعبة. “إن الحرب -كما عرفناها- انتهت، وما تبقى الآن هو تقسيم الكعكة”. كما قال جو ماكارون، المحلل في مركز السياسة العربية في واشنطن.

في ظل السيناريو الذي بدأ يظهر، يبقى الأسد في السلطة إلى أجلٍ غير مسمى، وليس هناك تسوية سياسية ذات معنى لإزالة الأسد أو استبداله، بينما تستمر الحرب بالطحن.

إنَّها نظرة قاتمة، تتنبأ بسورية غير مستقرةٍ غارقة في صراع أقلّ حدةً على الأقل لسنواتٍ مقبلة، وبلداتها ومدنها في حالة خراب، وشعبها غارق في فقره، واقتصادها يعاني من نقص التمويل الذي يحتاجه إلى إعادة بناء البلاد.

ومع ذلك، فإنه يشي ببعض الوضوح لمصير النظام، فهو الآن تحت ضغطٍ أقل من أيّ وقتٍ مضى، لتقديم تنازلات أو تنفيذ الإصلاحات؛ وللمرة الأولى منذ عام 2012، يسيطر على غالبية البلاد أكثر من أيّ من الفصائل الأخرى المتنافسة على الأراضي.

إنَّ قرار إدارة ترامب بقطع المساعدات عن المتمردين السوريين، والإشارات من المجتمع الدولي التي أوضحت تخليه عن إصراره على عملية انتقالٍ تؤدي إلى رحيل الأسد، والنجاح النسبي لمبادرةٍ روسية في وقف إطلاق النار، ساهمت كلها في الشعور بأنَّ الحرب، إنْ لم تنته، فهي تدخل على الأقل مرحلةً لم يعد فيها بقاء الأسد موضع شكٍ.

يمكن لبعض المعارك المتبقية أنْ تُدخل سورية في دوامةٍ غير متوقعة. فما بدأ كقمعٍ وحشي للمتظاهرين السلميين، ثم تحول إلى حرب مستعرة قد يتحول الآن -مرةً أخرى- إلى تدافعٍ دولي للتأثير على زوايا البلاد التي ما تزال خارج سيطرة الحكومة.

قد يكون مصير المنطقة الشمالية الشرقية التي يسيطر عليها الأكراد، حيث نشر الجيش الأميركي قواته، وأقام قواعده بهدف محاربة (داعش)، موضع قلقٍ كبير. فالولايات المتحدة لم تلتزم بالبقاء في سورية بعد هزيمة (داعش) لحماية المنطقة الكردية الموسعة. بينما تعهد نظام الأسد بإعادة المنطقة إلى سيطرة الحكومة، من خلال الذهاب إلى الحرب، إذا لزم الأمر مع الولايات المتحدة، و(قوات سورية الديمقراطية) التي يقودها الأكراد.

وقد يؤدي التوتر المتصاعد، بين (قوات سورية الديمقراطية) المدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها المحليين وبين القوات الحكومية المدعومة من روسيا وإيران، في محافظة دير الزور الصحراوية الشرقية؛ إلى اندلاع مواجهةٍ أوسع، إذا ما فشلت المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا لتقسيم ساحة المعركة.

إنَّ نيّات (إسرائيل) غيرُ واضحةٍ، حيث ترى إمكانيةً لوجود إيران إلى أجلٍ غير مسمى على حدودها الشمالية مع سورية، في شكل المستشارين الإيرانيين، والميليشيات المتحالفة مع إيران، الذين أتوا إلى المنطقة لقمع التمرد. تصعّد (إسرائيل) الضربات الجوية ضد (حزب الله)، والأهداف الإيرانية في سورية في الأسابيع الأخيرة، وعلى الرغم من أن الحكومة امتنعت حتى الآن عن الرد؛ إلا أنَّ ذلك قد يتغير مع تزايد ثقة الأسد.

رجل يركب دراجته أمام صورة للأسد مكتوب عليها: “حلب في عيوني”،  في 12 أيلول/ سبتمبر. (ماكس بلاك/ أسوشيتد برس)

إنَّ وجود الآلاف من مقاتلي (القاعدة)، في محافظة إدلب الشمالية الغربية، يجعل من المحتمل أنْ يكون هناك على الأقل جولة رئيسة أخرى من القتال. وما تزال هناك جيوب من الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في سورية، في ضواحي دمشق، وعلى طول الحدود الأردنية التي سيتعين استعادتها، أو إجبارها على التوصل إلى تسوية.

لكن من الصعب تصوّر أن أيًّا من هذه المعارك تتحدى مباشرة سيطرة الأسد على دمشق، كما يقول المحللون. حيث تحكي الخريطة قصة الحكومة التي تسيطر بشكل متزايد على البلاد، فهي تسيطر الآن على جميع المدن الكبرى، وعلى 70 في المئة من السكان، وهي محميةٌ، عبر تحالفها مع روسيا وإيران.

قال السيد صايغ من مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط: “بالنسبة إلى النظام، كانت القضية دائما مسألة نجاته، وقد فعل كلَّ ما كان عليه القيام به لضمان بقائه”. وأضاف: “لم يبق سوى عدد قليل من المناطق في إدلب والشرق، وهذه لا تزال غير معروفة، لكني لا أعتقد أنها ستغيّر الاتجاه العام”.

كان الأسد نفسُه حريصًا على عدم إعلان النصر. وفي خطاباتٍ أخيرة، أكدَّ على التهديد المستمر الذي يشكّله أعداءُ سورية الغربيون، وحلفاؤهم “الإرهابيون”، وضرورة مواصلة القتال حتى تتم استعادة سورية كلَّها.

“إنَّ الحديث عن إحباط المشروع الغربي في المنطقة لا يعني أننا انتصرنا. لقد فشلوا، لكن المعركة ما تزال مستمرة”، كما قال الأسد في تجمعٍ للدبلوماسيين الأجانب الأصدقاء في دمشق الشهر الماضي. وأضاف: “علامات الانتصار موجودة، لكنَّ العلامات شيء، والنصر نفسه شيء آخر”.

قال جهاد يازجي، وهو خبيرٌ اقتصادي سوري، ورئيس تحرير التقرير السوري: إنَّ السلام سيجلب ضغوطًا جديدة على الأسد لتحقيق مكاسب لأنصاره في شكل إعادة إعمار، وإحياء للاقتصاد. وهذا يمكن أن يكشف عن تحدّ أكثر صرامة من الفوز بالحرب. التطورات غير المنظورة، مثل المعارضة بين مؤيديه، قد تدفع نحو مسارٍ مختلف.

وتابع موضحًا: “عندما يفوز، ويدرك ناخبوه أنَّ الحرب انتهت؛ ستكون هناك توقعات جديدة غير قادرٍ على تلبيتها”. وأضاف: “لن يكون لدينا أيّ شيء قريب من المصالحة، في ظل غياب المال”.

ولكن في غياب أيّ عملية سلامٍ دولية ذات مغزى، ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الأسد سيشعر بأنّه مجبرٌ على تقديم تنازلاتٍ سياسية، يُحتمل أنْ تؤدي إلى تقليص سلطته. عملية السلام في جنيف، التي بدأتها الولايات المتحدة عام 2012، عندما بدا كما لو أنَّ المتمردين على وشك الفوز، تتيه الآن في غياهب المجهول.

يتم ملء الفراغ من خلال مبادرةٍ بقيادة روسيا، تتكشف على بعد آلاف الأميال في عاصمة كازاخستان، أستانا. حيث أسفرت تلك المحادثات بالفعل عن مجموعةٍ من اتفاقات تخفيف حدة التصعيد التي خفضت العنف إلى حد ما.

كما تضغط موسكو باتجاه مجموعةٍ من الإصلاحات التي من شأنها أنْ تدخل أعضاء المعارضة إلى الحكومة، وتجمّد خطوط الجبهات، وتمنح المتمردين درجةً من الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها حاليًا، وتعيدهم في نهاية الأمر تحت رعاية الحكومة المركزية من خلال عملية تصالح. وبموجب الخطة الروسية، سيرشَّح الأسد لولايةٍ ثالثة، مدتها سبع سنوات، عند موعد الانتخابات عام 2021.

قال دبلوماسيون غربيون يزورون دمشق، ويلتقون بالمسؤولين الروس: إنَّ روسيا حريصةٌ على التوصل إلى تسويةٍ سياسية تحقق إجماعًا واسعًا، وتفتح إمكانية الحصول على التمويل الدولي لإعادة الاعمار، وشرعنة وضع الأسد، ودور روسيا في سورية. وقال دبلوماسيٌّ غربيّ رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه لمناقشة مواضيع حساسة: “إنَّ شرعنة النظام شيءٌ مهم جدًا بالنسبة إلى الروس، وهذا لن يحدث مع النظام الحالي”. وأضاف شارحًا: “شرعنة النظام ضرورية لروسيا لتهيئة بيئةٍ آمنة سياسيًا لوجودها”.

ما تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها يصرّون على عمليةٍ سياسية جوهرية، تضعف على الأقل سلطة الأسد، عملية أيدّتها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، كشرطٍ مسبق للإسهام في جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاج إليها سورية.

وقال بيانٌ صادرٌ عن وزراء خارجية 16 دولةٍ عربيةٍ وغربية، من بينها الولايات المتحدة، في ختام اجتماعٍ حول سورية، في نيويورك الأسبوع الماضي: “إنَّ دعم الإنعاش، وإعادة الإعمار لسورية يتوقف على عمليةٍ سياسيةٍ ذات صدقية تؤدي إلى انتقالٍ سياسي حقيقي، يمكنْ أنْ تدعمه غالبية الشعب السوري”.

لكن في خطابٍ له في آب/ أغسطس، أوضح الأسد المتحدي باستمرار أنَّه لا يتوقع، أو لا يريد مساعدةً من البلدان التي ساعدت التمرد. وقال: إنَّ سورية ستعتمد على أصدقائها الحاليين، وستنظر شرقًا إلى آسيا، لتمويل إعادة الإعمار. وأضاف: “لنْ نسمح للأعداء والخصوم بأن يحققوا، من خلال السياسة، ما فشلوا في تحقيقه، من خلال الإرهاب”.

قال أرون لوند من مؤسسة القرن Century Foundation: ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنَّ الأسد سيوافق على أيّ شيءٍ أكثر من إصلاحاتٍ تجميلية، لنْ تنتهكَ سلطته. وأضاف موضحًا: “خسر الأسد نصف البلاد، ونصف حلب، وأجزاء من دمشق، ولم يتزحزح. الآن، وبعد أنْ استعاد أكثر من هذا؛ فإنَّ من السخرية أنْ نفكر بأنّه سيتراجع”.

اسم المقالة الأصلي
The Syrian war is far from over. But the endgame is already playing out.

الكاتب
ليز سلاي، Liz Sly

مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 25/9

رابط المقالة
https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-syrian-war-is-far-from-over-but-the-endgame-is-already-playing-out/2017/09/24/4361a55e-9d67-11e7-b2a7-bc70b6f98089_story.html?utm_term=.dbb8594174a5

عدد الكلمات
1297

ترجمة
أحمد عيشة

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

أحمد عيشة