on
“في البدء كانت الخاتمة”: قصص من بلغاريا المتعدّدة
لا يختلف الأدب في أوروبا الشرقية عن غيره في بلدان العالم الثالث، حيث لا يُترجم غالباً إلى ثقافات أخرى من دون الاعتراف به ومروره عبر المركز الغربي، ويبدو لافتاً أن عددا من كتّابها، خاصة من بلدان الاتحاد السوفييتي سابقاً، نُقلت أعمالهم إلى العربية في موسكو أو بدعم وتوجيه منها، لكن ذلك كلّه توقّف عقب المرحلة الشيوعية.
بلغاريا ليست استثناءً عن هذه القاعدة، بل إن أحداً من المترجمين العرب لم يهتمّ بأبرز كتّابها إلياس كانيتي (1905-1994)، الذي كان يحمل الجنسية الألمانية وكتب بلغتها وحاز جائزة نوبل عام 1981، فلم تُترجم أي من أعماله الروائية، واكتُفي بكتابه “أصوات مراكش” الذي يتناول رحلته إلى المغرب، ومسرحيته “المرقّمون”، ومؤلّفه النقدي “محاكمة كافكا الأخرى”، وقليل من شذراته.
من هنا، يبدو لافتاً صدور كتاب “مختارات من القصة البلغارية: في البدء كانت الخاتمة”، مؤخّراً عن “دار البيروني” في عمّان، نقلها إلى العربية وقدّم لها المترجم الأردني الفلسطيني خيري حمدان المقيم في العاصمة البلغارية صوفيا.
46 قاصاً وقاصة يمثّلون اتجاهات مختلفة، حظي بعضهم بترجمة أكثر من نص له، مع إرفاق نبذة عن تجربة كلّ واحد منهم، في هذه المنتخبات القصصية التي تُنشر بعد عام من صدور كتاب “الرياح بعثرت كل كلماتي”، وهو مختارات نقلها حمدان من الشعر البلغاري.
تعكس النصوص المختارة التيارات الجديدة، حيث اقتصرت على ثمانية كتّاب ولدوا قبل منتصف القرن الماضي، بينما تغطي البقية جميع الأجيال التالية، ما يمنح الدارسين فرصة الاطلاع على مراحل عديدة عاشها الأدب البلغاري، بدءاً من نصوص نيكولاي خايتوف (1919-2002) التي تركّز على التنوّع الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع وتناقضاته، مروراً بنماذج لفكتور باسكوف، ويوتو باتسوف، و كراسيمير داميانوف، وبنكا بانغوف، الذين ظهرت قصصهم بدءاً من السبعينيات، وتتفاوت بين تسجيلها للواقع، أو ذهابها إلى عالم الحيوان، أو انتقادها للحكم الاشتراكي الذي عاشوا خلاله ردحاً من حياتهم، وصولاً إلى كتّاب ينتمون إلى تجارب ما بعد حداثية، تهمين عليها نزعة فلسفية واقتصاد لغوي، وتركيز على تقنية ما وراء القصّ.
يُفتتح الكتاب بقصة “المهنة-جلاد” لـ ألِك بوبوف (1966)، الذي يعدّ أحد أبرز كتّاب الرواية والمسرح والقصة في بلاده حالياً، حيث يروي كيف تتبّع بطل قصته إعلاناً في صحيفة، يقضي بدفع المرء مبلغاً معيناً إلى قاتل ليقطع رأسه بشكل لا يخالف القانون.
أما “في البدء كانت الخاتمة” لـ باسكوف التي اختيرت عنواناً للكتاب، فنتابع حكاية إطلاق محرّرٍ النار على كاتب، وهي نهاية تتكرّر في العديد من قصصه. باسكوف الذي كان يعمل عازفاً، استفاد من مزج عوالم الموسيقى ومصطلحاتها في كتابته القصصية.
تظهر خصوصية بلغاريا في عدد من القصص، التي تتحدّث عن تركيبتها الثقافية والاجتماعية وتداخلها مع ثقافات تركية وألبانية، وموقعها الجغرافي في شرق البلقان على حدودها مع آسيا، وكذلك تداخل الإسلام والمسيحية في تشكيل تاريخ البلاد، وحياتها المعاصرة اليوم، بحسب مقدّمة المترجم.
المصدر