كارثة النظام ومعضلات المعارضة



من العناوين المُلحّة التي تفرض النقاش المفتوح والصريح، معضلةُ المعارضة السورية وإشكاليتها التي لن تُخرجها من مأزقها أحاديثُ نظرية مجردة. تكفينا نظرة إجمالية إلى واقعها وأدائها، قبل الانخراط في عملية المفاوضات بنسخها الكازاخية والسويسرية؛ لنتبين جدية المسألة، وتعقدها، وتشظيها إلى ما بات يُعرف بمنصات موسكو – القاهرة، أو الائتلاف والمجلس الوطني، فضلًا عن التشكيلات العسكرية المرتبطة بغرف “مركزية” للإدارة والتوجيه و”التمويل”.

حقائق، من الخطأ التغافل عنها، أو تمويه النقاش فيها، بالاختباء خلف شعار معارضة النظام والحديث عن كارثته، في الوقت الذي يغرق فيه النظام بمجمل الكوارث؛ ومن الواجب تناول واقع وأزمة المعارضة السورية. تختلف بالطبع تجليات أزمة المعارضة وأخطائها، إلا أنها -في معظم الأحيان- تتقاطع مع الجذور المنهجية والمعرفية التي غرفت منها والنظام في آن واحد؛ الأمر الذي يدفعنا إلى القول إن الأزمة التي تعيشها المعارضة السورية ليست وليدة الثورة، بقدر ما هي مكتشفة معها، إنها وليدة المناهل المجتمعية الاقتصادية والسياسية القمعية والمشوهة.

الوضع الذي آلت إليه المعارضة السورية هو نتاج موازين قوى، تميل بمجملها لصالح الطرف الآخر الذي تواجهه المعارضة والشعب السوري، هذا الاختلال يعدّ بدوره نتاج تراكم تاريخي يعود إلى أكثر من عامل، من بينها التفاوت في القدرة على استثمار مكونات القوة، لدى طرف واحد من الصراع الذي وظّفه النظام في حدوده القصوى، ومن ثمّ؛ بروز العقلية التي تُدير الصراع مع النظام، كقوى معارضة عاجزة أحيانًا عن توظيف عناصرها السياسية والبشرية والاقتصادية، ولا أحد يُنكر أو يُناقش اعتباطًا أهمية وإمكانية الإقدام على المساومة في مرحلة معينة، لكن هذا لا يلغي مشروعية التساؤل عن جدوى المفاوضات وصحتها الاستراتيجية المرتبطة بمحدداتها الموضوعية والذاتية التي تحكمها، بما في ذلك أداء القوى التي تخوض غمار التفاوض والقتال.

هنا يبرز السؤال المُلح: هل كانت النتائج والصيغ المعروفة الخيارَ المناسب والوحيد أمام المعارضة السورية، والحالة العربية والدولية في أسوأ حالاتها ارتباطًا بقضية الشعب السوري؟ وهل النظام في أحسن حالاته المادية والمعنوية؟ طبعًا لا؛ لأنها نتائج معظمها لا يرتبط مباشرة مع الواقع ونواظم الصراع، ولا النظام في ذروة تقدمه يمكن أن يكون حاسمًا، بتخطي كل الدمار، والكوارث التي خلفتها منهجيته.

التنبيه إلى هذه النواظم ليس بقصد إزاحة النقاش عن العنوان المحدد، إنما للفت النظر إلى أن كل ما يجري يقع ضمن مسارات قسرية ذاتية وموضوعية، بمعنى أن حالة الثورة السورية الراهنة والمعارضة السورية حالةٌ، تتكئ على مقدمات واختلالات تاريخية وميزان قوة مختل بدوره، وواقع وظروف تراكمت باستمرار؛ وترتب عليها اندلاع ثورة السوريين، ومجموع النتائج التي نعيشها راهنًا لا يمكن معها إغفال الحال الصعبة والمستحيلة المستولدة لثورة ضد نظام تميل كل الاختلالات لصالحه، وأدت إلى إفقاد الثورة والشعب الكثيرَ من عوامل الإسناد والدعم.

عناصر القوة القائمة والكامنة، في قدرة الشعب السوري على فرض تطلعاته، ومواجهة براميل الأسد، وضغوطات المجتمع الدولي، هي مواجهة جدية وخطيرة على أكثر من صعيد، في حالة الصراع مع نظام أخطبوطي المصالح والوظائف بصورة مذهلة، عرّت الثورة السورية كلّ أذرعه، فما الذي يتبقى بعد كل هذا الانكشاف وجفاف التشخيص الذي أشبع على مدار عقود، وتكرس في سنوات الثورة؟ لم يبقَ سوى العمل على تأسيس مهمات قادمة، واعتبار ما مضى من صراع منصةً، تنطلق منها المعارضة لإجراء جردة حساب سريعة، في جوانب الإخفاق والنجاح، كإطار مرجعي لخطواتها المستقبلية، بما يتوافق مع جملة التضحيات المبذولة. من دون هذه العناصر؛ لا يمكن مجابهة كارثة إدامة وجود النظام وحلفائه من المحتلين الجدد، والخروج من عنق أزمة المعارضة على اختلاف مسمياتها ومنصاتها ومرجعياتها.




المصدر
نزار السهلي