واشنطن بوست: بعد الانتخابات، تواجه ديمقراطية ألمانيا أصعب اختبار لها منذ 1949



ألمانيا، بلدي، إنه يوم حزين، بالنسبة إليك، وإليّ، وإلى الديمقراطيين في جميع أنحاء الغرب.

في انتخابات ألمانيا الوطنية الصادمة؛ دخل حزبٌ يميني متطرف البرلمان الاتحادي، للمرة الأولى، منذ أكثر من نصف قرن. فشل حزب (البديل من أجل ألمانيا) الذي تأسس عام 2013، في تجاوز عتبة 5 في المئة في انتخابات ذلك العام؛ إلا أنه اكتسب الآن نحو 13 في المئة من الأصوات؛ ليصبح ثالث أكبر قوةٍ في البوندستاغ: البرلمان الألماني.

عوقب الحزبان الحاكمان في الائتلاف الكبير الحالي –(الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ)، حزب المستشارة أنجيلا ميركل، و(الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، حزب منافسها مارتن شولتز- على نحوٍ وحشي: إذ حصلت ميركل على أسوأ نتيجةٍ شخصية لها بنسبة 33 في المئة، حيث شهد الحزب الديمقراطي المسيحي البافاري، شقيق الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي أسوأ نتائج لهم على الإطلاق منذ عام 1949. وفي الوقت نفسه، استفادت الأحزاب الصغيرة عمومًا: عاد الليبراليون بعد توقف لمدة أربع سنواتٍ بنسبة 10.7 في المئة، والخضر، وكذلك الحزب اليساري بنحو 9 في المئة. وبلغت نسبة مشاركة الناخبين 77 في المائة، وهي نسبةٌ أعلى بكثير من نسبة الانتخابات السابقة، منذ أربع سنوات مضت، ولكن ذلك لم يساعد الأحزاب الديمقراطية.

هذا انقطاعٌ في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب. وفي فترة ولايتها الرابعة، لن يكون أمام ميركل الضعيفة أيُّ خيارٍ آخر سوى تشكيل تحالفٍ ثلاثي غير مسبوقٍ وصعب، بين حزبها الديمقراطي المسيحي، والليبراليين (الحزب الديمقراطي الحر)، والخضر؛ مستبعدًا بالفعل ائتلافًا كبيرًا آخر. وقد أوضح الليبراليون أنَّهم يريدون سياسةً أكثر تقييدًا ​​للهجرة، ويشككون من الاندماج مع الاتحاد الأوروبي؛ ما يعني ضربةً للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي وضع آماله في تجديد الشراكة، بين باريس وبرلين، لتنشيط الاتحاد الأوروبي.

قيادة الخضر سوف تتصارع مع الجناح اليساري المتطرف الشرس الذي يفضل أنْ ينتهي على أنْ يساوم. لذلك نتوقع أنْ تستمر مفاوضات الائتلاف حتى كانون الأول/ ديسمبر على الأقل؛ ما يعني بقاء ألمانيا متضاربة منطوية، وغير حاضرةٍ في المناقشات الدولية.

في الوقت نفسه، فإنَّ هذه النتيجة تهيئ لمعركةٍ من أجل خلافة ميركل، ومعركةٍ قاسية على السلطة بين معسكرها من الحداثيين المعتدلين، وهؤلاء في حزبها الذين يريدون رسم مسارٍ محافظ أكثر قوةً؛ ما سيضفي نغمة الكآبة على النقاش السياسي الألماني، ويخلق الاستقطاب في البلاد، وربما يغيّر مشهد الحزب السياسي إلى الأبد. إن مستقبل الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا هو موضع مساءلةٍ لم يسبق له مثيل.

يُعدّ تصويت الأمس في البلاد، الذي عُدّ منذ شهورٍ أنّه حصنٌ قوي ضد موجة الشعبوية، على أنَّه تشجيع من قبل الحركات الشعبوية التي فقدت شعبيتها، في انتخابات هذا العام في هولندا وفرنسا، وكذلك اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأميركية، ولا بدَّ أنْ يكون الكرملين الذي كانت أجهزة دعايته الرسمية وغير الرسمية تروّج بشكلٍ متعمد، من أجل حزب (البديل من أجل ألمانيا)، مزهوًا بالنتيجة.

لن يكون هناك شكٌ في ذلك؛ فـ (البديل من أجل ألمانيا) ليس بديلًا عن أيّ ديمقراطيّ. إنّه حزبٌ عازم على الاضطراب والدمار، وهو يسعى إلى هدم إجماع سياسة الوسط لبلدي في مرحلة ما بعد الحرب، والتزامه بعد الحرب بالتكفير عن الحرب العالمية الثانية، والمحرقة، والمصالحة مع ضحاياه. وبرنامجه وطني، وكاره للأجانب، والتكامل المناهض لأوروبا، والمناهض لحلف شمال الأطلسي، والمناهض للغرب، والإسلام، والمؤيد علنًا لروسيا.

لقد تمكّنت قيادة اليمين من أجل ألمانيا -وهي التي كانت راضية عن الإشارات الواضحة إلى اليمين المتطرف، ومع رفضها أن تنأى بنفسها عن العناصر الأكثر عداءً للإسلام، والسامية في الحزب- من مضاعفة عدد مؤيديها تقريبًا في غضون شهرٍ مع هجوم عدواني، وحملة كسر المحرمات عمدًا على جميع الجبهات. على وسائل الاعلام الاجتماعية، طوّرَ حضورًا مؤثرًا (بدعم، على ما يبدو، في المدى النهائي من قبل الروبوتات الروسية الموجهة).

في الشارع، أكد (البديل من أجل ألمانيا) على إرسال المتظاهرين “الزعران” إلى كل أماكن اجتماعات المستشارة. وفى أول خطابٍ له بعد الانتصار على التلفزيون الوطني، وعد زعيم الحزب ألكسندر غولاند “بمطاردة الحكومة” وبـ “استعادة بلادنا”.

والديَّ اللذين هما الآن متوفيان، كانا سيصابان بالرعب لو أنهما رأيا أو سمعا ما يحدث ويقال. والدي الذي ولد في عام 1927، تم تجنيده في قوة الدفاع (الفيرماخت)، وهو في السادسة عشر من عمره؛ والدتي التي ولدت في عام 1933، وطُردت من برلين وهي طفلة. كانوا جزءًا من جيلٍ احتقر النازيين، وأعادوا بناء بلادهم كديمقراطيةٍ قوية حتى لا تستسلم مرةً أخرى للإغراء الشمولي. وكان من دواعي فزعهم أن يعرفوا لغة اليمين من أجل ألمانيا وأفكاره، وهي إشاراتٌ متعمقة لأكثر العصور ظلامًا في ألمانيا. إنني أرتجف من العار؛ لأن أرى كيف يشعر اليهود والمسلمون الذين يعيشون في ألمانيا اليوم.

ومع ذلك؛ من المهم أنْ ننظر إلى الأسباب الدقيقة التي جعلت الناس يصوّتون لصالح (البديل من أجل ألمانيا). نجت ألمانيا من الهجمات الإرهابية الكبرى، مفتقرةً إلى العمالة الكاملة والفوائض القياسية؛ وقد أخرَّها تدفق اللاجئين غير المنضبط إلى حد كبير، لكن أكثر من ثلثي المستطلعين في استطلاعات الرأي قالوا إنَّهم قلقون من الإرهاب، والجريمة، والهجرة؛ ما يدل على أنَّهم لا يزالون قلقين بشأن دمج أكثر من مليون لاجئٍ من المحتمل أنْ يبقوا في ألمانيا. ومن الجدير بالذكر أنَّ ثلثيّ ناخبي (البديل من أجل ألمانيا) قالوا إنَّهم أدلوا بأصواتهم كإجراءٍ احتجاجي، وليس كإجراءٍ ناتج عن ثقة.

هذا -للأسف- يكشف صراحةً عن عدم قدرة الائتلاف الكبير، وعن عجز ميركل، على التحدث مع الألمان العاديين، وتهدئة مخاوفهم حول قدرة المؤسسات، والمجتمع المدني على مواجهة التحديات التاريخية. اكتسب (البديل من أجل ألمانيا) 1.2 مليون ناخب جديد، نصف مليون صوت من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وما يقرب من مليون صوت من الاتحاد الديمقراطي المسيحي.

ستضم الهيئة التشريعية المقبلة 94 نائبًا من هذا الحزب القوي، (البديل من أجل ألمانيا)، حيث الكثير منهم من دون خبرة حتى في الحكومة المحلية. وقد أنفقتْ قيادته كثيرًا من حضورها الذي دام أربع سنواتٍ، باقتتالٍ مفرط. وقد أظهرت التجربة مع أداء هذا الحزب في البرلمان الأوروبي و13 من 16 مجلس تشريعي في الولايات أنَّه ليس في معظمه مستعدًا ولا قادرًا على المشاركة، بشكلٍ بناءٍ، في أعمال التشريع والحكم.

ومع ذلك، فالمعركة هي خسارة للديمقراطيين. ويجب على السياسيين، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني أنْ يتعلموا مقاومة المحاولات المستمرة لهذا الحزب التي يبذلها لإثارة الجدل وإبعادهم عن حل المشكلات. وعليهم أنْ يتعلموا محاربة أعداء الديمقراطية بشأن القضايا، وليس الاقتصار على الشعارات؛ على أسسٍ موضوعية، وليس على الأخلاق. ويحتاجون إلى معالجة المخاوف التي دفعت نحو 13 في المئة من الناخبين الألمان إلى أحضان حزبٍ يميني متطرف، ولكن ليس من خلال تبني مواقفه. هذا يجب أنْ يكون نهاية اللامبالاة النائمة التي كثيرًا ما أغضبت حتى الأصدقاء.

من دون شك، هذا هو أصعبُ اختبارٍ للديمقراطية الألمانية أشهده في حياتي، ربما من تاريخ الجمهورية ما بعد الحرب، وسيتطلب الأمر جهدًا كبيرًا، ولكنني أعتقدُ أنَّ مؤسساتنا، ومجتمعنا المدني أقوياء بما فيه الكفاية. ونحن مدينون لأنفسنا، ولجيراننا، وحلفائنا، وإلى زملائنا الديمقراطيين في جميع أنحاء العالم.

اسم المقال الأصلي After the election, Germany’s democracy faces its hardest test since 1949 الكاتب كونستانز ستيلزينموللر، Constanze Stelzenmuller مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 25/9 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/news/global-opinions/wp/2017/09/25/after-election-result-germanys-democracy-faces-its-hardest-test-since-1949/?utm_term=.64783ad48573&wpisrc=nl_todayworld&wpmm=1 عدد الكلمات 1036 ترجمة أحمد عيشة




المصدر
أحمد عيشة