العدوان الروسي على سورية: إلى متى؟



تُثير الذكرى الثانية لبدء العدوان الروسي على سورية، الذي بدأ 30 أيلول/ سبتمبر عام 2015، الكثيرَ من التساؤلات؛ لعلّ أبرزها هو عن طبيعة وجهة النظر الدولية والإقليمية، حول مآلات بقاء الروس في سورية، بعد أن وقعوا مع النظام السوري اتفاقًا طويل الأمد يقضي ببقائهم في البلاد إلى ما يزيد عن 50 عامًا. وهل من نهاية -في المنظور القريب- للوجود الروسي في سورية؟

يقول نائب رئيس (حزب وعد) عبد السلام بيطار: إن “الشعب السوري لا يعدّ النظام شرعيًا؛ وبالتالي كلّ ما صدر عن نظام الأسد من عقود هو باطل، وليس له أي أهمية أو قيمة، وكما خرج من قبلُ كل المستعمرين، سيخرج الروس وغيرهم”، مضيفًا في حديث لـ (جيرون) أن “القضية تعتمد على مدى توافق واتفاق مكونات الشعب، وتلاحمها، فالشعب هو من يتحكم في زمن بقاء الروس وغيرهم، وإلا؛ فإن للروس أطماعهم في سورية كما لغيرهم. إن بقينا ضعافًا؛ فسيمكثون أطول فترة”، واستدرك: “لكن لا أرى ذلك، بحسب معطيات الشارع السوري المصمم على زوال بشار. الشعب لن يسمح بذلك”.

بدوره، قال محسن حزام، وهو كاتب سوري معارض: إن “التدخل كان سببًا مباشرًا في تعديل ميزان القوى على الأرض (من منظور عسكري) لصالح تمدد قوات النظام وحلفائه على حساب المعارضة المسلحة، وما زال هذا التمدد ينسحب حتى اليوم على خلفية محاربة الإرهاب، من خلال نتائج أستانا، ومناطق تخفيف التصعيد”.

وأضاف لـ (جيرون): “إذا أردنا أن نتعامل مع منطق الاحتلال؛ فهو يتشارك مع حالات احتلال لأرض الوطن مع الأميركي والإيراني، لكل منهم مشروعه وحساباته وغاياته”، وعدّ أن “بقاء الروسي طويل الأجل، من خلال القواعد العسكرية والاتفاقات التي تؤمن له البقاء على منفذ البحر المتوسط، لما له من منافع جيوسياسية، لذلك يحاول -خدمةً لمشروع بقائه- إعادة تأهيل النظام، وإدماجه في المسار السياسي من منطلق الوقائع على الأرض، وأنه لا يرى هناك بديلًا موضوعيًا من المعارضة، يحقق له هذه الغاية. زوال الاحتلالات مرهون بشكل سورية القادمة”.

محمود الوهب، وهو كاتب وأديب سوري، يرى أنه “منذ (الفيتو) الأول عام 2011، والروس يخططون لوجود طويل الأمد في سورية، وهم الحالمون تاريخيًا بالوصول إلى المياه الدافئة!”، وقال لـ (جيرون): إن الروس “ليست دوافعهم، كما قيل آنذاك، تجاهل الغرب لهم في ليبيا فحسب، بل ربما دار في ذهنهم أيضًا ما جرى لهم، لدى قسمة اتفاقية (سايكس-بيكو) قبل مئة عام، إذ لم ينلهم منها سوى حق الإشراف على مراكز دينية في فلسطين، ولذلك تراهم فضحوا تلك الاتفاقية في أوَّل فرصة لهم، أي بعد الثورة الشيوعية عام 1917”.

تساءل الوهب قائلًا: “متى كان المحتل يخرج برغبته من بلد احتلها بالقوة! صحيح أنَّ شكل الاحتلال قد تبدل في عصرنا الحالي. فالصراع يدور اليوم بين روسيا وأميركا، كلاعبين رئيسيين، حول مسائل اقتصادية، وبالتحديد حول النفط والغاز.. إن جوهر مسألة خروج الروس أو غيرهم يتوقف على تحرير إرادة الشعب السوري، فالسوريون اليوم مسلوبو الإرادة، سواء من خلال التهجير، أم من خلال القمع، والانشغال بالموت، وبمرارة العيش.. ولا شك في أن بقاء النظام السوري ضمانة لوجود الروس، والعكس صحيح أيضًا، فكيف تكسر هذه المعادلة؟”.

الكاتب والقاصّ السوري بسام شلبي يرى أن “النفوذ الروسي في سورية سيكون طويلًا، بالأخص بعد كل ما استثمرته موسكو اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، في المسألة السورية التي عقدها النظام السوري الأخرق، بإصراره على الحل الأمني المطلق، ومراهنته على الحسم العسكري بأي ثمن، ولو على حساب تدمير الوطن وتشتيت الشعب”.

وقال لـ (جيرون): إن “هذا الغباء والاستهتار بالقيم الوطنية نقل القضية، من المستوى الوطني إلى الإقليمي ثم الدولي، وفتح الباب لكل اللاعبين للنزول إلى الأرض السورية، من شذاذ الآفاق في الميليشيات الأفغانية والعراقية، إلى الصين، وإيران المتشوقة للوصول إلى المتوسط. حتى روسيا التي عثرت على كنز استراتيجي، أرادت استثماره إلى درجة إعادة ترتيب الوضع الدولي كاملًا مع أميركا والغرب”.

عدّ شلبي أيضًا أنه “لا نستطيع الإنكار أن روسيا لعبت بأقصى براعة سياسية (بعيدًا عن المضمون الأخلاقي)، مكنتها من الحصول على ما يشبه حق الوصاية الدولية على الوضع السوري، ولن يكون من السهل نزع هذه الوصاية في المدى القريب، وهو بحاجة إلى نضال مرير لتجاوز مخلفات هذه السنين القاسية”.

وتابع: “لكن أيضًا، من ناحية أخرى، لا يجب أن ننسى أن روسيا دولة كبرى في العالم، وبالتأكيد أن لها مصالح في سورية والمنطقة العربية. وهي ليست من الغباء أو السذاجة لتربط هذه المصالح بشكل مطلق بنظام معين أو شخص بعينه. وإذا كانت في المرحلة الحالية تجده الأنسب، لتثبيت موقعها وتحقيق مصالحها؛ فإن هذا قابل للتغيير، بل إنه ذاهب إلى التغيير في المدى القصير، وليس الطويل. والأيام القادمة ستثبت ذلك فعلًا، ولا أعتقد أن روسيا قد نسيت درس (نجيب الله) في أفغانستان، فالشعوب تبقى والمصالح الاستراتيجية تبقى، والأنظمة والأشخاص يزولون”.




المصدر
أحمد مظهر سعدو