عن اندماج اللاجئين السوريين في فرنسا
29 سبتمبر، 2017
يكثر الحديث عن الاندماج وأهميته، على مختلف المستويات، بدءًا من رؤساء الجمهوريات التي احتضنت أعدادًا كبيرة من اللاجئين، إلى المنظمات العالمية التي تهتم بشؤونهم، إلى مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل وفق برامج معينة، يُشرف عليها عادة أطباء نفسانيين، إلى الجمعيات التي تعنى بالإغاثة وتوزيع المساعدات على اللاجئين ويهتم قسم من أفرادها بالدعم النفسي أو الاندماج.
بالنظر إلى خلفية مفهوم الاندماج ومدى نجاحه في تحقيق غاياته؛ لا بد من تقسيم اللاجئين إلى قسمين: الشباب حتى الثلاثين أو الخامسة والثلاثين من عمرهم. والكهول فوق الخمسين من عمرهم.
سأبدأ الحديث عن السوريين اللاجئين الكهول أي الذين تجاوزوا الخمسين أو الستين من عمرهم، وتقوقعوا حول بعضهم، ومعظمهم لا يتقن اللغة الفرنسية، بل لا يهمّه أن يتقنها، طالما أنه يستطيع شراء حاجاته من السوبر ماركت.
لا أحد من مؤسسات المجتمع المدني، أو من تلك التي تعنى بدمج اللاجئ بمحيطه الجديد، وتتخذ أسماء براقة، يمكن أن يقدم شيئًا لهؤلاء. تمر الأيام والشهور والسنوات، واللاجئون الكهول يقضون الزمن مجبرين على البقاء في بلد اللجوء، لأن نار الجحيم وآثار الدمار في سورية أو العراق أو ليبيا ما تزال مستمرة. هؤلاء الكهول الكبار لا طموح لهم كطموح الشباب، إذ لا إمكانية للعمل لديهم، ولا يتقنون اللغة، ويكتفون بحفنة من الأصدقاء والأقارب يصادقونهم، هي ذي حياتهم وحسب. أيّ كرامة يشعر بها هذا الأستاذ الجامعي الذي زرته في بيته في دمشق، وأذهلتني -حينذاك- المكتبة العملاقة التي تمتد على طول جدار الصالون الفسيح المفروش فرشًا أنيقًا يليق بأستاذ جامعي، ترى بماذا يشعر -اليوم- وهو ينتفض مهرولًا في بيت اللجوء، ثم يهرول إلى مطعم بائس، ليتناول وجبة طعام رديئة، بيورو ونصف اليورو، أو وهو يضطر إلى أن يضع بعض كتبه على رف في المطبخ، أو وهو يفتح الأريكة المهترئة لتصير سريرًا ينام عليه مع زوجته؟ أين الإحساس بالكرامة في ظروف كهذي؟ ما قيمة الإنسان إن لم يشعر بكرامته!
طوال الأشهر التي أضطر فيها إلى البقاء في باريس للحصول على بطاقة الإقامة، كي ألتقي ابنتي وكي أتمكن من السفر حاليًا، أراقب أحوال اللاجئين هنا، وأقرأ سطور معاناتهم، وأتابع خطواتهم المتعثرة في السعي إلى الاندماج؛ بعد أن غدا البقاء في بلد النزوح اضطرارًا، بل صار السوري في الداخل يحسد السوري الذي تمكن من الخروج من قفص الوطن، لكن أين الاندماج بالنسبة إلى الكهول! إنه كما رأيت، ابتداء من نفسي ومن كل السوريين النازحين الذين يزيد عمرهم عن الخمسين، غير موجود، حيث يعيش هؤلاء في حالة عطالة، لا أحد يبالي بهم، وهم اختاروا أن يلزموا البيوت التي هي أشبه بجحرٍ أعطتهم إياه الحكومة.
الاندماج إذًا غير موجود، وهو وهم، ومجرد برامج وحوارات تلفزيونية خُلبية، تشغل المشاهد وتضلله محاولةً إقناعه بأن هنالك من يعمل مُخلصًا وجاهدًا لإدماج اللاجئين في مجتمعهم الجديد. والواقع أن هؤلاء الكهول متروكون للزمن، حيث قدمت لهم دولة النزوح بيتًا أشبه بالقفص، وتعطيهم راتبًا شهريًا (في فرنسا 360 يورو)، كي يشتروا حاجياتهم بهذا المبلغ.
أما بالنسبة إلى الشباب، فهم يملكون كل القدرة على الاندماج، وخصوصًا إنْ كانوا طلابًا جامعيين، إذ يسارعون إلى معاهد تعلم لغة بلد اللجوء، ويعملون على تعديل شهاداتهم الجامعية والبحث عن عمل، وحتى هؤلاء غير الجامعيين يوفقون عادة في إيجاد عمل ما، في محطة بنزين أو مطعم أو سوبر ماركت.. إلخ، وأعرف العديد من الأطباء الشبان يعملون، بشكل غير نظامي، في عيادات أطباء عرب يحملون الجنسية الفرنسية.
المُستقبل للشباب، وهؤلاء الشبان اللاجئون سيجدون فرصتهم حتى بعد انتظار وشقاء، لأن طاقة الشباب هائلة، وستمضي في طريقها من دون بطء أو تردد. ولكن تكمن كل الخطورة في فئة من الشبان الحاقدين الذين أتوا من بيئة متخلفة جدًا، ولم يحصّلوا علميًا أي شهادة، ومعظمهم شبه أمّي، هؤلاء سيتعرضون لما يُسمى “صدمة الحضارة”؛ وسيشعرون بالفارق الهائل، بينهم وبين البيئة الجديدة التي انتقلوا إليها، فهم شبه أميين وممتلئين بالأحقاد، وهم التربة الخصبة لرجال الدين الدجالين الذين يستغلون الدين ويشوهونه من أجل تنفيذ عمليات إرهابية.
لا يوجد اندماج على الإطلاق بين شريحة الكهول وبلد اللجوء، وكل البرامج التلفزيونية التي نراها، والشخصيات البراقة التي تحكي عن الاندماج هي فقط مجرد برامج يقبض المشاركون فيها مبالغ مالية كبيرة، لبيع وهْم الاندماج.
[sociallocker] [/sociallocker]هيفاء بيطار