مسيحيو سورية يدفعون أثمانَ سياسة الغرب
29 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
استهدف الطيران الحربي الروسي، أمس الخميس، قريتي اليعقوبية والقنية ذواتا الغالبية المسيحية، قرب مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، بعدة غارات جوية أسفرت عن مقتل امرأة، وإصابة 14 مدنيًا جلّهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى تدمير عشرات المنازل.
أكد الناشط نبيه مستريح الذي دمّر الطيران الروسي منزل أحد أقاربه لـ (جيرون) أن “اليعقوبية خالية من المقار العسكرية”، مضيفًا: “تكشف هذه الغارات كذب ادعاءات روسيا بأنها جاءت لحماية مسيحيي الشرق؛ ذلك أن معظم المصابين، في العملية العسكرية الأخيرة، هم من المسيحيين”.
جاءت هذه الغارات بعد يومٍ واحد من تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد فيها أن بلاده “ستواصل دعم وحماية مسيحيي الشرق الأوسط، وحماية مكانتهم التاريخية في المنطقة”، وتأتي أيضًا بعد عدة أشهر من تصريحات مماثلة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قال فيها: “إن روسيا ستبذل ما بوسعها من أجل حماية مسيحيي الشرق الأوسط من أي خطر”.
التصريحات الغربية والروسية تكرر مزاعم وادعاءات النظام السوري في أنه الضامن لوجود المسيحيين في سورية، وأنه حامي حقوق الأقليات الدينية والعرقية في البلاد.
تمتد المسيحية في سورية إلى ظهور السيد المسيح، وشكّلت سورية معقلًا للمسيحية المشرقية طوال القرون الماضية، ويؤكد الباحث السوري إسحق قومي، في دراسة صدرت عام2012 “أن نسبة المسيحيين في سورية، مع بداية القرن الماضي، كانت تصل إلى أكثر من 30 بالمئة من عدد السكان”، لتتراجع قبل اندلاع الثورة السورية إلى مايقارب 8 بالمئة فقط، حسب آخر إحصائية للنظام، إذ وصل عددهم إلى ما يقارب 2 مليون نسمة.
يتوزع المسيحيون في سورية في مختلف المحافظات، ويتركزون بشكل أساسي في عدة أحياء رئيسية في دمشق، وحلب، ووادي النصارى في حمص، ومحردة في ريف حماة، إضافةً إلى معظم مدن وبلدات محافظة الحسكة، وينقسمون إلى عدة طوائف هي: (الروم الكاثوليك، اللاتين، السريان الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأشوريين الكلدان، الأشوريين النساطرة، وقليل من أتباع الكنسية المارونية والكنيسة القبطية).
مع اندلاع الثورة السورية، شارك جزء من المسيحيين مع بقية السوريين في الحراك، ولكن ما لبث النظام أن أقصاهم عبر عدة إجراءات، أوضحها لـ (جيرون) المعارض السياسي فواز كنعو، قائلًا: “بدأ النظام بتخويف المسيحيين من المدّ الإسلامي الذي غزا الثورة السورية، وتذكيرهم بالمذابح التي تعرضوا لها سابقًا، كما دعم وعزّز سلطة رجال الكنسية، عن طريق إعطائهم صلاحياتٍ واسعة”.
تعرّض المسيحيون -بمختلف طوائفهم- منذ اندلاع الثورة السورية، لانتهاكات واسعة، وأكدّ جميل دياربكرلي، مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان لـ (جيرون): أن “الانتهاكات التي طالت المسيحيين كثيرة جدًا، وتشبه إلى حدّ كبير ما تعرض له باقي السوريين، يوجد مئات المعتقلين من المسيحيين في سجون النظام، فضلًا عن نحو 2000 شخص مغيّب قسريًا، كما تم اعتقال قيادات مسيحية معارضة، واختطاف قيادات روحية”.
أضاف دياربكرلي: “تعرض المسيحيون لعملية تهجير ممنهجة، حيث تم إفراغ مناطق بالكامل من المسيحيين مثل دير الزور، الرقة وبعض ريف إدلب، كما تعرضوا لعدد من الهجمات المسلحة، وطالت مناطقهم تفجيرات عدة”.
اعتقل النظام، كبرئيل موشي المسؤول السياسي في المنظمة (الآثورية الديمقراطية) لأكثر من سنتين، ثم أفرج عنه بعد تدهور حالته الصحية، كما تم اختطاف المطرانيين يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي المعروفين بمناصرتهما للثورة السورية، عام 2013 قرب حلب.
تعرضت قرية صدد، في ريف حمص، ذات الغالبية المسيحية عام 2013، لهجوم مسلح قُتل فيه 45 مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف المئات منها؛ واتهم ناشطون مسيحيون حينذاك ميليشيات النظام بارتكاب هذه المجزرة، كما تعرضت قرى وادي الخابور في ريف الحسكة لهجوم من قبل تنظيم (داعش) عام 2015؛ أسفر عن احتلال هذه القرى واختطاف عدد من العوائل الأشورية، ثم قتلِ عناصر التنظيم عدة رهائن.
انحاز عدد كبير من الناشطين والمثقفين المسيحيين للثورة السورية، كما وقفت المنظمة الآثورية الديمقراطية بشكل علني مع الثورة، وهي ممثَلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، لكن بالمقابل أسس بعض أصحاب المصالح مع نظام الأسد ميليشيات مسلحة، لمساندة قوات النظام في القامشلي، تسمى (السوتورو).
عن واقع المسيحيين في سورية اليوم، قال دياربكرلي: “وضع المسيحين في سورية ليس جيدًا، لأنهم لا يعيشون ظروف مواطنة طبيعية، بل يُقدّمون كمادةٍ دعائية وسلعة للمتاجرة، ولوحظ ذلك من خلال تفجيرات استهدفتهم، بغيةَ اتهام أحد الأطراف للطرف الآخر بافتعالها، والأوضاع مرشحة لمزيد من السوء”.
من جهته عبّر كنعو عن قلقه من “تعرض عدد كبير من المسيحين للابتزاز والضغط، وخصوصًا في مدن وبلدات الجزيرة، حيث تقوم جهات معينة بالضغط عليهم، ليبيعوا ممتلكاتهم ويهاجروا، وقد كان الهجوم على قرى وادي الخابور من أهم هذه الضغوط”.
دياربكرلي أكد أن “عدد المسيحيين، بعد كل هذه الانتهاكات، سجّل انخفاضًا كبيرًا، بسبب هجرتهم الكثيفة، ولم يتبقَ حاليًا سوى 450 ألف مسيحي في سورية تقريبًا، والعدد مرشح للنقصان”، وأضاف: “الحملة التي يشنها النظام وحلفاؤه هي حملة منظمة لتهجير المسيحين، ليس فقط من سورية بل من الشرق الأوسط”.
[sociallocker] [/sociallocker]سامر الأحمد