السماح للسعوديات بقيادة السيارات سيعزز نشاطهن الاقتصادي وسيضيف مليارات إلى الدخل الوطني




 قرار السلطات السعودية إنهاء الحظر على قيادة المرأة للسيارة قد يوفر للأسر في المملكة مليارات الدولارات، ويعزز قطاعات مثل مبيعات السيارات والتأمين، ويؤكد للمستثمرين أن مسعى المملكة لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط يمضي في مساره.
ومن المنتظر أن يشجع القرار أيضا على انضمام المزيد من النساء إلى قوة العمل، ويزيد الإنتاجية في الاقتصاد، بالرغم من أن محللين يتوقعون أن يكون الدعم للنمو متواضعا في البداية.
لكن مئات الآلاف من السائقين الرجال الذين يقودون السيارات للنساء، ومعظمهم من جنوب آسيا والفلبين، يواجهون خطر فقد وظائفهم. ويعني ذلك أنهم سيتوقفون عن إرسال أموال إلى أسرهم، وهو ما يعزز ميزان المدفوعات السعودي لكنه يقلص الإيرادات لبلدانهم الأصلية.
ويبشر القرار بتغيير نمط حياة الملايين. ويوجد في المملكة حوالي عشرة ملايين امرأة، بما في ذلك من الأجانب، تزيد أعمارهن عن 20 عاما. ويعمل 1.4 مليون أجنبي تقريبا كسائقين للأسر ويحصلون على رواتب تبلغ نحو 500 دولار شهريا بالإضافة إلى السكن والغذاء.
لذا فإنه من المؤكد أن تزيد دخول الأسر المتاحة للإنفاق مع قيامها بالاستغناء عن السائقين. وحسب تقديرات صحيفة (مال) السعودية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية فإن إجمالي ما يُدفع للسائقين العاملين مع العائلات في الوقت الحالي يبلغ نحو 8.8 مليار دولار سنويا.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى «بنك أبوظبي التجاري» ان «انتفاء الحاجة إلى سائق للأسرة، حتى إذا لم تكن المرأة تعمل، سيساهم في تعزيز الدخل الحقيقي للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض».
ويرسل السائقون معظم رواتبهم إلى بلدانهم الأصلية، وسيقلص رحيلهم هذه التدفقات، مما يترك المزيد من احتياطيات النقد الأجنبي متاحة للدفاع عن العملة السعودية في مواجهة ضغوط ناتجة عن انخفاض أسعار النفط. وسجلت السعودية عجزا في الحساب الجاري بلغ 27.6 مليار دولار في العام الماضي.
لكن «إف.جي.إي» لاستشارات الطاقة تقدر أن زيادة نشاط قيادة السيارات في المملكة بنسبة عشرة في المئة بفعل قيادة المرأة قد يضيف 60 ألف برميل يوميا إلى الطلب المحلي على البنزين. وعلى الرغم من أن المملكة هى أكبر مصدر في العالم للنفط فإنها مستورد صاف للبنزين.
وقالت مالك إن مبيعات السيارات السعودية قد تتلقي دعما قصيرا واستثنائيا في الأشهر المقبلة مع شراء النساء للسيارات قبل فرض ضريبة القيمة المضافة المقرر في يناير/كانون الثاني 2018. لكن في حالات كثيرة فإن النساء قد لا يحتجن إلى الشراء لأن باستطاعتهن استخدام السيارات التي سيتركها السائقون المغادرون.
بالنسبة إلى غراهام غريفيث، من مؤسسة «كونترول ريسك» الاستشارية، فان السماح للسعوديات بقيادة السيارات «يزيل حاجزا كبيرا يعيق قدرتهن على العمل». ويضيف ان «النساء اللواتي يبحثن عن وظائف متواضعة سيستفدن من القرار، كما ان أصحاب الاعمال سيحصلون على خدمات نساء متعلمات لم يعملن من قبل».
وتهدف إصلاحات دشنها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان العام الماضي، إلى زيادة مشاركة المرأة في قوة العمل لتصل إلى 30 في المئة بحلول 2030 من 22 في المئة حاليا. وقد يزيد السماح للمرأة بقيادة السيارة في نهاية المطاف الضغط لإزالة عقبات أخرى أمام توظيفها مثل نظام ولاية الرجل.
وقالت مالك «أي تغيير اقتصادي سيكون تدريجيا على الأرجح مع ضعف البيئة الأساسية للنمو، لكن الأثر الاجتماعي والشعور الإيجابي تجاه خطة التحول سيكون كبيرا».
وقال خالد الخضير الرئيس التنفيذي لـ»غلوورك»، وهي وكالة توظيف تقدم خدماتها للنساء، ان هناك ما يتراوح بين 400 ألف و450 ألف فرصة عمل متاحة للمرأة في قطاع التجزئة، لكن الكثيرات منهن ليس في مقدورهن استئجار سائقين لاصطحابهن إلى العمل. وأضاف قائلا «سيساعد هذا القانون في منح مئات الآلاف من النساء سهولة في الحركة والانتقال. المواصلات هي العقبة الرئيسية التي نواجهها، لذلك فإن هذه خطوة رائعة». وتفتقر المواصلات العامة في أجزاء كثيرة من المملكة إلى التطوير. وفي حين تسعى الحكومة إلى تغيير هذا، وتبني شبكات للمترو في مدن رئيسية مثل الرياض، فإن الكثير من النساء يحجمن عن السفر بمفردهن في العلن.
وقد تتمثل إحدى أكبر فوائد الإعلان في تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين في أن الأمير محمد راغب وقادر على المضي قدما في إصلاحات بعيدة المنال للاقتصاد.
وفي الأشهر القليلة الماضية، أدى ضعف الاقتصاد إلى قيام الحكومة بتأجيل أو حتى التراجع عن بعض الإصلاحات، وعلى سبيل المثال جرى تعليق زيادة جديدة في أسعار الوقود. لكن قرار الرياض تجاهل المحافظين اجتماعيا من خلال رفع حظر القيادة يشير إلى أن القوة الدافعة للإصلاح ما زالت قوية.
وقال جون سفاكياناكيس مدير مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض «التصميم على الإصلاح واضح في الوقت الذي يجري فيه تشييد مملكة سعودية جديدة أمام أعيننا».
وفور صدور قرار السماح للنساء بقيادة السيارات توقع كثيرون ان تؤثر الخطوة بشكل سلبي على اعمال شركات تأجير السيارات والسائقين، وبينها شركة «كريم» التي تتيح استئجار سيارات مع سائق عبر الهاتف.
إلا ان «كريم» اعلنت على حسابها في تويتر أنها تخطط لتوظيف 100 ألف امرأة لقيادة سياراتها بدءا من يونيو 2018، موعد دخول القرار الملكي حيز التنفيذ. وقال عبدالله الياس، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس للشركة «تلقيت رسائل مواساة وكأن اعمالنا ستتوقف عقب صدور القرار التاريخي، لكنني لا أرى سوى أمور إيجابية». وأضاف «هناك العديد من النساء اللواتي لا يستعن بخدماتنا لانهن يردن ان تقودهن سيدات. وهذا مسار عمل جديد، وسيؤدي إلى خلق وظائف جديدة، والدخول إلى سوق اكبر، وهو ما يدفعنا إلى الأمل».
كما انه من المتوقع ان تسهم الخطوة في زيادة مبيعات السيارات. وكتبت شركة «فورد» الأمريكية على حسابها في تويتر «أهلا بكن في مقعد السائق».
ويرى مازن السديري، الخبير المالي في «شركة الراجحي الاستشارية» في الرياض ان «الاستدانة ستزداد، وسيشهد قطاع التأمين نموا، وسترتفع معدلات الاستهلاك بفعل التخلي عن السائقين». في مقابل ذلك، يخشى ان يفقد آلاف السائقين الاتين من جنوب وجنوب شرق اسيا وظائفهم. لكن الحكومة تأمل من خلال ذلك ان توفر العائلات السعودية مئات ملايين الدولارات مع جلوس المرأة في مقعد السائق.
وأمس نشرت صحيفة (عكاظ) تقريرا نقلا عن الهيئة العامة للاحصاء قالت فيه ان الأسر السعودية تنفق «اكثر من 25 مليار ريال (حوالي 6.7 مليار دولار) رواتب سنوية على السائقين الأجانب العاملين لديها، الذين وصل عددهم إلى نحو 1.38 مليون سائق».
وانضم صناع السيارات للحكومات في الترحيب بالأمر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي الملك سلمان بصياغة قواعد تسمح للنساء بقيادة السيارات خلال 30 يوما على أن يطبق الأمر اعتبارا من يونيو حزيران 2018 مما يزيل أحد العوامل التي كانت تضر بصورة المملكة.
وقالت شركة نيسان في تغريدة على موقع تويتر مصحوبة بلوحة أرقام سيارة مكتوب عليها «GRL 2018» نهنئ جميع النساء السعوديات اللاتي سيتمكن من القيادة الآن». كما رحبت شركة «بي.ام.دبليو»، التي حققت سيارتها «إكس5» أعلى مبيعات للمجموعة في الشرق الأوسط، بالأمر الملكي.
وتسيطر السيارات المتوسطة على السوق السعودية حاليا، حيث تشكل «تويوتا» و»هيونداي-كيا» و»نيسان» معا على 71 في المئة من المبيعات.
وانكمشت السوق نحو الربع من ذروة بيع 858 ألف سيارة خفيفة في 2015 إلى توقعات ببيع 644 ألف سيارة في العام الحالي، مما يتماشى مع تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقا. لكن حسابات أجرتها «ميريل لينش» تظهر أن تغيير النظام يضيف نحو تسعة ملايين قائد سيارة محتمل من بينهم 2.7 مليون امرأة غير سعودية.
وقال موقع»إل.إم.سي أوتوموتيف» لأبحاث سوق السياراتاإن السماح للنساء بالقيادة قد يرفع مبيعات السيارات السعودية بنسبة بين 15 و20 في المئة سنويا، لأن «كثافة السيارات» في المملكة التي تقاس بما يعادل 220 سيارة لكل ألف بالغ سترتفع إلى نحو 300 في 2025 مما سيضيق الفجوة مع الإمارات العربية المتحدة.
وتملك الأسرة السعودية في الطبقة المتوسطة أو العليا سيارتين واحدة يقودها رب البيت والثانية بسائق يعمل على مدار الساعة لنقل الزوجة والأطفال.
وقال ديفيد أوكلي، المحلل في «إل.إم.سي» ان السماح للنساء بالقيادة «سيفيد السوق بأكملها. لكن لنا أن نتوقع تأثيرا إيجابيا أكبر للعلامات الفاخرة».
وتستعد علامات فاخرة منها «لامبورجيني» و»بنتلي» لإطلاق سيارات رياضية متعددة الاستخدامات، وهي فئة تلقى رواجا بين النساء وتشكل بالفعل أكثر من 20 في المئة من السيارات المُباعة في المملكة.
ورحبت شركة «أستون مارتن» التي مقرها بريطانيا بالنبأ، وقالت أنه جاء في وقت ملائم تماما قبل إطلاق سيارتها الرياضية «دي.بي.إكس»، المرتبطة في الأذهان بشخصية جيمس بوند، والمقرر في عام 2019.




المصدر