هل حُسم الأمر في سورية؟
30 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
هل انتهت الثورة السورية وانتصر بشار الأسد؟
سؤال يُطرح بصيغ متفاوتة، والأجوبة عنه تتباين من متابع إلى آخر، وذلك وفق الموقع والموقف مما جرى، ويجري، في سورية منذ نحو سبعة أعوام.
فأتباع الحلف (الروسي – الإيراني – الأسدي) لا يضمرون عنجهيتهم وصلفهم في ميدان التبجّح بما حققوه. فهم يتحدثون عن إفشال المؤامرة الكونية على سورية، وعن تمكّنهم من دحر الإرهاب، ويستعدون لتقاسم الغنائم.
استغلت روسيا السلبيةَ والضبابيةَ في الموقف الأميركي، واستفادت من هلامية وعجز الموقف الأوروبي؛ لتنفرد بالملف السوري، وتقصف المدن والقرى السورية على مدى عامين، متغطرسة بتجريب أسلحتها الجديدة، طمعًا في صفقات سلاح كبرى، تعزز من دورها ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، وتشبع بعض الشيء عقدة الحنين إلى المكانة الندية للقوة العظمى على المستوى العالمي.
من ناحيته، يريد النظام الإيراني الوصول إلى الساحل السوري-اللبناني برًا، وبأي ثمن، مستخدمًا مع أتباعه، لا سيما (حزب الله)، شمّاعة محاربة فزاعة (داعش)، ومستغلًا تبدّل أولويات الدول الإقليمية، بفعل أزماتها المتفاعلة مع المواقف الدولية والتدخلات الإيرانية نفسها. أما بشار الأسد، فهو يُمنّن النفس بأنه سيستلم سورية متجانسة، تكون أفضل مما كانت بالنسبة إليه، بالرغم من كل ما تسبّب فيه من تدمير وقتل وتهجير وتمزيق للنسيج المجتمعي الوطني.
لكن للسوريين وجهة نظر أخرى، تناقض كل ما سلف. فالثورة اندلعت نتيجة حالة انسداد شاملة، صادرت أيّ توقعات إيجابية تمنح الشباب أملًا بمستقبل أفضل، في ميادين التعليم والعمل، والتواصل الحضاري مع المجتمعات المتقدمة من موقع الفاعل.
والثورة كانت بِطاقات شباب، اعتقد النظام بأنه قد تمكّن من تدجينها عبر المنظمات المرتبطة به، من طلائع البعث، وشبيبة الثورة، واتحاد الطلبة، وحزب البعث، والدورات المظلية؛ هذا في حين كانت الأحزاب التقليدية -بكل ألوانها وانتماءاتها العلمانية والدينية والقومية- خارجَ التغطية، تلك الأحزاب التي كانت في معظمها -وما زالت- تبحث عن دور هامشي في ماكينة النظام. ولكنها مع تطور الأحداث؛ سعت لأداء دور سياسي قيادي ضمن منظمات الثورة لاحقًا، مستغلة ضعف الخبرات الشبابية، وعدم وجود رابط قوي يربط بين الشخصيات المستقلة التي التزمت أهداف الثورة وقادت مؤسساتها.
وقد اتكأت الأحزاب المعنية على تاريخها في المعارضة المطلبية؛ ولهذا كان تعاملها مع الوضعية الجديدة بأدوات قديمة، لم تتمكّن من قراءة استراتيجية النظام كما ينبغي، وظنت، من دون وجه حق، أن اللحظة الحاسمة المنتظرة قد حلّت، ولن تتجاوز الأمور حدّ عملية استبدال نظام بنظام، ليعود الجسم السوري إلى سابق عهده، ولكن برأس جديد. وكان التعامل مع الموضوع برمته بعقلية اتكالية، توّهم أصحابها أن من أعلنوا صداقتهم للشعب السوري سيساعدونهم في إسقاط النظام، تلبية لمطالب الشعب السوري، واحترامًا لتطلعاته المشروع.
بالتناغم مع هذا التوجّه؛ أُهملت قضايا في غاية الأهمية، منها التعامل مع الداخل والمخيمات والجاليات عبر التنظيم والتوجيه، وبعيدًا من المال السياسي والحسابات الحزبية والشللية بل الشخصية. وكان التنازل تلو التنازل في جنيف وأستانا، أملًا بكسب ود الفاعلين الإقليميين والدوليين. ولكن الذي حصل هو أن النظام قد تمكّن، عبر العسكرة والربط بين الثورة والإرهاب، من بلوغ عدة أهداف؛ مكّنته من إحداث تحوّل لافت لصالحه. فقد حال دون انضمام المكوّنات السورية، ما عدا المكوّن العربي السني، بكامل قوتها إلى الثورة، وذلك لتوجسّها من المصير المجهول.
كما تمكّن النظام وحلفاؤه من تهميش القوى العلمانية والديمقراطية التي وجدت نفسها في موقع لا تحسد عليه. كان عليها أن تختار بين الاستبداد الفاشي من جهة، والتشدد الإسلاموي من جهة ثانية؛ الأمر الذي أحدث شرخًا عميقًا في الحاضنة الشعبية للثورة، تشخّصت في حالات الجمود والانسحاب والخروج من المشهد.
أما الهدف الثالث الذي حققه النظام، وربما الأكثر تأثيرًا، فهو أنه قد تمكن من وضع العالم أمام خيارين فاسدين: إما الاستبداد أو الإرهاب، مستندًا في ذلك إلى خبرته في ميدان التعامل مع التنظيمات الإرهابية، وتصنيعه وترويجه لها. واطلاعه في المقابل على تفصيلات الواقع الدولي عبر حلفائه، وشبكة علاقاته التي نسجها على مدى عقود، مقابل الالتزام بشروط إقليمية ودولية.
لقد علّمت تجربة السنوات السبع الطويلة الكارثية السوريين دروسًا، لن ينسوها، حول مدى تحكّم المصالح بالقرارات الدولية؛ وأدركوا -عبر التجربة المُرّة- أن على الشعوب التي تريد أن تضمن مستقبلًا أفضل لأجيالها المقبلة، أن تعتمد على نفسها، وأن تبني المؤسسات التنظيمية الفاعلة التي تلتزم ببرامج تطمئِن الداخل الوطني أولًا، وذلك من خلال احترام التنوع والاختلاف والمصالح العامة المشتركة، وهذا يستوجب القطع مع الأيديولوجيات والأوامر العابرة للحدود.
لقد أكسبت السنوات السبعُ السوريين الكثيرَ من التجربة التي ستتخمّر في مرحلة التقاط الأنفاس. ولن يتوقف الشباب السوري -سواء في الداخل أم في الخارج- عن مراجعة حساباته، وإعادة النظر في كل ما حصل، استعدادًا للمرحلة القادمة التي ربما يتم فيها تثبيت النظام عبر توافقات إقليمية ودولية، ولكن مهمات مستحيلة تنتظر هذا النظام الذي بات السبّاق في ميدان استجلاب القوى الأجنبية من دول وميليشيات مذهبية، وجماعات إرهابية، لقتل الشعب السوري. من تلك المهمات، يُشار هنا -مثلًا- إلى إعادة بناء سورية، على المستويين المجتمعي والعمراني، وامتلاك القرار الوطني، وتأمين مستقبل لائق للشباب.
المرحلة القادمة هي مرحلة ثورة كامنة، ستشهد عملية كبرى لنقد الذات والمؤسسات والأساليب والأدوات. كم ستستغرق هذه الثورة، وكيف ستتجلى عواقبها؟ وما طبيعة أدواتها؟
أسئلة ربما من الصعب الإجابة عنها في وقتنا هذا، ولكن ما نعرفه علم اليقين هو أن الشباب السوري، في كل المناطق ومن كل المكوّنات، لن يستسلم مجددًا لسلطة بشار الأسد، حتى لو اجتمع الإنس والجن جميعهم على ذلك.
[sociallocker] [/sociallocker]عبد الباسط سيدا