‘واشنطن بوست: خطة ترامب لوقف إيران في سورية هي في عداد المفقودين’
30 أيلول (سبتمبر - شتنبر)، 2017
مستشار الأمن القومي ماكماستر في يوليو/ تموز. (جابين بوتسفورد/ واشنطن بوست)
مرارًا وتكرارًا، يدّعي كبار مسؤولي إدارة ترامب أن أحد الركائز الأساسية للسياسة الأميركية في سورية، هو منع إيران من توسيع قوتها هناك، مع سقوط “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش). هذا التوسع الذي يعدّ مصدر قلقٍ بالغ للسوريين، والحلفاء مثل الأردن، و(إسرائيل)، ولكن لا يمكن لمسؤولي ترامب شرح هذه الخطة؛ لأنه -وفقًا للمسؤولين الحاليين والسابقين- لربما فات الآوان.
ظهر أوضح دليلٍ على وجود فجوة، بين البلاغة الأميركية والسياسة الوظيفية، في ما يتعلق بمواجهة إيران في سورية، عندما ألقى مستشار الأمن القومي (ماكماستر) خطابًا أمام معهد دراسة الحرب يوم الإثنين. وقال: إنَّ أحدَ الأهداف الرئيسة للإدارة هو منع إيران، و(حزب الله) التابع لها من الحصول على ميزةٍ استراتيجية في سورية، مع هزيمة “الدولة الإسلامية” (داعش) التي تسير ببطءٍ، ولكنْ بثباتٍ.
ولكن عندما طُلب منه توضيح الخطة لتحقيق هذا الهدف؛ قال: “لا أستطيع أن أخبركم؛ هناك استراتيجية للقيام بذلك”. وأضاف موضحًا: “إنّها استراتيجيةٌ ننفذها بالفعل، والهدفُ من ذلك هو إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة بأسرها”. وتابع قائلًا: إن هجوم الأسد وإيران وروسيا إلى جنوب شرق سورية، قرب مدينة دير الزور الاستراتيجية وحولها، مفيدٌ ضد “الدولة الإسلامية” (داعش) على المدى القصير، ولكنّه يشكّل مشكلةً كبيرة على المدى الطويل. وأوضح أنَّ “ما يُسمى بتحرير المناطق من قبل قوات [الرئيس السوري بشار] الأسد والوكلاء الإيرانيين، يمكن أنْ يُسرَّع في الواقع دائرة العنف، وأن يديم الصراع بدلًا من أن يوصلنا إلى نتيجةٍ مستدامة”.
وكان الدليل الوحيد الذي قدمه للخطة هو القول إنَّ النفوذ الأميركي على المدى الطويل يتضمن مبالغ ضخمةٍ من أموال إعادة الإعمار التي قال عنها إنَّه لن يتمَّ توزيعها في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، أو القوات المدعومة من إيران.
بشكلٍ خاص، يعترف مسؤولو الإدارة الحاليون والسابقون بأنَّ هناك احتمالًا ضئيلًا لطرد إيران، والأسد من أجزاءٍ كبيرة من جنوب شرق سورية التي يمكن أن يحتلوها في أيّ وقتٍ قريب. وقال المسؤولون: إن خطة منع إيران من توطيد السيطرة على الهلال الشيعي الممتد من طهران الى البحر المتوسط، تقوم على وقف إيران على الجانب العراقي من حدوده مع سورية، التي لن تكون أيضًا هادئة على الإطلاق.
يقول المسؤولون: إنَّ الاستراتيجية الحالية على أرض الواقع في سورية هي تجنب العمليات العسكرية بين القوات المدعومة من الولايات المتحدة (بما في ذلك قوات سورية الديمقراطية الكردية إلى حد كبير) والنظام المدعوم من روسيا، والقوات الإيرانية. ويتبع خط خفض التصعيد أو تجنب الاصطدام تقريبًا نهر الفرات. كانت هناك مناوشات في الآونة الأخيرة قرب الخط، حيث تتهم (قوات سورية الديمقراطية)، القوات الروسية بعبور الخط لمهاجمتهم بشكلٍ متكرر، ولكنْ إلى حدٍّ كبير، فإنّ منع التصادم سيتم جدولته.
المشكلة هي إن كان سيستعيد نظام الأسد، والقوات الإيرانية أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأراضي، لا توجد استراتيجية فعالة لاستعادتها. ويرتكز جزء من اللوم على الإدارة الأخيرة التي يقول الخبراء إنها فشلت في بناء قواتٍ محلية خلال سنواتٍ عديدة.
“[الرئيس باراك] أوباما تخلى عن خياراتنا في سورية بشكلٍ شامل، حتى وقت تولي هذه الإدارة، لم تكن هناك قوة أخرى إلى جانب (قوات سورية الديمقراطية) التي كان من الممكن أن تكون قد دخلت بالفعل إلى وادي الفرات الأوسط، ومنعت ذلك المسعى الغائب عن إقحامٍ كبير للقوات”، كما قال (أندرو تابلر)، وهو زميلٌ كبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ويتابع شارحًا: التغيير الأكبر منذ تولي إدارة ترامب هو أنَّ فرق الجيش العربي السوري التي تتحرك إلى دير الزور يُنظمها الحرس الثوري الإيراني على نحوٍ متزايد، يقاتل إلى جانبها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، ويرافقها (حزب الله) اللبناني. وقال تابلر: “إن النفوذ الإيراني ينتشر، لأنَّهم متورطون بشكلٍ كبير في مهمات النظام”. وأضاف: “إنها وحش جديد”.
وقال مسؤولون: كان هناك نقاشٌ في الأشهر الأولى من إدارة ترامب، حول ما يمكن القيام به لوقف الإيرانيين من السيطرة على المنطقة. واقترح البعض داخل البيت الأبيض زيادةً محدودة في عدد القوات قرب دير الزور؛ لقطع الطرق الرئيسة أمام التقدم الإيراني. وكان من نقاشاتهم: كان يمكن لهذه القوات أنْ تكون مزيجًا من قوات العمليات الخاصة الأميركية، والقوات المحلية، والقوات الأردنية.
ولكن لم يكنْ هناك توافق في الآراء بشأن كيفية المضي قدمًا، حيث تجاوزت الأحداث الفكرة. في الربيع، بدأت مجموعاتٌ محلية قليلة مدعومة من الولايات المتحدة في المنطقة تتصادم مع القوات السورية والإيرانية المتقدمة، لكنَّ الولايات المتحدة لم تقدّم لهم أيّ تعزيزات، والتفّت القوات الإيرانية، وقوات الأسد حول القوات المحلية، وتوجهت إلى مدينة دير الزور، حيث تقوم الآن بتعزيز سيطرتها.
ما يزال العديد من كبار مسؤولي إدارة ترامب يصرّون على أنَّ منع إيران من زيادة وجودها، وقوتها، وسيطرتها في سورية هو هدف أميركي أساسي. وقالت السفيرة الأميركية نيكي هالي، في الأسبوع الماضي: “أعتقدُ أن المساعي في سورية كانت رائعة”. وبيّنت: “أستطيع أن أقول لكم إنَّ إيران لن تكون مسؤولة، ولن يكون لديها أيّ نوعٍ من القيادة في هذا الوضع إلى الحد الذي يمكن أن يضرَّ أكثر”.
ويواصل مسؤولو وزارة الخارجية الإشارة إلى العملية السياسية كوسيلةٍ لمنع إيران من ممارسة السيطرة على أجزاءٍ كبيرة من سورية إلى الأبد. ويقولون: بعد توقف القتال، سيتعيّن على الأسد، وإيران العودة إلى طاولة المفاوضات، ليتمكنوا من فتح صنبور المساعدات الدولية.
وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى (ديفيد ساترفيلد)، الأسبوع الماضي، عقب اجتماعٍ دوليّ حول سورية: “إن النظام، وأنصاره لا يستطيعون إعلان انتصارٍ يستند فقط إلى خريطةٍ وأعلامٍ على الأرض”. وأضاف موضحًا: “من دون عمليةٍ سياسية، فإنَّ المجتمع الدولي -كلَّ تلك الدول الممثلة في القاعة اليوم- لن يسهموا في شرعنة، أو اعتماد أو إعادة إعمار سورية”. ولكن إذا كان (ماكماستر) على حق، في أن النظام واحتلال إيران لمنطقة دير الزور يعني العنف المستمر، وعدم الاستقرار؛ فلن يكونَ هناك سبيلٌ للوصول إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يبدو أنَّ الأسد يفضله.
ما الذي يمكن فعله الآن؟ ربما لا يوجد الكثير. لكنّ الولايات المتحدة، وشركاءها في التحالف يمكنْ أن يفعلوا الكثير لمساعدة السوريين الذين لم يخضعوا بعد للأسد، والحكم الإيراني، لبناء دفاعاتهم الذاتية ومجتمعهم المدني. يمكن للولايات المتحدة تسريع توسعهم في (قوات سورية الديمقراطية) لتعزيز صفوفها بالسنّة العرب، ومن ثم استخدام تلك القوات لاستعادة وحكم الأراضي الغنية بالنفط بالقرب من دير الزور التي تمثل نفوذًا حقيقيًا، في أيّ عمليةٍ سياسيةٍ مستقبلية.
بعد ذلك، يمكن لإدارة ترامب أنْ تعترف بأنَّها ليست على استعداد لاستنزاف الدم الأميركي والثروة الضرورية، لمنع سقوط جزءٍ كبير آخر من سورية تحت سيطرة النظام، وإيران في المستقبل المنظور. أحد أعظم إخفاقات أوباما في سورية هو أنه كان غير صادقٍ مع الشعب الأميركي، حول عدم رغبته في بذل المزيد من الجهد. ترامب يمكن أنْ يكون على الأقل أفضل من سلفه، على تلك الجبهة.
اسم المقالة الأصلي
Trump’s plan to stop Iran in Syria is MIA
الكاتب
جوش روجين، Josh Rogin
مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 27/9
عدد الكلمات
1013
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة