النظام ومَرضى الغوطة الشرقية ..قتلٌ بسلاحِ الوقت والمماطلة

1 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
12 minutes

فشلت جميع المُناشدات التي أطلقها أطباء وناشطون ومنظمات محلّية، لإجلاء الطفلة السوريّة “سارة” البالغة من العمر تسع سنوات، من الغوطة الشرقية، بغية تلقّي العلاج، عقب إصابتها بورمٍ في عينها.

بعد أكثر من شهرٍ على المُناشدات، توفّيت سارة، بسبب نقص العلاج الكيماوي والإشعاعي الذي كانت بحاجة إليه لإزالة الورم من عينها، بعد أن عجزت جميع الكوادر الطبية الموجودة في الغوطة عن علاجها، نتيجة عدم توفّر المعدّات، وذلك على الرغم من أن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين، شخصياً كان على علمٍ بحالتها ومعاناتها، إضافة إلى البعثة الروسية للأمم المتحدة.

سارة لم تكن الطفلة الأولى التي توفّيت في الغوطة الشرقية بسبب غياب العلاج، كما أنها لن تكون الطفلة الأخيرة، طالما أن ظروف الحصار مُستمرّة على الغوطة، في ظل عجز المُنظمات الدولية عن إجلاء الحالات الطبية الحرجة، التي تقارب 300 مريض.

وكانت الطفلة الأخرى فرح عثمان، والتي تبلغ من العمر 10 أشهر، توفيت في 18 من أب الماضي بمرض “اللوكيميا” أو سرطان الدّم، وهو من الأمراض الخبيثة، فيما توفي الطفل كنان الدقر، من بلدة سقبا والذي لم يتجاوز عمره 7 أشهر، مع أنه كان من بين الأسماء التي تمت الموافقة على علاجها في مشافي دمشق، لكنه بقي قرابة شهر يصارع المرض حتى فارق الحياة في 11 من الشهر الماضي.

موت بطيء

 يُعاني المرضى في الغوطة الشرقية من عدّة أمرض جعلتهم بحالة مزرية، ولكن الأسوأ هو تلك الأمراض التي تحتاج إلى علاجٍ فوري، ضمن ما يُعرف طبياً بـ “الحالات الطارئة”.

وتتمثل المشكلة الرئيسية بنقص الكوادر الاختصاصيّة والمعدات الطبية، بحسب الطبيب العامل في الغوطة الشرقية حمزة أبو اليسر، الذي قال لـ “صدى الشام” أن أهم الحالات الطبية التي تحتاج إلى عناية اليوم، هي الأورام، مشيراً إلى أن الغوطة الشرقية تحتوي على مركزٍ واحد لمعالجة هذه الحالات، ولكن هذا المركز لا يحتوي على أدوية مضادة للأورام ولا معدّات للعلاج.

ويتمّ علاج الأورام السرطانية- تحديداً- إما كيميائياً أو بالأشعّة، وثمّة نوع منها بحاجة إلى علاج مشترك، وهذا ما لا يتوفّر إلّا في مركز الطب النووي في العاصمة السورية دمشق.

ولفت الطبيب إلى أن الطفلة سارة كانت أحد الضحايا الذين هم بحاجة إلى علاج كيميائي وإشعاعي، إضافةً لوجود مريض آخر حالياً لديه ورم بلعومي أنفي، وهو موجود حالياً في الغوطة “بانتظار الموت”. حسب صفه.

لكن الأكثر إيلاماً ربما هو ما حدث مع الشابة السورية أروى عبد الفتاح 29 عاماً، فبلإضافة لإصابتها بورم في النخاع الشوكي، تعرّضت لإصابة جراء القصف الأخير على مدينة عربين في ريف دمشق، وقامت الفرق الإسعافية بانتشالها من تحت الأنقاض بعد مقتل ابنها، ليتحوّل الورم إلى شلل كامل، وقد تمّ تقديم طلبٍ لإخراجها من الغوطة، وكان هناك موافقة على ذلك لكنها لم تخرج حتى الآن.

أما الحالات المرضية المُلحّة الأخرى، فهي الأمراض القلبية، التي تحتاج إلى عمليات صعبة كالقلب المفتوح والقثطرة القلبية وتركيب الشبكات، “ولكن لا يوجد في الغوطة أي إمكانات ولا غرف عمليات ولا أطباء للقيام بهذه المهمّة” وفقاً للطبيب أبو اليسر.

وفضلاً عن ذلك هناك أمراض لا تقل خطورة وإلحاحاً مثل سل السحايا، والسل الدماغي الذي تعاني منه مريضة في الغوطة الشرقية عمرها 22 عاماً تُدعى مروة، كانت قد خرجت سابقاً عبر الأنفاق وتلقّت جزءاً من العلاج في دمشق وعادت إلى الغوطة، ولكن بعد ذلك حاولت العودة لتلقّي العلاج مجدّداً لكن دون أي جدوى، واليوم يتطوّر المرض لديها بسبب عدم وجود أدوية علاج السل الدماغي، وعلى الرغم من مرور عامٍ واحد على المُطالبات بإخراجها للعلاج في دمشق إلّا أنها حتّى اليوم لم تلقَ أيَّ استجابة.

ويختم الطبيب أبو اليسر بالإشارة إلى أنه يوجد حالياً في الغوطة الشرقية حوالي 270 حالة تحتاج العلاج بشكلٍ سريع، بينها 47 حالة طارئة “لا تحتمل أي تأجيل”.

تعقيدات

تبقى هذه الحالات في الغوطة الشرقية بانتظار مصيرها المجهول، وذلك على الرغم من وجود “اتفاق خفض التصعيد” الذي تم التوصل إليه في الثاني والعشرين من شهر تمّوز الفائت، ونصَّ على عدّة بنود، أبرزها إخراج المصابين من داخل الغوطة على دفعات، فضلاً عن تسيير قوافل مساعدات إنسانية إلى داخلها.

وبذلك يكون نظام الأسد قد نقضَ هذا البند من الاتفاق، الذي مضى أكثر من شهرٍ ونصف على توقيعه.

ولكن للنظام حجج وأساليب في التملّص من تنفيذ الاتفاق، فهو لا يرفض إخلاء المصابين بشكلٍ مخالف صراحةً، وإنما لديه طرق للقيام بذلك، يكشفها مصدر داخل الغوطة مُطّلع على ملف إخلاء الحالات الطبية.

 ويشير المصدر لـ “صدى الشام” إلى أنه على الرغم من “معرفة منظمة الصحة العالمية ومنظمة “دبليو إتش أوه” بهذه الحالات إلّا أنّها لم تتمكّن من تغيير أي شيء”، مُرجعاً السبب في ذلك إلى “سياسة النظام الماكرة في المُماطلة”.

ويضيف أنه بعد التواصل مع هذه المُنظمات يتبيّن أن النظام وضع تعقيداتٍ كبيرة في وجه إخراج المرضى، ومنها أن المُعاملة تتطلّب المرور على وزارات “الداخلية والصحة والدفاع” إضافةً إلى حاجة المُعاملة لموافقة عدد من الأفرع الأمنية والعسكرية والجهات الأخرى، ما يجعلها تتطلّب وقتاً طويلاً، وتؤدّي في نهاية المطاف إلى يأس الجهات التي تقوم بالعمل على معاملة إخراج المريض وتركها دون مُتابعة.

ومن خلال هذه الطريقة يتملّص النظام من بند إخراج المرضى من الغوطة، دون أن يرفض تنفيذه بشكلٍ صريح.

ويوضح المصدر أنه منذ ستة أشهر لم يتم تنفيذ أي عملية إجلاء، والسبب يعود للمماطلة التي ينتهجها النظام السوري، مُرجّحاً أن يكون هدف النظام في هذه الحالة “هو استخدام الحالات الإنسانية بهدف الإخضاع وتحقيق غايات سياسيّة على حساب مُعاناة المرضى، وهو ما يُعتبر مخالفاَ لجميع قوانين ومعايير حقوق الإنسان في العالم”.

من جهته يبيّن الطبيب أبو اليسر، أن “لعبة الوقت” التي يقوم بها النظام لا تؤدّي فقط إلى إضعاف همّة الجهات القائمة على عملية الإجلاء، وإنّما تؤدّي أيضاً إلى موت المرضى ولا سيما الحالات المستعجلة.

ويتابع: “نحن أطباء ولكن لا نستطيع القول للمرض أن ينتظر موافقات النظام لأن المرض عندما يأتي لا ينتظر شيئاً، ويستمر بالتمدّد في جسم الإنسان ولا يعرف موافقات أمنية ولا أي إجراءات أخرى.

وأوضح أنه من الناحية الإعلامية فإن تسليط الضوء على المشكلة من وسائل الإعلام والمنظمات المحلية والدولية كافٍ جداً لإقناع النظام السوري بإخراج المرضى لتلقّي العلاج في مشافي العاصمة، وهو ما يعني أن المشكلة ليست في المرضى ولا في تسليط الضوء إعلامياً وإنما تكمن في النظام ذاته.

مناشدات لا تلقَ استجابة

في منتصف شهر شباط من العالم الحالي، أعلن المكتب الطبي في مدينة دوما التابع لمشفى ريف دمشق التخصصي، بدء نفاذ المواد الضرورية لإجراء جلسات التحال الدموي(غسيل الكلى) لمرضى القصور الكلوي في الغوطة الشرقية.

وجاء في بيانٍ للمكتب، أن “عدد المرضى الذين يخضعون لعملية غسيل الكلى بالمشفى التخصصي 31 مريضاً، وهم بحاجة إلى إجراء حوالي 250 جلسة غسيل شهرياً، وآخر دفعة تم تزويد المركز بها لعمليات الغسيل كانت في  15 تشرين الأول من العام الفائت، وكان عدد المرضى 18 مريضاً فقط”.

وأضاف البيان أن “قسم التحال الدموي يعتمد في مستهلكاته من أدوية وأجهزة على ما تدخله منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الأمم المتحدة وبالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري”.

وخلال شهر آذار، أعلن الكادر الطبي في مشفى ريف دمشق التخصصي في بيان له عن وفاة المريض “محمد عمرة” وهو من أهالي الغوطة الشرقية، عقب إصابته بمرض القصور الكلوي، ليصل العدد إلى ثلاثة ضحايا سقطوا منذ بداية العام الحالي في الغوطة الشرقية بمرض القصور الكلوي ناجم عن نقص الأدوية بسبب الحصار المفروض من قبل النظام.

وأشار المسؤولون عن المستشفى حينها إلى ارتفاع عدد المتوفين بهذا المرض إلى ثلاثة أشخاص من بداية العام. كما تحدث أعضاء الكادر الطبي عن افتقار المشفى للأدوات الطبية في علاج مرضى القصور الكلوي، بسبب إعاقة قوات النظام دخول قافلة المساعدات الطبية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى المنطقة ليسمح بعد أيام بدخولها، كما أكدوا أن 39 مريضاً بقصور الكلى يعالجون في المشفى وأن المرضى يواجهون خطر الموت حينها.

وقال رئيس قسم الكلى في المشفى إن المستلزمات الطبية تتأخر في الوصول إليهم نتيجة الحصار المفروض من قبل النظام؛ ما يجعل حياة المرضى في خطر. كما طالب رئيس القسم والكادر الطبي جميع المنظمات الطبية الدولية والمنظمات الخيرية بالتحرك الفوري لإنقاذ المرضى.

سوء المُعاملة

قبل أشهر، خرج الشاب السوري “يحيى” من الغوطة الشرقية عبر الأنفاق، وتوجّه لتلقّي العلاج في مستشفى الأسد الجامعي، ولكن فور وصوله هاجمه الحرس المتواجد على باب المستشفى ومنعه من الدخول قائلين له: “إذهب إلى الغوطة واطلب من الإرهابيين أن يعالجوك.. لا تعاود المجيء إلى هنا مجدّداً”. وقتها خاطبه الحرس بهذه الكلمات ولم يكن لديهم أي معرفة بأن يحيى خرج من الغوطة عبر الأنفاق، إذ أن الشاب أبلغهم أنه نازح ويعيش في العاصمة دمشق منذ سنواتٍ طويلة!

استدعت حالة يحيى تدخّل إدارة المشفى والكادر الطبي حتّى تمكّنوا من إقناع الحرس من السماح للشاب بالدخول وتلقّي العلاج.

وعلى غرار حالة يحيى، يوجد عدد كبير من المُصابين في الغوطة الذين يصِلون إلى مشافي العاصمة، ولكن إمّا أن تتمّ معاملتهم بشكلٍ سيء أو طردهم ومنعهم من العلاج أو حتّى عدم الاهتمام بهم في المشافي وتركهم رهن الممرّضين وعدم السماح للاختصاصيين بمساعدتهم.

ويتحدث الطبيب أبو اليسر، عن أنه قابل أشخاصاً توجّهوا لتلقّي العلاج في العاصمة دمشق وعادوا على الغوطة، لينقلوا له تجاربهم ومعاناتهم من عمليات المنع والإهمال الطبي الذي تعرّضوا له هناك، “حيث يتم الضغط على الكوادر الطبية من أجل عدم منح هؤلاء المرضى العلاج المطلوب، وفي بعض الأحيان يتم منع المريض من الدخول إلى المستشفيات أساساَ، لسببٍ واحدٍ فقط، هو أن هويته الشخصية تشير إلى أنه تولّد الغوطة الشرقية”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]