ما حقيقة توطين اللاجئين السوريين في لبنان؟



ما يزال خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي فُسِّر على أنه يطرح توطين اللاجئين في البلدان التي يقيمون فيها، يرمي بثقله على الدول المستضيفة للاجئين السوريين، ولا سيّما لبنان، حيث تتوالى ردات فعل السياسيين اللبنانيين.  وتلخص الرد الرسمي من مجلس النواب اللبناني مؤكدًا أن “المجلس اتخذ توصيات عدة في شأن التوطين وفق الدستور، حيث تؤكد الفقرة (ط) من مقدمة الدستور أن “أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، ولا فرز للشعب ولا للأرض ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.”[1].

ما يهمنا التركيز عليه هنا، هو عدم دقّة الترجمة التي أخِذ بها كلام ترامب في الأمم المتحدة، “فهو لم يتحدث عن توطين أو تجنيس، إنما تحدث عن بقاء النازحين في مكان قريب من بلدهم؛ ليتمكنوا من العودة إليه والمساهمة في إعادة إعماره”.

حتى لو افترضنا أنه تحدث عن توطين، فالرئيس الأميركي لا يستطيع فرض التوطين على أي بلد، انطلاقًا من خطابٍ يلقيه؛ ذلك أن عملية التوطين أو التجنيس تعتمد على قوانين الدول الخاصة بها، ولكل دولة تشريعات خاصة للتجنيس وفق دستورها، ولا يستطع أحد -أيًا كان- أن يفرض أي عملية توطين لأي بلد. وأكبر دليل على ذلك ما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين، فبعد أكثر من 65 عامًا؛ لم تتمكن أي جهة أو قرار دولي من توطين اللاجئين الفلسطينيين، فمنذ عام 1948 تم وضع أكثر من 50 مشروعًا[2] لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول مختلفة وبأسماء وعناوين مختلفة؛ ولم يتم تنفيذ أي منها.

لم يقتصر الاستنفار اللبناني حول توطين اللاجئين فقط، وإنما وصل إلى رفض “العودة الطوعية للاجئين”. حيث تحفظ لبنان على عبارة “العودة الطوعية للاجئين السوريين” التي وردت في قرار مجلس الأمن الدولي، لما قد يترتب عليه من احتمال توطينهم في لبنان، وهو أمر يرفضه الدستور، حيث أكدت وزارة الخارجية: “يهم وزارة الخارجية والمغتربين أن توضح تعليقًا على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 أنها، مع تأييدها لما تضمنه من خارطة طريق للحل السياسي في سورية، إلا أن لدى الوزارة ملاحظات على ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين”. وأشار البيان إلى أن الإصرار على طواعية العودة، حتى بعد انتهاء الأزمة وتوفير الشروط اللازمة من أجلها، “إنما يزيد من مخاوف لبنان من تفكير قائم على إمكانية بقاء، أي توطين، السوريين في لبنان”[3].

التحريض الإعلامي حول توطين اللاجئين السوريين

من يتابع نشرات الأخبار في لبنان؛ يعرف جيدًا كيف استغلت قضية توطين النازحين إلى درجة، وصلت إلى توجيه الاتهامات والإهانات للسوريين. حيث تؤكد مصادر لبنانية[4] أن “الإعلام اللبناني يخوض حملات تهويل وتخويف مبالغ فيها، تجاه اللاجئين السوريين، عملت على تكريس خطاب تحريضي، وانتهجت لغة التهويل والتخويف من اللاجئين”.

وقد استغلت بعض وسائل الإعلام خطاب الرئيس الأميركي والتحريف في الترجمة وعدّته مؤامرة خارجية. قالت إحدى الصحف: “التوطين أمر مرفوض، هذا ما يجمع عليه اللبنانيون منذ سنوات عدة، وحتى اليوم، ولكن هل سيأتي القرار الخارجي ويفرض نفسه على المسؤولين وعلى الشعب؟ وهل ستبقى مسألة تهجير اللبنانيين من وطنهم هاجسًا لدى كل مواطن؟ وهل سيقدم ترامب توضيحًا لما قيل إنّه كلام “مُحرّف”. كما طالبت بعض الصحف بتوحد الشعب اللبناني لمواجهة المؤامرة: “على الشعب اللبناني أن يتوحد لمواجهة مؤامرة التوطين، ولا تنسوا أن بعض زعماء لبنان سيعملون على إقرار المشروع لمصالح انتخابية”[5].

وهناك الكثير من التصريحات السياسية التي تنادي بالتصدي لمحاولة توطين اللاجئين السوريين، حيث قال أحد نواب البرلمان: “على لبنان التحرك على مستويين: المستوى الأول خارجي متصل بتظهير موقف لبنان الرافض للتوطين، والملحّ على عودة النازحين إلى بلادهم في المنتديات والدوائر السياسية الدولية، أي على لبنان أن يقوم بهجوم معاكس على طروحات توطين اللاجئين السوريين حيث هم، بتكثيف جهوده الديبلوماسية لتثبيت مطالبه في هذا الخصوص”. أمّا المستوى الثاني فهو داخلي، ويتصل بـ “التشدّد إزاء موجة الاستخفاف بخطر النازحين السوريين على الوضع اللبناني، وموقفنا هذا ليس ناجمًا عن عنصرية إنما عن إدراك لحقيقة هذا الخطر. عملنا يجب ألا يكون محصورًا بمساعدة اللاجئين، إنما بحثّهم على العودة”[6].

كالعادة لم تسلم مواقع التواصل الاجتماعي من الاستنكارات والرفض للتوطين، كما ربط البعض المسألة بـ “المصالح الانتخابية”، حيث انتشر وسم “لا للتوطين في لبنان”.[7] وقد أكدت صحيفة (عكاظ) السعودية ذلك، ونشرت أن “إثارة قضية توطين النازحين السوريين، قبل الانتخابات، تهدف إلى شدّ العصب المسيحي لمصلحة فريق معين، ولا ترتبط بأي عمل خارجي”[8].

بالمقابل، هناك صحف لبنانية دافعت عن السوريين، وتساءلت: لماذا تستمر العنصرية تجاه السوريين؟[9] حيث أكد موقع (ساسة بوست): “استشرت ظاهرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يعيش حوالي مليون ونصف سوري في ظروفٍ قاسية على الأراضي اللبنانية. لا تكفُّ وسائل الإعلام عن تناول حوادث تدل على مدى استفحال هذه العنصرية، ففي وقتٍ تستمر فيه جهود الناشطين اللبنانيين في التصدي لها أيضًا، يُحرق طفل سوري، أو يُمنع ذووه من التجول، أو يكون مادة سخرية في برنامج تلفزيوني لبناني، كل ذلك بدافع عنصري؛ فلماذا كل هذه العنصرية!”.

يرجع المحامي اللبناني نبيل الحلبي استمرار مواقف العنصرية تجاه السوريين إلى “عدم وجود دولة في لبنان، وإلى الفوضى، حيث لا يوجد رادع لحماية الضعفاء أيًا كانت جنسيتهم حتى لو كانوا لبنانيين ضعفاء”، ويرى الحلبي أن دور المجتمع الحقوقي والمنظمات في إنهاء هذه المظاهر معدوم؛ لأنهم ليس لهم سلطة”[10].

ليست هذه المرة الأولى التي يستنفر فيها لبنان حول توطين اللاجئين السوريين، فعندما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تقريره “بأمان وكرامة: التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين”[11] استنفر اللبنانيون واعتقدوا أنه يروج لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان. ونتيجة لذلك؛ قامت الأمانة العامة للأمم المتحدة في وقتها بنفي ما أوردته وسائل الإعلام اللبنانية عن التقرير مؤكدة أن “أحدًا في المنظمة الدولية، وخصوصًا الأمين العامل للأمم المتحدة، لا يدعو لبنان إلى امتصاص اللاجئين السوريين أو إعطائهم الجنسية”. وقال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمره الصحافي: إن “التقرير ونطاق توصياته عالميان”، وأوضح أنه “لا يشير بالاسم إلى أي بلد محدد، وهو يسعى في المقام الأول إلى تشجيع مزيد من العمل الجماعي، وتقاسم أفضل للمسؤولية من الدول الأعضاء لمعالجة التحركات الكبيرة من اللاجئين والمهاجرين”. وشدد على أن التقرير “لا يروّج، في أي حال محددة، للتوطين أو إعطاء الجنسية للاجئين”.

كذلك، لفت دوجاريك إلى أن الأمين العام “مدرك لحقيقة كون منح المواطنة لغير المواطنين هو في كل دولة، من شأن السياسات والقوانين الوطنية”. وأكد أن الأمم المتحدة “لا تسعى إلى الإدماج المحلي، كحلٍّ للاجئين السوريين في لبنان”[12].

التوطين وإعادة التوطين

هناك اختلاط بين المفهومين عند البعض، فالتوطين يعني التجنيس، وفق قوانين وتشريعات كل دولة؛ بينما إعادة التوطين الذي تروّج له الأمم المتحدة هو “نقل اللاجئين من بلد لجوء إلى دولة ثالثة وافقت على قبولهم”. وقد ذكرت الأمم المتحدة عن سعيها إلى إعادة توطين 450 ألف لاجئ سوري، يشكلون عُشر الأعداد الموجودة الآن في دول مجاورة لسورية، وذلك بنهاية عام 2018. وأشارت الأمم المتحدة إلى أنها تواجه مخاوف واسعة النطاق، إضافة إلى تسييس المسألة. وقد أعلنت 28 دولة عن تضامنها مع اللاجئين السوريين، حيث ستكون الأولوية لإعادة توطين لاجئين سوريين مقيمين في لبنان والأردن، إلى دول أخرى، وافقت على استقبالهم.

أما توطين وتجنيس السوريين في بلد آخر، فهذا موضوع مختلف تمامًا، ويخضع لقوانين تحكم عملية التجنيس، فمثلًا في أوروبا تستغرق عملية التجنيس عادة 10 سنوات. في البداية يجب الحصول على تصريح الإقامة المؤقتة الذي يتجدد سنويًا، بعد العيش في البلاد مدة 5 سنوات. وبعد 5 سنوات من العيش مع وضع الإقامة الدائمة (في المملكة المتحدة بعد 1 سنة)؛ يصبح اللاجئ مؤهلًا للتقدم بطلب للحصول على الجنسية، بعد المرور بعددٍ من الاختبارات والإجراءات المحددة، وإثبات معرفة اللغة وتقاليد البلد. كما أن هناك ظروفًا خاصة لفئة من المهاجرين الذين هم قادرون على تقليل فترة الإقامة الإجبارية في البلاد للحصول على الجنسية، على سبيل المثال، الزواج من مواطن من البلاد، أو الحاجة إلى جمع شمل الأسرة.

يأتي موضوع تجنيس السوريين في دول غربية في سياق مختلف، حيث يعدّ حلم الهجرة إلى الغرب قديمًا عند الشباب السوري، وأتاحت الحرب للكثيرين فرصة اللجوء إلى أوروبا، ومن ثم التجنيس، وفق قوانين البلد المضيف.

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم

إن موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم هو من الأولويات الأممية، فقد أكد كبار المسؤولين الأمميين أنه لن يكون هناك سلام أو استقرار في الشرق الأوسط، دون عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وقال أمين عوض المنسق الإقليمي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سورية: إن “استمرار وجود 5 ملايين لاجئ سوري، في البلدان المجاورة لبلادهم، يشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”[13].

العودة إلى سورية ستكون قريبة، وهناك تنسيق روسي مع الولايات المتحدة حول مناطق خفض التوتر الأربع في سورية، أو مع تركيا وإيران في الشمال. والتفاهم حول هذه المناطق مهم للتمهيد للعملية السياسية خلال الأشهر الستة لهذا التفاهم؛ ما قد يثبت بداية التسوية. وقد يتم البدء بعودة النازحين السوريين القريبين من النظام، إذ لم يعد هناك من مبرر لبقائهم في دول الجوار، بعد التطورات الأخيرة على الأرض في سورية والقضاء على (داعش)، وهو السبب الذي كانوا يبررون فيه لجوءَهم.

الشعب السوري يرفض التوطين، وما يريده هو أن يعود إلى وطنه، وهو يرفض الطروحات المشبوهة التي تهدف إلى نزع المواطن السوري من أرضه. ولكن من غير المعقول أن يعني رفض التوطين تحويل أماكن يعيش فيها اللاجئون إلى سجون جماعية ومنع تجول ومنع لكسب الرزق.. فرفض التوطين هنا يتحول إلى رفض لحياة هؤلاء اللاجئين، في اتجاه هروبهم من الجحيم إلى جحيم آخر. وقد كتبت الصحافية غادة السمان مقالًا تحت عنوان: “أيها السوري: اخرج من لبنان!” تشرح فيه مدى الحالة التي وصل إليها اللاجئ السوري، فهو يتعرض للسخرية والضرب يوميًا من اللبنانيين حيث تقول: “لم يعد السوريون النازحون يطيقون تذمر اللبنانيين من حضورهم، فهم اختاروا أهون الشرّين، لبنان أو المراكب الغامضة اللعينة التي قد تقودهم إلى الغرق على شواطئ أوروبا”[14].

الذي يعيش وعاش اللجوء؛ عليه أن يتعامل مع موضوع اللاجئين بتفهم وتعقل واحترام إنسانية اللاجئين على أرضه. إن بلدًا يعيش ثلثا أهله في بلدان المهاجر ينبغي، ويُتَوقَّع منه، أن يقدِّر ظروف اللاجئين وصعوبات تكيفهم واندماجهم مع البيئات الجديدة، ومتطلبات حياتهم ومعيشتهم، فالشاعر اللبناني الشهير إلياس فرحات، حين كان يعمل بائعًا جوالًا في البرازيل، لم يخطر بباله أن يقوم أحد البرازيليين، ويقول له إنك تخطف اللقمة من فمي، بينما لم يستطع اللبنانيون فهم هذا المعنى على ما يبدو، حيث يقولون: “إن اللاجئين السوريين يخطفون اللقمة من فم اللبنانيين”[15].

[1] مجلس النواب يرد على ترامب: أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين ولا توطين

http://www.aljoumhouria.com/news/index/383342

[2] توطين اللاجئين الفلسطينيين  http://www.marefa.org/%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86

[3] www.aljazeera.net/news/arabic/2015/12/20/لبنان-يتحفظ-على-العودة-الطوعية-للاجئي-سوريا

[4] «عنصرية» لبنان تجاه السوريين.. بشار الأسد ليس السبب الوحيد

http://alraafed.com/2017/07/29/11166/

[5] www.elnashra.com/news/show/1137538/خطاب-ترامب-التوطيني-يثير-الشعب-اللبناني:-التوطين-م

[6] «لا توطين».. بقوّة الدستور و«الإجماع الوطني»

http://www.almustaqbal.org/node/96064

[7]خطاب ترامب “التوطيني” يثير الشعب اللبناني: التوطين مشروط بطرد النواب كافة…

http://www.elnashra.com/news/show/1137538/%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A:-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D9%85

[8] http://www.okaz.com.sa/article/1573955/السياسة/ لبنان-الانتخابات-تعيد-الجدل-حول-توطين-السوريين

[9] عنصرية لبنان تجاه السوريين.. بشار الأسد ليس السبب الوحيد

https://www.sasapost.com/racism-in-lebanon/

[10] المرجع السابق

[11] الأمين العام للأمم المتحدة تقريره “بأمان وكرامة: التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين

https://refugeesmigrants.un.org/ar/secretary-generals-report

[12] الأمم المتحدة تسارع إلى احتواء الحملة: لا أحد يدعو للتوطين والتجنيس في لبنان

https://newspaper.annahar.com/article/385549-الأمم-المتحدة-تسارع-إلى-احتواء-الحملةلا-أحد-يدعو-للتوطين-والتجنيس-في-لبنان

[13] الأمم المتحدة: عودة اللاجئين السوريين شرط استقرار المنطقة – http://eldorar.com/node/114259

[14] إلى متى السكوت على العنصرية ضدّ اللاجئين السوريين | جنوبية

http://janoubia.com/2017/07/13/%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%AA-%D8

[15] لهذه الأسباب.. يجب أن يكون لبنان آخر بلد يحارب اللاجئين

http://jisrtv.com/المقالات/مقالات-رأي/لهذه-الأسباب-يجب-أن-يكون-لبنان-آخر-بلد-يحارب-اللاجئي




المصدر
شذى ظافر الجندي