‘«ميدل إيست آي»: «هزيمة» السُّنة.. كيف هيمن حزب الله على السياسة اللبنانية؟’

1 تشرين الأول (أكتوبر)، 2017
12 minutes

إن الهيمنة الحالية لحزب الله – وهي الجماعة الشيعية القوية في لبنان– على الشؤون المحلية في غياب قوة سياسية مضادة، تركت السنة يشعرون بالضعف والإحباط.

قال مصطفى علوش – عضو البرلمان السابق – لميدل إيست آي في إشارة إلى السنة في لبنان: «هناك شعور بالهزيمة»، على الرغم من أن تعدادهم يساوي تقريبًا تعداد الشيعة في ذلك البلد متعدد الديانات.

أعلن حزب الله – المدعوم من إيران – مؤخرًا انتصاره في سوريا، وقبل أقل من عام، تقلد حليفه ميشال عون منصب رئاسة لبنان حيث أصبح لاعبًا إقليميًا رئيسيًا. وكان الحزب يقاتل إلى جانب الحلفاء الدوليين للحكومة السورية – بما في ذلك روسيا – مع الحفاظ على الردع الحدودي ضد الإسرائيليين والتهديد بأن المواجهة التالية قد تحدث على أراضي الدولة العبرية.

وتتعرض الكتلة السنية الرئيسية برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري لأزمات مالية وسياسية وسط فتور العلاقات مع السعودية. كان الحريري قد عاد إلى رئاسة الوزراء مع صعود عون إلى الرئاسة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن ذلك لم يتم إلا بموافقة حزب الله.

وكان الحزب قد أطاح بحكومة الحريري الأولى في عام 2011 – قبل وقت قصير من بدء الصراع السوري – عندما سحب حزب الله وحلفاؤه وزراءهم من الحكومة. وكان رئيس الوزراء قد هيمن على أصوات السنة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولكن هذا كان في عام 2009. ويقول المراقبون وأعضاء حزبه إن الحريري من غير المرجح أن يحتفظ بهيمنته المطلقة تقريبًا على التمثيل السني في انتخابات العام المقبل.

لم يعد سعد الحريري، الذي ورث حزب حركة المستقبل عن والده بعد اغتيال رفيق الحريري في عام 2005، هو الزعيم الذي لا يشق له غبار لدى سنة لبنان. وقد بات الحريري بين مطرقة المتشددين الذين يقولون إنه يتنازل كثيرًا، وسندان حزب الله الذي يعتبر الحريري ذراع ألد أعداء إيران في المنطقة؛ الرياض.

موقف غير عادي

كان أشرف ريفي – رئيس الأمن السابق ووزير العدل – قد هجر معسكر الحريري بسبب ما أسماه «الانحناء أمام إرادة حزب الله». وقال إن مستقبل حزب حركة المستقبل مظلم. يعتبر ريفي أحد الشخصيات الصاعدة في المجتمع السني التي قد تهدد قيادة الحريري.

في انتخابات مجلس مدينة طرابلس عام 2016، هزم المرشحون المدعومون من قبل ريفي قائمة الحريري، والتي حظيت بدعم من قادة محليين آخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي.

في مقابلة مع ميدل إيست آي، أكد ريفي على أنه منحاز إلى موقف فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما اختارت حكومة فيليب بيتين تسليم فرنسا إلى النازيين، في حين قاد الجنرال شارل ديجول حركة مقاومة من لندن.

يؤكد حزب الله من جهته أنه لا يريد السيطرة على لبنان، وأنه أرسل مقاتليه إلى سوريا لحماية الشعب اللبناني من تهديد الإرهاب. لكن ريفي يلوم حزب حركة المستقبل من أجل «الموقف غير الطبيعي» الحالي الذي يجد السنة اللبنانيين أنفسهم فيه.

وقال ريفي لميدل إيست آي من منزله في حي الأشرفية في بيروت: «إنهم يشعرون أن القيادة قد تخلت عنهم». وأضاف أن «القيادة التي منحوها كل ثقتهم وأصواتهم لم ترتقِ إلى المستوى المناسب من المسؤولية؛ فقد تصرفت وكأنها هُزمت واتخذت خيارات تتنافى مع خيارات المجتمع الذي تمثله».

وأشار ريفي إلى أنه بالإضافة إلى فشل التعامل مع حزب الله، فشل حزب الحريري أيضًا في تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للشعب. وأضاف أن حركة المستقبل لبت احتياجاتها الخاصة عبر إعطاء حزب الله رئيسًا وأغلبية في مجلس الوزراء، في تلميح إلى عودة الحريري رئيسًا للوزراء.

من جانبه، قال عامر حلواني – عضو المكتب السياسي لحركة المستقبل – إن الحريري وافق على تعيين عون رئيسًا، لأن الخيار الآخر هو أن تنهار الدولة اللبنانية بعد أكثر من عامين من شغور منصب الرئاسة. صرح لميدل إيست آي بالقول «في السياسة، أنت لا تختار بين الصواب والخطأ، بل تختار البديل الأقل خطورة والأقل خطأ».

كما أن الحريري هو الزعيم الرئيسي لحركة 14 مارس (آذار) المدعومة من الغرب والسعودية والتي تشكلت بعد اغتيال والده في عام 2005 للمطالبة بانسحاب الجيش السوري من لبنان. وبالفعل، انسحبت القوات السورية من لبنان بعد انتفاضة شعبية تلت وفاة الحريري. وكانت دمشق قد هيمنت على الشؤون اللبنانية منذ نهاية حربها الأهلية عام 1990.

وكانت كتلة الحريري قد بدأت هجومها على الحزب بعد اكتساحها الانتخابات في العام نفسه ؛إذ دعا حلفاءه إلى نزع سلاح حزب الله، ودفعوا بنجاح نحو تشكيل محكمة دولية للتحقيق في وفاة الحريري. ومع ذلك، بدأ التحالف يتدهور عندما وجد حزب الله حليفًا في عون، الذي كان سابقًا معارضًا قويًا للحكومة السورية.

 

وفي 7 مايو (أيار) 2008، نشر حزب الله مسلحين في بيروت احتجاجًا على قرار الحكومة التي يقودها تحالف 14 مارس (آذار) بإزالة شبكة هاتف داخلية أنشأتها الجماعة. شل المسلحون الحياة في العاصمة وحرقوا محطة تلفزيون المستقبل التابعة للحريري. وقال حزب الله إن شبكة الهاتف كانت جزءًا أساسيًا من ترسانتها ضد إسرائيل. وتعهد زعيمه حسن نصر الله بـ«قطع اليد» التي امتدت ألى أسلحة حزب الله.

غيرت هذه الأحداث ميزان القوى في لبنان. قال علوش – وهو زعيم بارز في حركة المستقبل – إن حزب الله كانت لديه طريقته في التعامل مع المعارضين السياسيين باستخدام أسلحته أو التهديد باستخدامها.

يشعرون وكأنهم أقلية

ونوه علوش إلى أنه منذ بدايات الإسلام، كان السنة في السلطة واعتبروا أنفسهم جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وليس مجتمعًا هامشيًا. ولكن عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، صدموا بفقدان مركز سلطتهم في العالم.

في لبنان، أدى اغتيال رفيق الحريري وتحول حزب الله إلى أقوى قوة في البلاد إلى شعور السنة بأنهم أقلية وعزز الشعور لديهم بأنهم ضحية. وأكد علوش أن الحرب في سوريا عززت هذا التصور.

قال علوش – وهو طبيب من مستشفى في مدينة طرابلس الشمالية – «بعد عامين من الثورة، وبعد كل المجازر وتدخل حزب الله، فإن موقف السنة هو استهدافهم إقليميًا، ليس فقط في لبنان». وأضاف أن السنة يشعرون أن هناك حربًا عالمية ضدهم يشنها الغرب وروسيا وايران.

إن نظريات المؤامرة حول عمل طهران سرًا مع واشنطن ضد المسلمين السنة قد غذت مشاعر معادية لإيران وللشيعة في المنطقة. وإن الشعور بالإحباط الذي يتملك السنة في لبنان هو أيضًا جزء من شعور أوسع من القمع منذ فشل الربيع العربي.

يشعرون أنهم ضحية

أشار علوش إلى ازدواجية معايير الدولة في التعامل مع اللبنانيين الذين قاتلوا في سوريا. ففي حين أن حزب الله أصبح قوة حاسمة في الحرب الأهلية في البلد المجاور، فقد اعتُقل اللبنانيون السنة الذين انضموا إلى قوات المتمردين وجرت محاكمتهم.

منذ بداية الصراع السوري، شهد لبنان صعود الجماعات السنية المسلحة، بما في ذلك ظهور الشيخ أحمد الأسير، الذي حكم عليه بالإعدام في 28 سبتمبر (أيلول) عقب اشتباكات دامية مع الجيش اللبناني. وقال علوش إن التطرف المسلح يغذي العنف مؤكدًا أن الحريري لم يشجع أو يوافق على هذه المجموعات. وأضاف «إن موقفنا فى حركة المستقبل كان دائمًا أن التطرف لا يمكن التعامل معه سوى باعتدال أكبر».

كما ندد ريفي بالحركات والشخصيات السنية المسلحة قائلاً إنها لا تمثل المجتمع المعتدل، وأن المتطرفين جرى التهويل منهم بين السنة لأنهم ملأوا الساحات العامة، في حين بقي المعتدلون في المنزل. وأضاف ريفي «لكن الانحناء ليس اعتدالًا، بل هو انتحار». لكن علوش حذر من أن حمل السلاح ضد حزب الله لن يكون فعالاً.

وقال إن الهدف من الصراع مع حزب الله هو البقاء دون استسلام، معترفًا بالقيود المفروضة على حزبه. وبحسب علوش، هناك حلان ممكنان لأسلحة حزب الله؛ اتفاق دولي من نوع ما أو هزيمة أحد الجانبين في صراع طائفي إقليمي.

وأضاف «في كلتا الحالتين، لن يكون دورنا في لبنان مؤثرًا ما لم يكن هناك تسليح وتمويل للجماعات السنية في لبنان. وفي هذه الحالة، سنسير نحو حرب أهلية مدمرة للبلاد».

وأشار علوش إلى أن خصوم الحريري من السنة رفعوا سقف التوقعات، ولكنهم فشلوا في تقديم أي حلول فعلية. ومع ذلك، رفض ريفي فكرة أن التصدي لحزب الله سيؤدي إلى حرب أهلية. وقال «البديل هو الدولة وليس الميليشيات، ولا استطيع الموافقة على الانحناء بحجة أن حزب الله يمتلك أسلحة».

تعليقًا على ذلك، قال عبد الغني عماد – أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية – إن تغير ميزان القوى وضعف الدولة والتوترات الطائفية غير المسبوقة جعلت السنة يشعرون أنهم ضحايا للظلم. وأضاف في حديثه مع ميدل إيست آي «مثل كل اللبنانيين، يريد السنة العدالة والمساواة. ولكن نظرًا لهذا التوتر الطائفي، فإنهم يشعرون أن هناك تمييزًا ضدهم».

الدور السعودي

سرت شائعات في طرابلس تفيد بأن قطر قد تكون وراء تمرد ريفي السياسي. لكن رئيس الأمن السابق ينفي أنه يتلقى أموالاً من الدوحة. وقال إن السنة في لبنان لا يزالون يتطلعون إلى السعودية والامارات لقيادة المنطقة، قائلاً «نأمل أن يعود الانسجام إلى الخليج»، ومناشدًا قطر بمراجعة سياساتها للمساعدة على إنهاء الأزمة.

كان الحريري – الذي وقف إلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حديقة البيت الأبيض في يوليو (تموز) الماضي – قد أكد دعمه جهود الوساطة الكويتية في أزمة الخليج داعيًا إلى الحوار وامتنع عن انتقاد الدوحة.

وفي الوقت نفسه، يقول المحللون إنه في ظل هيمنة حزب الله، يبدو أن المملكة تغير نهجها تجاه لبنان. فبينما كانت الرياض تدعم الحريري ووالده قبله في مواجهة حزب الله، ألغت السعودية في العام الماضي منحة بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني وحذرت مواطنيها من زيارة البلاد. كان ذلك علامة على أن المملكة تبتعد عن الانخراط في الشؤون اللبنانية واعتبار البلد دولة معادية بسبب التمدد الإيراني.

ومع ذلك – على الرغم من انحسار دور السعودية – لم تجد قطر بعد موطئ قدم قوي في المشهد السياسي اللبناني.

واعترف عماد – أستاذ علم الاجتماع – بأن علاقات الرياض بالحريري مربكة. وقال إن السعودية تعمل الآن بصفة مراقب أكثر من لاعب في لبنان، دون أن تضع وزنها خلف الحريري. «هل تخلت عنه؟ ثم من هو حليفهم البديل؟» يتساءل عماد. وأشار إلى أنه لا يعتقد أن ريفي هو رجل السعودية الجديد في لبنان، قائلاً إن حركة المستقبل لا تزال الحزب السني الوحيد الذي يتمتع بشعبية واسعة.

أخيرًا، أعرب علوش عن أسفه لأن علاقات الحريري بالرياض ليست كما كانت عليه من قبل، لكنه رفض انتقاد المملكة، مشيرًا إلى أنها وقفت إلى جانب لبنان خلال الأوقات الصعبة.

رابط المادة : http://www.middleeasteye.net/news/feeling-defeat-lebanon-sunnis-frustrated-face-hezbollah-power-1674903272

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]