الهجمات الارتدادية: استراتيجية “داعش” لوقف هزائمه في سورية




استعاد تنظيم “داعش” الإرهابي توازنه في البادية السورية، مسترجعاً مواقع هامة من قوات النظام ومليشياته، إثر قيامه بهجمات ارتدادية مباغتة أدت إلى انهيار هذه القوات وتكبدها خسائر كبيرة في مناطق عدة خلال اليومين الماضيين، مما أعاد الصراع إلى المربع الأول، مع تحوّل قوات النظام إلى وضع دفاعي في البادية السورية مع مساندة الطيران الروسي لها، في ظلّ انسحابها من مواقع عدة شرق حمص وجنوب شرقيها أيضاً، في تكرار لسيناريو عام 2015، حين هاجم “داعش” في البادية السورية. وبدأ تنظيم “داعش” منذ أيام هجوما وُصف بـ “الارتدادي” في البادية السورية أدى إلى انهيار في صفوف قوات النظام، وحزب الله، ومليشيات محلية تساند قوات النظام.

وذكر ناشطون محليون أن التنظيم سيطر، أمس الأحد، على مدينة القريتين، جنوب شرقي مدينة حمص، والتي سبق أن اندحر منها منذ أشهر عدة، كما سيطر على قرية الطيبة في محيط مدينة تدمر في قلب البادية السورية. وكان التنظيم قد سيطر، يوم السبت، على جبل الطنطور ومحيطه وحواجز لمليشيات النظام جنوب السخنة وشرقها. كما سيطر على حواجز ومواقع جديدة في محيط السخنة.

وأكدت تنسيقية تدمر أن “قوات النظام تشهد انهيارات”، مشيرة إلى “استمرار الاشتباكات في محيط بلدة السخنة شمال مدينة تدمر”. وذكرت أن “التنظيم يحاصر المدينة من ثلاث جهات ما يعني قطع طريق إمداد النظام باتجاه مدينة تدمر، وبالتالي قطع الطريق الدولي الواصل بين العاصمة دمشق، ومدينة دير الزور في شرقي البلاد مروراً بتدمر”.

وأشارت التنسيقية إلى أن “التنظيم سيطر خلال هجومه على المحطة الثالثة في خط أنبوب النفط العراق ـ طرطوس الذي توقف العمل فيه في ثمانينيات القرن الماضي. كما سيطر داعش على حقلي الهيل والنجيب، شرقي تدمر”، منوّها إلى “قتل العديد من قوات النظام، وهروب معظم المدنيين من تدمر”. وأشار ناشطون إلى أن “المناطق التي سيطر عليها داعش تتعرض لقصف جوي مكثف من الطيران الروسي، وطيران النظام في محاولة لإيقاف تقدم مسلحي التنظيم”.

وفي القريتين، قالت مصادر متطابقة لـ “العربي الجديد”، إن “التنظيم شن هجوماً انغماسياً مساء السبت على مواقع قوات النظام في القريتين، مما أدى إلى انسحابهم منها ليدخل التنظيم إلى البلدة أمس الأحد”. وكان التنظيم قد اندحر منذ أشهر من البلدة الواقعة في ريف حمص الجنوبي الشرقي، فيها نحو 50 ألف شخص. وموقع البلدة استراتيجي، بسبب قربها من مستودعات السلاح في مهين، إضافةً إلى اعتبارهاً ممرّاً بين ريف حمص وجبال القلمون في ريف دمشق.

وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن “مجموعات من مقاتلي التنظيم تسلّلت من منطقة البادية إلى القريتين، حيث كان يتواجد عدد قليل من قوات النظام، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة”. وأوضح أن “معارك عنيفة دارت بشكل متزامن بين الطرفين على محاور عدة في بادية السخنة، وتمكن التنظيم أيضاً من السيطرة على بلدة وجبل استراتيجي مشرف على طريق حيوي”.

وكان المتحدث باسم قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، أليكسندر إيفانوف، قد اعتبر يوم السبت، أن “هجمات التنظيم الارتدادية ضد قوات النظام مثيرة للريبة”، مضيفاً أن “التنظيم المتشدد فقد التوازن بشكل كامل في الآونة الأخيرة، لكنه الآن يستعيد توازنه بشكل سريع بعد تدخل واشنطن عبر (قوات سورية الديمقراطية)، شمال دير الزور ووضعها لقيود حالت دون استكمال القضاء على التنظيم المتشدد بشكل كامل”.

وأضاف المسؤول الروسي في تصريحات نُشرت على صفحة “قاعدة حميميم” على موقع “فيسبوك”، أن “هذا الهجوم لم يكن ليحدث لولا التدخل الأميركي شمال دير الزور والذي كان بمثابة إنقاذ للتنظيم الإرهابي الدولي من الفناء في لحظاته الأخيرة”، معتبراً أن “هذه التصرفات غير المسؤولة ستؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا في سورية، وارتفاع في وتيرة العنف من جديد”.

وحوّلت روسيا البادية السورية إلى منطقة نفوذ لها بسبب غنى الأخيرة بالبترول والفوسفات، فضلاً عن موقعها المميز في الجغرافيا السورية، لاحتلال البادية نحو نصف مساحة البلاد. وكان التنظيم قد شنّ في أواخر عام 2016 هجوماً مباغتاً على قوات النظام في تدمر بعد أشهر من خسارته المدينة التاريخية، مسيطراً عليها لوقتٍ قصير قبل طرده منها مجدداً. وخلت البادية السورية من أغلب أهلها الذين نزحوا من بيوتهم مع تقدم قوات النظام باتجاه تدمر ومحيطها منتصف العام الماضي، وانتشروا في مخيم الركبان، وفي الرقة، ومناطق سورية أخرى.

وسبق لـ”داعش” أن تراجع منذ بداية يونيو/حزيران الماضي عن أهم مواقعه في البادية السورية وفي ريف الرقة الجنوبي والجنوبي الشرقي، أمام قوات النظام التي كانت تتقدم باتجاه مدينة دير الزور. واندحر “داعش” أيضاً في شمال شرقي دير الزور، فخسر السبت حقل الجفرة النفطي، كما خسر منذ أيام بلدة الصور وحقل ومحطة كونوكو.

بموازاة ذلك، احتدم القتال بينه وبين قوات النظام داخل مدينة دير الزور وفي محيطها، في محاولة منه لإفشال مخططها في محاصرة المدينة، فشنّ هناك أيضاً هجمات ارتدادية ضد قوات النظام، وأوقف تقدمها في المدينة. وفي ريف حماة الشرقي عمل التنظيم على الدفاع عن معاقله في بلدة العقيربات ومحيطها، لفك الحصار المفروض من قوات النظام عليه منذ أكثر من شهرين.




المصدر